عاد الهدوء إلى العاصمة الليبية بعد يوم وليلة داميين، ارتفع فيهما من جديد صوت السلاح على نداءات العقل والمنطق، بعد أن باتت التشكيلات المسلحة تحتكم إليه في كل خلاف صغير وكبير غير آبهة بمسرح معاركها سواء أكان داخل الأحياء السكنية أو خارجها، ما يخلف بعد كل اشتباك فاتورة باهظة من الأرواح.
الفصل الأعنف من صدامات الكتائب في طرابلس خلال العام الحالي الذي احتدم في اليومين الماضيين بين كتيبتي الردع والحرس الرئاسي واندلع في منطقة "الفرناج" قبل أن يمتد لأغلب أحياء طرابلس، كان مختلفاً عن كل الصدامات السابقة بداية من نوع السلاح المستخدم الذي ثقلت موازينه ونهاية بتبعاته التي أسقطت رؤوساً كبيرة، من أبرزها وزير الداخلية في حكومة عبد الحميد الدبيبة.
وعلى الرغم من أن هدوءاً حذراً يخيم على أجواء طرابلس في الوقت الحالي بعد تدخلات حكومية واسعة لتهدئة الموقف، إلا أن التوتر ما زال يسود الشارع مصحوباً بغضب عارم من الاستهتار بأرواح المدنيين الذين سقط منهم سبعة قتلى جراء هذه الاشتباكات بينهم نساء وأطفال.
ليلة من الرعب
ووصفت الناشطة رحاب الغرياني القاطنة في منطقة عين زارة في طرابلس التي كانت إحدى المناطق التي شهدت اشتباكات عنيفة الخميس والجمعة، لـ"اندبندنت عربية"، الليلة التي عاشها السكان في العاصمة بـ"المرعبة بكل ما في الكلمة من معنى".
وأضافت "لأول مرة منذ معركة طرابلس المعروفة عام 2013 تستخدم الأسلحة الثقيلة وسط الأحياء السكنية، مثل الهاوزر والغراد ومدفع 106"
وتابعت "شاهدت الدبابات تمر من شارعنا وتطلق قنابلها باتجاه الطرف الآخر". وقالت إن "الحياة في طرابلس بدت موحشة على غير عادتها يوم الجمعة، فحتى المساجد خلت من الوافدين للصلاة التي ألغيت خوفاً على حياتهم".
وأشارت إلى أن "منطقة عين زارة استعادت الهدوء حالياً، ولكن تسمع أصوات اشتباكات بعيدة من حين لآخر لا أستطيع تحديد مكانها بدقة، لكن أثار المعركة مرعبة، حيث تعج الشوارع بالسيارات المحترقة وبعض المباني تظهر فيها آثار الرصاص والحزن يلف الجميع".
حصيلة كبيرة من الضحايا
اختلفت الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية في طرابلس في تحديد حصيلة الضحايا الذين سقطوا جراء الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المدينة، والتي تراوحت بين 13 قتيلاً و18 قتيلاً بينهم سبعة مدنيين على الأقل بينهم امرأتان وطفل، وأكثر من 30 جريحاً إصابة بعضهم حرجة.
وقال المتحدث باسم خدمة إسعاف وطوارئ طرابلس أسامة علي، إن "13 شخصاً تأكد مقتلهم وأصيب 27 بجروح" في المقابل تحدثت مصادر صحافية متطابقة عن سقوط 18 قتيلاً وأكثر من 30 جريحاً.
وقال رئيس لجنة الطوارئ بوزارة الصحة مصطفى كريمة، إنهم "تمكنوا بعد التوقف النسبي لإطلاق النار الجمعة من نقل الجرحى والمصابين، جراء اشتباكات طرابلس، ونقل الجرحى كان من المصحات الخاصة الواقعة في مناطق الاشتباك إلى المستشفيات العامة لاستكمال العلاج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح كريمة أن "الحالات التي نقلت إصابتها ما بين الحرجة والمتوسطة، وسيتم الإعلان عن الإحصائيات النهائية في الساعات المقبلة، بعد تجميع كامل المعلومات".
وقال إن "الوزارة فتحت خط تواصل مع فرق الهلال الأحمر لتقديم المساعدات الإنسانية للعائلات العالقة بمناطق الاشتباك التي ترفض مغادرة مساكنها، وغرفة الطوارئ تعمل بكامل طاقتها الخدمية ومستشفياتنا بجاهزية تامة لاستقبال الجرحى والمصابين".
وكان وزير الصحة المكلف رمضان أبو جناح، طالب مدراء مستشفيات طرابلس بـ"رفع مستوى الجاهزية والتواصل المستمر مع غرفة الطوارئ بوزارة الصحة لتقديم كافة الخدمات للجرحى والمصابين جراء الاشتباكات التي شهدتها طرابلس".
إقالات بالجملة
في السياق الرسمي، أقال رئيس حكومة الوحدة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة، وزير الداخلية خالد مازن وأحاله للتحقيق، مع تكليف وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي مكانه، على خلفية الأحداث التي عاشتها العاصمة.
من جانبه أقال رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، رئيس الحرس الرئاسي أيوب بوراس من منصبه بعد أن كان طرفاً في الاشتباكات العنيفة التي كان الطرف الثاني فيها جهاز الردع.
وكلف المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش رئيس الأركان العامة في حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة الفريق محمد الحداد، ووزير الداخلية المكلف بدر الدين التومي بالإشراف ومتابعة وقف إطلاق النار في العاصمة.
ووجه المجلس بتولي المدعي العام العسكري التحقيق في الأحداث لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، كما كلف التومي بحصر الأضرار في الممتلكات العامة والخاصة وتقدير قيمة الأضرار الناجمة عن الاشتباكات وإحالتها لرئيس الوزراء.
اتفاق لوقف القتال
أكد الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة "التوصل إلى اتفاق لوقف الاشتباكات بين جهاز الردع والحرس الرئاسي". وقال إن "جهاز الردع أعلن التزامه وقف الاشتباك بعد جهود متواصلة من رئيس المجلس الرئاسي ورئيس مجلس الوزراء".
ولم يعلن حمودة تفاصيل الاتفاق الذي تم بموجبه وقف الاشتباكات، إلا أن مصادر تابعة لجهاز الردع كشفت عن جزء منه، وهو "عدم عودة كتيبة ثوار طرابلس وآمرها أيوب أبوراس إلى المقار التي فقد السيطرة عليها".
كما أعلنت إدارة مطار معيتيقة استئناف الرحلات الجوية من وإلى المطار، بعد توقفها لساعات جراء الاشتباكات التي جرت في مناطق قريبة منه.
حكومة الدبيبة تحت الضغط
تجدد الاشتباكات العنيفة في الأحياء السكنية بقلب عاصمة البلاد تسبب بانتقادات عنيفة لحكومة الوحدة برئاسة الدبيبة، واتهامها بالعجز عن لجم الكتائب المتناحرة في المدينة، التي تفاقمت صداماتها منذ منتصف العام الماضي وتكرر وقوعها من دون ردع المتسببين فيها.
الانتقادات التي طالت حكومة الدبيبة لم تأت هذه المرة من الأطراف المعارضة لها خارج طرابلس التي تعودت أن تتصيد هفواتها، بل من داخل المدينة ومن عمداء أبرز البلديات فيها وأكبرها الذين اجتمعوا لأول مرة على المطالبة برحيل الحكومة.
حيث طالب عمداء بلديات طرابلس المركز وعين زارة وحي الأندلس وسوق الجمعة في بيان لهم صدر الجمعة، "رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بالاستقالة، والتسليم لرئيس الحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا".
وجاء في نص البيان "في البداية تجنبنا الخوض أو التحريض أو التحشيد تجاه ما يحدث في مدينة طرابلس من اقتتال أدى إلى وفاة العشرات ووقوع إصابات كثيرة وخسائر في الممتلكات، وكنا نأمل أن يتدخل السيد عبد الحميد الدبيبة لإنهاء هذا القتال كما حدث سابقاً، ولكن سرعان ما تجلت لنا الحقيقة أن الدبيبة غض بصره وسمعه عما يجري وكأن الأمر لا يعنيه".
واتهم البيان الدبيبة بـ"الإهمال وعدم المبالاة وأنه ينظر إلى طرابلس كغنيمة لتحقيق مكاسب سياسية ومادية له وللمقربين منه، بينما أهالي طرابلس يعانون الويلات بسبب هذه الحروب، التي تكررت في شوارع مدينتهم".