ملخص
هل تستطيع المغنية الأميركية الشهيرة تايلور سويفت من خلال منشور أن تضيف لمسة إيجابية على أجواء الانتخابات الرئاسية بصورة عامة، مما يجعل من السباق إلى البيت الأبيض هذه المرة له مذاق خاص، عبر تصويت حاشد غير مسبوق؟
يبدو أن هذا ما فعلته...
هل يمكن للمغنية الأميركية الشابة، تايلور سويفت، أن تكون الكتلة الوازنة في انتخابات الرئاسة الأميركية 2024؟
علامة استفهام تتجلى في الأفق، لا سيما منذ نشرها منشوراً على موقع "إنستغرام"، حمل توقيع "سيدة القطط بلا أطفال" في إشارة إلى تعليقات نائب ترمب المختار للترشح على تذكرته جي دي فانس.
في منشورها الذي كسر صمتها في شأن تصويتها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قالت تايلور "سأصوت لمصلحة كامالا هاريس، لأنها تناضل من أجل الحقوق والقضايا التي أعتقد أنها في حاجة إلى محارب من أجلها".
هل هذه هي المرة الأولى التي تقترب فيها المغنية الذائعة الصيت من منطقة الانتخابات الرئاسية الأميركية لهذا العام؟
بالقطع لا، ففي مارس (آذار) الماضي، حثت سويفت معجبيها في ولاية تينيسي، موطنها الأصلي، وغيرها من الولايات، على ممارسة حقهم الديمقراطي من خلال الإدلاء بأصواتهم في "نهار الثلاثاء الكبير".
في ذلك النهار كتبت تايلور "أريد أن أذكركم بأن تصوتوا للأشخاص الذين يمثلونكم أكثر من غيرهم للوصول إلى السلطة".
على أن السياسة التي تجري في دماء تايلور، هي عينها التي دفعتها عام 2018 إلى مناصرة الديمقراطي فيل بريديسين الذي خسر سباق مجلس الشيوخ أمام الجمهورية مارشا بلاكبيرن، والنائب جيم كوبر، الديمقراطي الذي فاز بإعادة انتخابه لمجلس النواب، ثم أيدت لاحقاً جو بايدن في فوزه على الرئيس ترمب عام 2020.
هل استطاع منشور تايلور أن يضيف لمسة إيجابية على أجواء الانتخابات الأميركية بصورة عامة، مما يجعل من السباق إلى البيت الأبيض هذه المرة له مذاق خاص، عبر تصويت حاشد غير مسبوق؟
ثم وربما هذا هو الأهم: هل يجيء دعم تايلور نائبة الرئيس هاريس ليعزز بالفعل من حظوظها في الفوز، أم أنه سيتسبب لها في نتيجة عكسية؟
وبين هذا وذاك، ماذا عن ظاهرة "السويفتيون الجدد"، وتأثيرهم في عملية الاقتراع نهار الثلاثاء الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟
تايلور الكاريزماتية متعددة المواهب
من الواضح أننا أمام شخصية كاريزماتية، ينطبق عليها تعبير "الكتكوت الفصيح في البيضة يصيح"، لا سيما أنها أظهرت اهتماماً بالموسيقى في سن مبكرة، وتقدمت بسرعة من الأدوار في مسرح الأطفال إلى ظهورها الأول أمام حشد من الآلاف. كانت تبلغ من العمر 11 سنة عندما غنت "ذا ستار سبانغلدبانز" قبل مباراة كرة السلة لفريق "فيلادلفيا سفنتي سيكرز"، وفي العام التالي التقطت الغيتار وبدأت في كتابة الأغاني.
ولدت سويفت عام 1989 ونشأت في ويوميسينغ، بنسلفانيا، لأبوين أندريا ربة منزل، وسكوت سمسار بورصة، غير أن دماء الفن من الواضح أنها كانت تجري في عروقها من جدتها ماجوري فيتالي مغنية الأوبرا.
عندما كانت تايلور في الصف الرابع ربحت مسابقة شعرية وطنية بقصيدة من ثلاث صفحات كان عنوانها "وحش في خزانتي"، وفي عمر الـ10 علمها مصلح حواسيب كيف تعزف على ثلاثة من أوتار القيثارة.
استلهمت سويفت موسيقاها من فناني موسيقى الريف مثل شانيا توين وديكسي تشيكس، إذ ابتكرت مادة أصلية تعكس تجربتها مع اغتراب المراهقين.
خلال السنوات التالية أصدرت عدداً من الألبومات، التي لاقت رواجاً منقطع النظير في الداخل الأميركي، مما أدى إلى حصولها على الأسطوانة البلاتينية عام 2007 بعد أن باعت أكثر من مليون نسخة في الولايات المتحدة.
تمتلئ الشبكة العنكبوتية والمواقع الإنترنتية بأخبار وقصص سويفت، التي تسلقت الشهرة بسرعة الصاروخ، كما أنشأت شركة خاصة لأدوات التجميل، وكلاهما زادا من ثروتها التي بلغت 1.1 مليار دولار، وبالوصول إلى العام الماضي 2023، كانت مجلة "تايم سويفت" تكرمها كشخصية العام، وجاء هذا التكريم بعد فترة وجيزة من إعلان منصة بث الموسيقى "سبوتفاي" أن سويفت هي أكثر من يستمع إليها جمهور المنصة.
هل غازلت شهوة السلطة سويفت، كما غازلت وتغازل كثيراً من مشاهير هوليوود، وبعضهم وصل بالفعل إلى البيت الأبيض كما الحال مع رونالد ريغان؟
سويفت وطريق من المواقف السياسية
من الواضح أن دعم سويفت هاريس لم يكن أول مسيرة المواقف السياسية لمغنية البوب الأميركية الشهيرة، فقد تزايد حضورها السياسي على مدى السنوات الـ13 الماضية. ففي عام 2012 أخبرت الصحافي النرويجي فريدريك سكافلان عن سبب عدم تحدثها في شؤون السياسة "أتصور أنني مغنية تبلغ من العمر 22 سنة ولا أعرف ما إذا كان الناس يريدون حقاً سماع آرائي السياسية... أعتقد أنهم يريدون سماعي أغني أغاني عن الانفصال والمشاعر".
غير أن الأمر تغير بعد ذلك، ففي فيلمها الوثائقي Miss Americana الذي عرض على شبكة "نتفليكس" عام 2020، تحدثت سويفت عن معتقداتها السياسية، وأيدت في ذلك الوقت مرشح مجلس الشيوخ الأميركي فيل بريدسين، الديمقراطي من ولاية تينيسي كما سبق الإشارة.
قبلها بعامين حذرتها وكيلة الدعاية الخاصة بها تيري باين، من ملاحقة ترمب لها، فكان رد سويفت مازحة "ليذهب إلى الجحيم. أنا لا أهتم إذا تعرضت لهجوم سيئ من الصحافة". وأضافت "لا تضعوا عنصرياً معادياً للمثليين في المنصب".
يوماً تلو الآخر كانت رؤى سويفت السياسية تتصاعد وتتجذر، إلى درجة أن والدها، سكوت سويفت، أعرب عن قلقه ومخاوفه على حياتها وسلامتها بعد إحدى المناقشات الحادة التي أعقبت عرض فيلمها الوثائقي هذا، مردداً "أشعر بالرعب الآن وأفكر في الخروج وشراء سيارة مدرعة"، في إشارة لا تخطئها العين إلى التهديدات التي تتعرض لها ابنته، على رغم أن هذا كان قبل تأييدها الواضح هاريس، الذي يضعها حكماً في مواجهة ثورة اليمين الأميركي المتشدد إلى حد التطرف.
اتخذت سويفت موقفاً مناهضاً لترمب، فبعد أربعة أيام من مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة، وصفت المغنية الأشهر ترمب في منشور لها على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه الشخص العنصري الذي يؤجج نيران التفوق الأبيض والعنصرية طوال فترة رئاسته ووجهت له سؤالاً قاسياً "هل لديك الجرأة للتظاهر بالتفوق الأخلاقي قبل التهديد بالعنف؟" وأجابت "عندما يبدأ النهب يبدأ إطلاق النار" واختتمت بقولها "سنصوت لإخراجك في نوفمبر المقبل"، وهذا ما حدث بالفعل.
تأثير سويفت بعد منشور هاريس
لعل العالم يتساءل: كيف يمكن أن يكون لمغنية شابة مثل هذا التأثير الكبير في مسارات الأحداث في الداخل الأميركي، وغالب الظن أن كثيراً من الأميركيين يشاركون التساؤل عينه.
أدى منشور سويفت الذي تدعم فيه نائبة الرئيس كامالا هاريس في سباق البيت الأبيض، إلى دفع أكثر من 400 ألف أميركي لزيارة موقع vote.gov، على مدى اليوم التالي، وهي علامة على التأثير المحتمل لقرارها بالتحدث علناً عن انتخابات نوفمبر المقبل.
والمعروف أن هذا الموقع تديره وكالة فيدرالية تعرف باسم "إدارة الخدمات العامة"، بالشراكة مع لجنة مساعدة الانتخابات الأميركية. يتضمن الموقع معلومات حول كيفية التسجيل للتصويت ويوجه المستخدمين إلى مكاتب التسجيل في الولايات.
ما الكلمات المفتاحية التي أوردتها سويفت ودعت إلى هذا الانقلاب الذهني عند مئات من آلاف الأميركيين؟
"لقد أجريت بحثي، واتخذت قراري. البحث متروك لك. والاختيار متروك لك. أريد أيضاً أن أقول، وبخاصة للناخبين أول مرة، تذكروا أنه من أجل التصويت، يجب أن تكون مسجلاً، كما أجد أنه من الأسهل التصويت مبكراً".
هذا ما قالته سويفت، وهذا ما ترك انطباعاً كبيراً وهائلاً على أعداد كفيلة بأن تغير بالفعل نتيجة الانتخابات الأميركية، التي قررتها في مرات سابقة، نحو 500 صوت، ولو مشكوك فيها في فلوريدا عام 2000 لتحسم المسابقة الرئاسية لمصلحة بوش الابن، حتى لو عاد الأميركيون وندموا على "آل غور الذي ضيعوه"، والتعبير هنا لمنظر العولمة الأميركي الأشهر توماس فريدمان من "نيويورك تايمز".
ولعله من المثير أن حملة هاريس، ومن جراء دعم سويفت، حظيت بدعم سريع وفاعل ومؤثر، ذلك أنه سرعان ما بدأت الحملة في بيع أساور الصداقة التي تحمل اسم هاريس ووولز، وهي الأكسسوارات الأنيقة التي ارتداها ملايين المعجبين بسويفت في جولتها الموسيقية Eras Tour حول العالم، وقد بيعت الأساور بالكامل وبسرعة شديدة خلال 24 ساعة.
عدت سويفت أن هاريس "زعيمة ثابتة وموهوبة"، ويبدو أن اختيارها كلماتها في منشور "إنستغرام" كان يتمتع بذكاء شديد، استطاعت من خلاله أن توجه ضربات عداء للعنصرية لحملة ترمب الانتخابية، التي تفوه نائبه المرشح خلالها بعبارات غالب الظن أنها أدت إلى تضرر الحملة الجمهورية... كيف ذلك؟
بتفصيل ما أشرنا إليه في المقدمة، فإن سويفت وقعت على منشورها باسم "سيدة القطط التي ليس لديها أطفال"، في إشارة إلى تعليقات السيناتور جي دي فانس، المرشح لمنصب نائب ترمب، ففي مقابلة عام 2021 قال فانس "إن البلاد يديرها مجموعة من سيدات القطط التي ليس لديهن أطفال، واللاتي يعانين البؤس في حياتهن".
غير أنه لاحقاً، وبعد منشور سويفت الأخير هذا، وفي مقابلة له مع قناة "فوكس نيوز"، قال فانس "نحن معجبون بموسيقى سويفت، لكن لا أعتقد أن معظم الأميركيين، سواء كانوا يحبون موسيقاها أو من معجبيها أم لا، سيتأثرون بشخصية مشهورة من المليارديرات التي أعتقد أنها منفصلة بصورة أساسية عن مصالح ومشكلات معظم الأميركيين".
هل كان فانس على حق في أن منشور سويفت لم يكن له تأثير يذكر، أم أن الحقيقة على خلاف ما ذهب إليه؟
السويفتيون والتسويق لهاريس انتخابياً
يعبر مصطلح السويفتيين عن ملايين الأميركيين المعجبين بالمغنية الشابة، الذين باتوا وعن حق يمثلون قوة ضاغطة وفاعلة ومؤثرة في سياق الأحداث اليومية، وليس الانتخابية فحسب.
قبل أسابيع من تأييد سويفت هاريس على "إنستغرام"، كانت الأمور قد بدأت بالفعل في تحويل ملايين المعجبين بسويفت إلى ناخبين حقيقيين لهاريس.
على سبيل المثال، تتحدث "إيرين كيم"، 29 سنة، إلى شبكة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، التي تقضي ما يصل إلى 14 ساعة يومياً في التحدث إلى زملائها من محبي سويفت عبر الإنترنت وحضرت أكثر من خمس حفلات من جولة سويفت الموسيقية، فتعبر عن سرعة تحركها جنباً إلى جنب مع المعجبين الآخرين الذين دعموا هاريس، وأنشأوا حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي وميمات وصور مركبة ونشرات إخبارية، كل ذلك في محاولة لمساعدة مرشحهم المفضل على الفوز.
لقد أفرز منشور سويفت ما بات يعرف باسم "سويفتيز فور كامالا"، وهي مجموعة تطوعية ومستقلة عن حملة هاريس، لكنهم كانوا على اتصال بها، وتقول السيدة كيم إن المحادثات "أكثر عفوية مما قد تتوقعه". كما أنها لا تدور حول العالم الإلكتروني بالكامل، بل إنها تدور حول ترجمة ذلك إلى عمل في العالم الحقيقي. وتضيف "إنهم ـ أي هذه المجموعة ـ يساعدون في تسهيل أمور مثل تسجيل المتطوعين ومساعدتنا في تنسيق تدريب المتطوعين. ليس فقط من أجل الترويج للحملة شخصياً، بل وأيضاً من خلال الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية".
هل من أهمية بالفعل لجيش السويفتيين في حملة هاريس؟
المقطوع به هو أن العالم الإلكتروني قد بات ساحة معركة رئيسة لكلتا الحملتين، ويمكن أن تكون الميمات ومقاطع الفيديو من المؤيدين، التي تبدو أكثر أصالة من الإعلانات المدفوعة، فعالة في الوصول إلى الناخبين الأصغر سناً وغير المنخرطين.
هنا، ومن البدهي أن يكون جيش السويفتيين أيضاً وسيلة لحملة هاريس لمواجهة قاعدة مؤيدي دونالد ترمب النشطة بالفعل على الإنترنت. فهم يعملون أيضاً مثل قاعدة المعجبين، وقد أثبتوا فعاليتهم في نشر عدد لا حصر له من الميمات والصور للرئيس السابق. كما أدت تأييدات - على سبيل المثال - من الفتى المعجزة إيلون ماسك، إلى إرسال جيش ماسك المخلص من المتابعين في طريق "إكس" لترمب أيضاً.
وعلى رغم أن تأييد سويفت أخبر معجبيها على وجه التحديد "أن البحث الخاص بك هو من اختصاصك، والاختيار من اختصاصك"، فإن حملة "سويفتيز من أجل كامالا"، تأمل في أن تترجم الدعوة للتصويت إلى أصوات لمصلحة هاريس.
هل يعني ذلك أن سويفت تتجاوز فكرة مغنية البوب المشهورة إلى قائدة ورائدة، ولو بطريق غير مباشر، للملايين على الشبكة العنكبوتية، وأنها باتت أقرب إلى شخصية كاريزماتية ذات طابع ونسق روحاني - وجداني خاص، على خطورة هذه الفكرة، لا سيما أن أميركا قد عانت كثيراً شخصيات مشابهة في السابق؟
الحقيقة المؤكدة هي أن مؤيدي سويفت عبر الإنترنت يشتهرون بكونهم مخلصين لها مهما كلف الأمر، وقد يشكل ذلك كونهم شرسين تجاه أولئك الذين يرون أنهم أعداء لهم.
هل العبارة الأخيرة يمكنها أن تشكل تهديداً خطراً لمسيرة المنافسة الانتخابية التي تجري برسم الصدام على أكثر من صعيد؟
عند السيدة كيم أن المجموعة التي تدعم هاريس قد رسمت بالفعل أطراً واضحة لمنع حدوث الأمر، وحتى لا يتحول السويفتيون إلى جماعات تبث الكراهية في البلاد المحتقنة بالفعل، ولا تحتاج إلى أكثر من عود ثقاب لكي تشتعل دفعة واحدة.
غير أن علامة استفهام مهمة بدورها ينبغي أن نتوقف أمامها: هل دعم سويفت هاريس ترك تأثيراً ما في أنصارها؟ ثم وهذا هو الأهم في هذه القصة: هل تأييد هذه المجموعة يقطع بفوز كامالا هاريس أم أنه بصورة أو بأخرى قد لا يكون مؤثراً كما يتخيل البعض؟
تأثير سويفت محدود في فرص هاريس
على خلاف الضجة الإعلامية التي صاحبت منشور سويفت، وما صاحبها من هوس السويفتيين، يبدو أن الأمر ليس على ما أراد له بعضهم أن يكون... ما معنى ذلك؟
يكشف استطلاع رأي أجرته جامعة "كوينيبياك الأميركية" الخاصة، أجري في الفترة ما بين الـ19 والـ22 من سبتمبر (أيلول) الماضي، أن 76 في المئة من الناخبين المحتملين يشعرون بأن تأييد سويفت هاريس ليس له أي تأثير في حماسهم للمرشحة. وفي حين يقول تسعة في المئة فقط من المستجيبين إن التأييد يجعلهم أقل حماسة، بينما 13 في المئة فقط يعدون أنه يؤثر في حماسهم.
وبحسب استطلاع أجرته مجلة "نيوزويك" بالتعاون مع "ريد فيلد أند ويلتون ستراتيجيز" في الـ29 من يوليو (تموز) الماضي، شمل 1750 ناخباً مسجلاً، ذكر 26 في المئة منهم من الجيل Z (مواليد منتصف التسعينيات حتى 2010) أنهم أقل احتمالاً أو "أقل احتمالاً بصورة كبيرة) لدعم مرشح تدعمه سويفت.
هل تأييد المشاهير لا يهم بعمق في دائرة السياسة الأميركية بصورة عامة؟
يبدو أن هناك اختلافاً حول الجواب، فعلى رغم أن البروفيسور توماس جيفت، رئيس مركز السياسة الأميركية في جامعة لندن كوليدج، يؤكد أن ذلك كذلك، في حوار له مع مجلة "نيوزويك"، فإن مشاهير آخرين تركوا بصمة كبيرة أخيراً، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر جورج كلوني، الذي بات البعض يعده أحد أهم الأدوات في هوليوود، التي أدت إلى انسحاب جو بايدن من سباق الانتخابات الحالي.
وعلى رغم ذلك فإن سويفت "ليست مجرد شخصية مشهورة"، كما ذكر جيفت، الذي يضيف "إنها تتمتع بالقدرة على تحريك الاقتصادات الوطنية بجولاتها، لذا من الصعب القول إن تأييدها هاريس لن يكون له تأثير".
ومع أن دعم سويفت هاريس وردها الماكر على تصريحات جي دي فانس المهينة قد حظي باهتمام وسائل الإعلام، فإن المتخصص في مجال السياسة الأميركية في جامعة بورتسموث، ديفيد تاونلي، صرح بأنه من غير المرجح أن تكون هناك زيادة كبيرة في إمكانية انتخاب نائب الرئيس الأميركي.
من جهة أخرى فإن بعضهم يتساءل: هل دعم سويفت هاريس أفقدها رقماً مهماً وكبيراً يصل إلى الملايين من معجبيها على وسائط التوصل الاجتماعي؟
في واقع الحال، هناك إشاعات سرت في الداخل الأميركي تفيد بحدوث مثل هذا التراجع، وربما يكون التسريب مجرد شائعة من أنصار ترمب، سواء من السويفتيين أنفسهم أو من غيرهم.
غير أن وكالة "رويترز" في تقرير لها أفادت بأن حساب نجمة البوب العالمية على "إنستغرام"، لم ينخفض بقدر 17 مليون مشاهد بعد تأييدها هاريس كما سرت الإشاعات، ووفقاً لشركة تحليلات وسائل التواصل الاجتماعي فقد جاءت هذه التقارير من حساب ساخر على موقع "إكس".
ومع الضجيج الذي دار من حول موقف سويفت من هاريس، تساءل بعضهم ربما بخبث شديد: هل كان المشهد برمته مجرد دعاية للمغنية نفسها، وقد يكون أيضاً لمصلحة شركتها الكبرى الخاصة بأدوات التجميل، لا سيما أن الأمر لم يكلفها سوى كلمات على وسائل التواصل ليس أكثر؟
قد يكون الأمر بالفعل على هذا النحو، غير أنه من جهة تالية فإن بعض الآراء تفتح مساقاً جديداً للتفكير في أن سويفت ربما تفكر في وقت قريب خوض غمار الحياة السياسية، وهذه قصة أخرى.
لكن وفي كل الأحوال يظل في قصة سويفت وهاريس تساؤل مهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أيهما أهم سويفت أم تبرعات هوليوود؟
يبقى هذا السؤال من بين الأسئلة المهمة بل الحيوية في أي سباق رئاسي، وأيهما أهم دعم الفاعلين والمؤثرين، من المشاهير، الفنانين والكتاب والمثقفين وصناع المحتوى، وغيرهم، أم التبرعات المالية الكبيرة التي تقدم للمرشحين في سباق الرئاسة، إذ تعد بمثابة الوقود الذي يضخ في شرايين الدعاية الانتخابية؟
في تقرير مطول لوكالة الصحافة لفرنسية من لوس أنجيلوس، على مقربة من هوليوود، نجد أنه من تايلور سويفت إلى جورج كلوني، يسارع النجوم إلى تقديم دعمهم المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، لكن بحسب الخبراء، فإن قدرتهم على التأثير في تصويت الناخبين، تبقى هامشية مقارنة بقدرتهم على جمع الأموال.
هل في الأمر سر ما؟
بالقطع ذلك أن هاريس محبوبة بالفعل في لوس أنجيلوس عاصمة الترفيه الأميركية، وقد تصاعد الهوس بها بعد انسحاب جو بايدن، والتعبير هنا للمنتجة الأميركية الشهيرة في هوليوود إيلين غولدشميت، التي جمعت أموالاً طائلة للحزب الديمقراطي.
لكن كيف يمكن الاستفادة من هذا الزخم في الدعم من نجوم هوليوود؟
يرى الأستاذ في جامعة سانت ماري، ومؤلف كتاب حول هذا الموضوع مارك هارفي "ليس هناك كثير من الأدلة التي تظهر أن دعم مرشح يحدث فرقاً".
ويؤكد هذا المتخصص أن بعض الرسائل التي لا تأتي في محلها من المشاهر اليساريين يمكن أن تثني المعجبين عن التصويت.
ويوضح هارفي أنه بحسب دراسة ستنشر قريباً، فإن دعوة افتراضية للتصويت للحزب الديمقراطي من جانب المغنية تايلور سويفت، من شأنها أن تجعل الناخبين أقل ميلاً للذهاب إلى صناديق الاقتراع، مقارنة برسالة غير حزبية.
وتضيف غولدشميت أن "المشاهير عموماً ليس لديهم تأثير كبير في تصويت الناس، لكنهم يمكن أن يؤدوا دوراً أساساً في جمع الأموال، ويفترض أن يتم استخدامهم أيضاً بصورة أكبر لتشجيع الناس على التسجيل للتصويت".
وفي الخلاصة من المؤكد أننا هنا لسنا في مقام الحديث عن شخصية تايلور سويفت، أو تقديم بروفايل عن حياتها ومساراتها الفنية، وهو أمر يحتاج إلى قراءة قائمة بذاتها، فهي ظاهرة أفرزت ظواهر، منها على سبيل المثال ما بات يعرف بـ"سويفتونوميكس" أي الاقتصاد المتأثر بسويفت، وهذا يدل على المدى الهائل الذي تنجح فيه حفلاتها، وكيف باتت بالنسبة إلى بعض الدول موسماً مربحاً للغاية ودافعاً إلى النمو الاقتصادي ومحركاً للأسواق.
سويفت كذلك باتت هدفاً للحركات الإرهابية العلامية مثل "داعش" التي تتعقبها، وتحاول اغتيالها، والسؤال ما الخطورة التي تمثلها، وماذا وراء كراهية "الدواعش" لها؟
غير أنه وفي كل الأحوال تظهر قصة سويفت أن عالم السياسة ربما بات رهناً ليس فقط بالأموال والتبرعات، ولكن كذلك بوسائل التواصل الاجتماعي، والقدرة على حشد "الجماهير الغفيرة" بحسب "غوستاف لوبون"، وهي مهمة برع فيها عالم الإنترنت، وجماعات الملايين الماورائية، القادرة على خلق فيوض من الدعم المادي والأدبي لتغيير الموازين.
ويبقى التساؤل الأخطر: ماذا عن ظاهرة بشرية مثل سويفت، حال تسخير أدوات الذكاء الاصطناعي في خدمة مشروعاتها؟
هل نحن على أبواب عبادة الفرد السويفتي من جديد؟