نيران تشتعل في المنزل دون معرفة مصدرها. بيت يحترق وحده دون سبب واضح. أوانٍ تتحرك وأبواب تغلق بنفسها. هذه وقائع وظواهر غريبة كثيراً ما نسمع عنها بين الفينة والأخرى في المغرب، وينسبها بعضهم إلى الجن في حين يرى الآخر إلى أنه لا منطق لها.
في المغرب تكثر قصص ومرويات الجن بداية من "البيت الشهير" في منطقة ميدلت الذي تشتعل فيه النيران وتحول إلى قضية رأي عام قبل 3 سنوات خلت، وصولاً إلى قصر الملك الراحل الحسن الثاني بمدينة أغادير جنوب البلاد سارت بذكره الركبان، وكثرت حوله القصص والحكايات. لكن هل بالفعل هناك عالم غير مرئي يتمثل في الجن يقطنون البيوت والمنازل يعبثون بأشيائها ويشعلون النيران في أرجائها، ويحركون الكراسي والأواني والرفوف؟
من عاشوا هذه "التجارب المفزعة" يؤكدون وقوع هذه الأحداث، وكذلك "رقاة شرعيون" يحكون قصصاً في السياق نفسه، لكن باحثين ومتخصصين يتريثون في الجزم بذلك، ويعتبرونها ظواهر صعبة التصديق.
البيت المسكون
لا ينسى المغاربة قصة البيت القروي الذي يوجد في ضواحي مدينة ميدلت عندما اندلعت نيران غريبة في بعض أرجائه وزواياه من دون سبب ظاهر، الشيء الذي جعل وسائل الإعلام المختلفة تتابع خبايا القصة الغريبة.
وكانت النار قد اشتعلت في هذا المنزل أول مرة في سنة 2018، لكن رقاة وفقهاء قدموا إلى المنزل لتلاوة آيات قرآنية، فهدأت الأمور بضعة أشهر قبل أن تعود النيران إلى الاشتعال من جديد بوتيرة أشد في صيف 2019.
ورجح علي أوبنها صاحب البيت في تصريحات صحافية حينها، أن يكون الفاعل هو "جني شرير" يتعمد إشعال النار في أرجاء البيت من أجل إرغام الأسرة على الرحيل، مبرزاً أنه ليس وحده من وقف على اشتعال النار بلا سبب ظاهر أو واضح، بل حتى السلطات المحلية تأكدت من الأمر، التي تعاطفت معه بعد أن عاينت آثار الحريق بالفعل في عدد من أشياء وممتلكات البيت التي تندلع فيها النيران نهارا فقط، دون الليل وفق رواية علي، فقدمت له مساعدات عينية، قبل أن يضطر رب الأسرة إلى السكن في بيت آخر بعيداً من "الجن".
أصوات غريبة
في ضواحي مدينة أيت ملول جنوب المغرب، انتشرت أيضاً قصة منزل كان حينها في طور البناء وكان الجيران والمارة يسمعون أصواتاً غريبة تصدر منه.
ودفع الرعب والفزع الذي تناقلت أصداءه حينئذ الصحف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، السلطات باقتحام البيت الذي لم يكتمل بناؤه بعد من أجل معرفة مصدر الصوت، غير أنهم لم يجدوا سبباً مقنعا أو أي مصدر قد ينبعث منه الصوت الحاد الذي يسمعه الجميع.
ووفق الروايات المنتشرة وقتها فإن السكان رجحوا أن تكون "جنية" وراء الصوت لأنه يشبه صوتاً أنثوياً، وهو ما دفع رقاة وفقهاء إلى دخول البيت لقراءة آيات قرآنية لتحصينه وطرد الجن، لكن ظل الصوت على الرغم من ذلك يصدر بقوة من البيت، قبل أن يطوي القصة النسيان بخفوت الصوت وانقطاعه بعد ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي منطقة أولا تايمة (جنوب) اشتهرت قصة بيت عانت فيه أسرة الأمرين بسبب تحركات غريبة تظهر لهم داخله دون أن يجدوا لها تفسيراً منطقيا.ً وفق ما نشرت الصحافة المحلية عن البيت، فإن "النيران كانت تشتعل من دون سابق إنذار كلما شاهدت فتاة (من سكان البيت) شخصاً يرتدي لباساً أسود لا يراه بقية أفراد الأسرة، بعدها تظهر النار في المكان الذي تشير إليه الفتاة ويظهر فيه الشبح"، بحسب ما روت الأسرة بنفسها.
وأرجع سكان المنطقة ما وقع لهذا البيت إلى ما يسمى "الترجيم" في لهجة المغاربة، وهو تسليط الساحر جنياً لمضايقة وإيذاء صاحب المنزل بهدف ترحيله عنوة منه، بناء على انتقام خصم له قرر أن يحيل حياة "الضحية" إلى جحيم بواسطة تصرفات "الجن الشرير".
الأبواب تصطك والأواني تتحرك
وفي أحد أحياء مدينة الرباط وتحديداً في حي الفرح، انتشرت قصة بيت عانى سكانه من ظاهرة غريبة تتمثل في طرق الأبواب وفتحها وإغلاقها من دون أن يفعل ذلك أحد قاطني البيت "المسكون".
وتحكي السيدة زبيدة، أرملة أربعينية وأم لأربعة أطفال في تصريح خاص كيف تحولت حياتها إلى جحيم لا يطاق هي وأطفالها بسبب صوت صرير الباب، على الرغم من أن لا أحد يحركه أو يغلقه. تضيف "أنه يتعين على الذي ينكر حصول مثل هذه الأشياء أن يحضر إلى البيت عندما كانت تقطنه قبل رحيلها منه قبل أشهر مضت ليتأكد مما يحدث، وليعلم مدى الرعب الذي يحدثه صرير الباب".
وتابعت السيدة أنه "كان عليها أن تقنع الذين يزورونها بحقيقة ما تسمعه هي وأولادها، باعتبار أن صوت صرير الأبواب ينقطع عندما يحل ضيف عندها"، مضيفة "كأن الكائنات التي تفتح وتغلق الأبواب تتعمد إزعاجها هي وأبناءها دون غيرها" على حد قولها.
وبخلاف هذا البيت الذي يسمع فيه صرير الأبواب فقط من طرف سكانه، فإن البيت الذي أخبرتنا عنه السيدة أحلام في مدينة سلا (جوار العاصمة الرباط)، تنتقل فيه بعض الأواني وتتحرك الرفوف وتتكسر بعض الأشياء لوحدها أمام أعين قاطني المنزل وحتى أمام الضيوف والزوار.
ووفق رواية السيدة، فإنها عاشت هي وزوجها وطفلاها الصغيران تجربة لم يخطر لها أنها ستكون بطلتها في يوم من الأيام، برؤية أوان وكؤوس تسقط من الرفوف وكأن أحداً يسقطها عنوة، وأيضاً تململ الملاعق والصحون في المطبخ بلا سبب، الشيء الذي دفعها إلى الاستعانة برقاة لطرد الجن وفق تعبيرها، لكن لم يفلحوا في ذلك لتقرر الرحيل من هذا البيت إلى آخر.
جن في قصر الملك
ليست البيوت العادية وحدها التي تتعرض لـ"غزوات الجن"، بل أيضاً المنازل الفارهة وقصور الملك أيضاً، ولعل أشهر القصص المروية التي تكاد تصل إلى الحقيقة بالنظر إلى شهادات وتصريحات رقاة وفقهاء عاصروا الواقعة، قصة قصر الملك الراحل الحسن الثاني في مدينة أغادير.
وملخص القصة أن العاهل الراحل شعر بظواهر وتحركات غريبة تقع في قصره الفاره بمقربة من شاطئ أغادير، التي عزاها إلى تصرفات الجن، وهو ما صرح به أحد الفقهاء المنحدرين من سوس وكان قد تم استدعاؤه لقراءة القرآن في القصر لطرد وحرق "الأرواح الغريبة".
وقال الفقيه في تصريحات نقلتها الصحافة المغربية، إنه برفقة عدد من الفقهاء القارئين كانوا يتلون ما تيسر من الذكر الحكيم على جدران القصر، فكانت تتنامى إلى أسماعهم "أصوات صياح غريبة مثل عويل نساء أو بكاء أطفال".
وفسر الفقيه ما شاهده وسمعه في قصر أغادير، بأن "ملوكاً من الجان ربما قد اختاروا هذا القصر افتتاناً به، كما قد تكون الأرض الخلاء التي أقيمت عليها بنايات القصر سكنتها عائلات من الجن وتتوارثها أباً عن جد".
وتبقى هذه الروايات المنشورة عن سكن الجن قصر الملك بين من صدقها لشهادات الفقهاء والرقاة الذين حضروا لطرد الجن، ولأن القصر نفسه لم ينف ما كان يروج، وبين مكذب لهذه القصص باعتبار أن القصر نفسه كان الملك الراحل قد أهداه إلى صديقه الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك ليقضي فيه سنوات تقاعده وإجازاته الصيفية، دون أن يسمع أن الأخير اشتكى من الجن.
التعايش مع الجن
ويعلق الراقي الشريف الحياني السوسي على الموضوع بقوله، إن "سكن الجن للبيوت والمنازل أمر معروف ولا داعي لإنكاره، فالجن أولاً مخلوقات مذكورة في القرآن، وهي كالبشر لديها مأوى ومساكن قد تكون بيوتاً مهجورة لا يلج إليها البشر وقد تكون مأهولة بالناس".
ويؤكد "أن الجن يوجدون في كل منزل وكل مكان فهم أكثر عدداً من بني البشر، غير أنهم لا يرون بالعين من طرف بني آدم، وهذه خاصية منحها الله إياهم بدليل قوله تعالى (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم)".
يضيف أنه "ما دام هذا الجن لا يؤذي ساكن البيت أو الشقة أو القصر فلا إشكال أبداً، ويتعايش الإنسان والجان معاً بشكل طبيعي ولكل طريقه ومنهاجه، ولكن إذا ما كان الجن بخاصة الكافر منه يؤذي الإنسان، هنا يتعين محاصرته بالذكر والقرآن لطرده من البيت".
يوضح "أنه خلال مسيرته المهنية عاين عدداً من المآسي في شأن اعتداء الجن على الإنسان إما بسرقة أشياء في البيت، أو إتلاف أخرى من قبيل المفاتيح والنقود أو إضرام النار، أو إصدار أصوات مخيفة"، مبرزاً أنه "على الرغم من ذلك تظل هذه الوقائع في حدود المسيطر عليها، وليست كثيرة إلى الحد الذي يقلق أو يخيف".
ظواهر صعبة التصديق
من جهتها أفادت الباحثة السوسيولوجية ابتسام العوفير، بأن "الجن مخلوقات موجودة لا يمكن نفيها حتى لا يتم الاصطدام مع نصوص شرعية في هذا السياق، لكن أن ننسب الظواهر الغيبية كلها إلى الجن هذا هو الإشكال الحقيقي".
تضيف "لا يمكن الجزم أبداً بأن إضرام نار في منزل سببه الجن تحديداً فقد يكون وراءه فعل فاعل، أو ربما أصحاب البيت أنفسهم لتحقيق غاية أو بلوغ مصلحة ما قد تخفى على إدراك السكان أو الجيران في حينه". واستطردت "لا يمكن الجزم أيضاً بأن سماع أصوات في بيت مهجور سببه الجن"، مستدلة بقصة أحد المنازل في الجنوب المغربي الذي قيل إن أصوات الجن تنبعث منه بعدها تبين أن طائراً يشبه الغراب هو ما كان يصدر تلك الأصوات".
وشددت الباحثة على أنه "يجب تحكيم العقل المنزه عن العبث كما يصعب تصديق كل تلك القصص والظواهر، ونسبتها جميعها إلى تصرفات الجن ليظل الإنسان هو الضحية، على الرغم من أنه أقوى من الجن وغيره من الكائنات فلديه عقل وإرادة وإيمان أيضاً".