كشفت المناظرة التلفزيونية التي أجريت، ليل الأحد، بين الطامحين إلى قيادة حزب "المحافظين" البريطاني عن أمور كثيرة، فقد تبين ألا مودة بينهم على الإطلاق، ولا حلول واضحة وفورية لأزمة ارتفاع تكلفة المعيشة في المملكة المتحدة. ويبدو أن نظام الإضاءة في أستوديو قناة "أي تي في" كان أكثر وضوحاً من إضاءة "القناة الرابعة" (التي استضافت المناظرة الأولى)، ليس فقط في كشف تعابير وجوههم، بل أيضاً علامات الإرهاق البادية على ملامحهم.
فقد تلاشى مفعول السحر الذي استخدمه توم توغندات رئيس "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم" يوم الجمعة، شأنه شأن الدعابات المختلفة التي أطلقتها كيمي بادنوك وزيرة الدولة البريطانية لشؤون المساواة. وفيما امتاز شعر بيني موردونت وزيرة التنمية الدولية بمظهر لامع، فإن قلبها لم يكن تماماً على هذا النحو. أما وزير الخزانة السابق ريشي سوناك ووزيرة الخارجية ليز تراس فبديا أكثر حيوية، ربما لأنهما لم يجيدا كثيراً إخفاء مشاعر الازدراء التي يكنها أحدهما للآخر. ومن يأبه للأمر، أليس كذلك؟
وفي قراءة أكثر جدية، ستشكل هذه المسألة عائقاً بالنسبة إليهم، فالبرلمان البريطاني يدخل يوم الخميس في العطلة الصيفية، لكن حزب "المحافظين" لن يحصل على استراحة، وسيختار نوابه أفضل مرشحين للقيادة في الأيام القليلة المقبلة، ثم يبدأ الثنائي جولتهما في أرجاء البلاد، في محاولة إقناع أعضاء الحزب بالتصويت لهما.
من غير المرجح أن تسير الأمور على نحو ودي. وإذا لم يقع خطأ فادح، فسيكون سوناك وتراس آخر المرشحين القادرين على الصمود في نهاية الأسبوع. ومن الواضح أن أنصار وزير الخزانة يكنون الكره لوزيرة الخارجية، والعكس صحيح. وستكون هناك حروب قصيرة بينهما، وهجمات لا نهاية لها بين مرشحين من اللون الحزبي نفسه (الأزرق)، وخوف دائم من ارتكاب هفوات، خشية أن تعطى للطرف الآخر نقطة تصويب جديدة في الحملة.
في اختصار، لن يحظى "المحافظون" بعطلة صيفية مريحة، لكن على الخط المقابل، يمكن لسياسيي حزب "العمال" الاستمتاع باكراً بانتعال الشباشب الصيفية وارتداء النظارات الشمسية. فهم ما زالوا متقدمين في استطلاعات الرأي، ولم يعد تهديد شرطة دورهام لزعيم الحزب كير ستارمر بفرض غرامة عليه، جاثماً فوق صدره. واستناداً إلى معايير الجناح اليساري في الحزب، فإن أعضاء البرلمان من "العمال" يتقدمون على نحو واسع في اتجاه تحقيق هدفهم في الوقت الراهن.
وبات في إمكانهم الاسترخاء على الشاطئ وتناول مشروباتهم، والاستمتاع بالتفرج على خصومهم وهم يتقاذفون التهم والانتقادات، فيما يقومون من وقت إلى آخر بإطلالة ما لتذكير الناخبين بوجودهم. ويمكنهم بعد الاستراحة التي يستحقونها، أن يعودوا إلى "ويستمنستر" في سبتمبر (أيلول) المقبل، لمتابعة العمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، يبدو أنهم باتوا يتمتعون بميزة كبيرة على خصومهم في الحكومة. فسياسيو "المحافظين" لم يحظوا في نهاية المطاف بإجازة صيفية مناسبة على مدى أربعة أعوام على الأقل، بحيث شهد عام 2019 تنافساً قوياً على زعامة الحزب، أما الوباء فأدى على مدى عامين، إلى وضع الجميع في حال تأهب مستمر.
بطبيعة الحال، قد يكون من السهل أن نبدي بعضاً من التعاطف مع هؤلاء النواب. فهم الذين اختاروا إطاحة كل من رئيسة الوزراء السابق تيريزا ماي، ورئيس الوزراء الراهن بوريس جونسون. وهم ليسوا الوحيدين الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب نتيجة وباء "كوفيد-19"، لكن البقاء عالقين داخل فقاعة ويستمنستر، سواء أكان ذلك بوجودهم الشخصي أو من خلال انخراطهم في حملات وتآمرات لا تنتهي عبر تطبيق "واتساب"، ليس سليماً لأحد.
يمتلك السياسيون في قطاع "جنوب غربي لندن الأول" SW1 (حيث يوجد مقر البرلمان)، آراء وأولويات مختلفة عن بقية البلاد. فما يهمهم في الغالب قد لا يهم بالضرورة جمهور الناخبين. أما عقارب الساعة فتدور هي الأخرى بشكل مختلف داخل البرلمان وحوله. وفيما تستهلك بعض السرديات الكثير من الوقت والطاقة داخل جدران "ويستمنستر"، تجدها تمر مرور الكرام بالنسبة إلى الأشخاص العاديين في الخارج من دون أن يعير لها أحد بالاً.
هذا التباين في المواقف أوجد فعلاً بعض المطبات في حلبة السباق على زعامة حزب "المحافظين"، فقد هاجم المرشحون المختلفون بعضهم البعض بلا هوادة، في ما يتعلق بقضايا الضرائب ومسألة المتحولين جنسياً، لكن هل ينبغي أن تكون هذه هي أولوياتهم؟ لقد تبين أن هناك فجوة واسعة بين المواضيع التي يريدون طرحها للنقاش وتلك التي تريد البلاد منهم تسليط الضوء عليها. وما لم يعمد الفرقاء إلى كسر هذه الحلقة، فإن وتيرة الجدل القائم ستزداد حدة. وسنجدهم يواصلون هذا النقاش بين بعضهم البعض ومع المجموعة الصغيرة الناخبة في حزب "المحافظين"، ويمعنون في ابتعادهم عن سائر الأصوات والآراء في البلاد.
في الخلاصة، لا بد من أن يشكل ذلك مصدر قلق لنا ولهم على حد سواء، إذ إن أحداً لن يفوز إذا ما مكث الحزب الحاكم داخل فقاعة، ودخل الجميع في سبات عميق لسنوات طويلة. في الواقع، لا أقصد بذلك الجميع، فلو كنت عضواً في البرلمان من حزب "العمال"، لكنت على الأرجح بدأت تناول أقداح الـ "مارغريتا" منذ هذه الساعة.
© The Independent