ملخص
لا تزال غالبية المحال التجارية في المناطق الشعبية المصرية تستخدم أنابيب البوتاغاز بكثرة، ما سينعكس على كلفة أسعار المأكولات الغذائية. والفول والطعمية والكشري في المقدمة.
لم يكد يفيق أحمد حسين، مالك أحد مطاعم الفول والطعمية بحي الدقي بمحافظة الجيزة، من أزمة الدولار وما صاحبها من قفزات متلاحقة في أسعار غالب مكونات ومستلزمات عمله اليومي، ومن بينها الخضراوات والتوابل، التي أجبرته على رفع أسعار ساندويتشات ووجبات الفول والطعمية، الأبرز لدى المصريين صباحاً، حتى تعرض لصدمة جديدة بزيادة أسعار أسطوانات البوتاغاز، ليجد نفسه مضطراً من جديد إلى زيادة الأسعار.
وارتفعت أسعار أسطوانات البوتاغاز المنزلية من 100 جنيه (2.07 دولار) إلى 150 جنيهاً (3.10 دولار) سعة 12.5 كيلوغرام تسليم المصنع، بينما قفز سعر أسطوانة البوتاغاز للاستخدام التجاري سعة 25 كيلوغراماً من 150 جنيهاً (3.10 دولار) إلى 200 جنيه (4.14 دولار) شاملة ضريبة الدمغة، لتسجل زيادة 33.3 في المئة، وزيادة سعر بيع الغاز الصب إلى 12 ألف جنيه (248 دولار) للطن.
الفول والطعمية يرتفعان
يقول الرجل الخمسيني، الذي رفع أسعار الساندويتشات جنيهاً إضافياً للتغلب على الزيادات الجديدة في أسعار أسطوانات البوتاغاز، "في بدايات عملي بالمهنة كان سعر ساندويتش الفول والطعمية شلن (5 قروش)، لكن حالياً أصبح سبعة جنيهات (0.14 دولار)، والبطاطس تسعة جنيهات (0.19 دولار)، ويزيد سعره في حال وضع أية إضافات، والباذنجان ثمانية جنيهات (0.17)، وقرص الطعمية جنيهان (0.04 دولار)، وتختلف أسعار الساندويتشات بحسب نوع العيش سواء كان (بلدياً) أو (شامياً)".
يضيف حسين، الذي يستخدم ثلاث أسطوانات بوتاغاز يومياً خلال دورة عمله اليومي، لـ"اندبندنت عربية"، "حاولت كثيراً البحث عن بدائل أخرى لعدم رفع الأسعار خشية من هرب الزبائن إلى أماكن أخرى بديلة، لكني وجدت نفسي مضطراً تحت ضغط الزيادات المتلاحقة إلى رفع الأسعار، لا سيما مع القفزات المتتالية في أسعار الخامات مثل الزيوت والفول المدشوش والحصى والخضراوات، تماشياً مع أسعار السوق الحالية، إذ يصل سعر كيلو الزيت إلى 90 جنيهاً (1.86 دولار)، والفول المدشوش إلى 47 جنيهاً (0.97 دولار)، والفول الحصى 50 إلى جنيهاً (1.03 دولار)، علاوة على الزيادات التي طاولت أسعار الخضراوات مثل الطماطم التي بلغ سعرها حالياً 35 جنيهاً (0.72 دولار)".
ويشير الرجل الخمسيني إلى أن بعض الزبائن نتيجة زيادات الأسعار أجبروا على تقليص الأصناف والكميات التي اعتادوا شراءها، وبعضهم اضطر إلى الاستغناء عن أصناف مفضلة لديهم، لترشيد نفقاتهم ومصروفاتهم اليومية، موضحاً أن أسعار الفول والطعمية لم تعد في متناول يد المواطن البسيط.
المقاهي على خط الغلاء
حال أحمد عبدالهادي (46 سنة)، مالك أحد المقاهي الشعبية بميدان الإسعاف بوسط العاصمة المصرية القاهرة، لا يختلف كثيراً عن حسين، إذ اضطر أيضاً إلى رفع أسعار مشروبات الشاي والقهوة على زبائنه بقيمة جنيه (0.02 دولار) إضافي، ليرتفع سعر كوب الشاي إلى ستة جنيهات (0.12 دولار)، والقهوة إلى سبعة جنيهات (0.14 دولار)، فيما لجأ إلى تثبيت أسعار بقية المشروبات خشية من هرب زبائنه.
يقول عبدالهادي، خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إن "الحكومة رفعت كلفة جميع أسعار الخدمات مثل المياه والكهرباء وأخيراً أسطوانات البوتاغاز، وأصبحت مضطراً أمام تلك الزيادات إلى إشراك الزبون في تحمل الكلفة الإضافية معي. المقهى لديه مصروفات خدمات شهرية إلى جانب أجور العمالة التي تعمل باليومية، علاوة على المواد الخام، مما يجعل الكلفة في النهاية باهظة".
يشار إلى أن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قال خلال مؤتمر صحافي إن كلفة أسطوانة البوتاغاز على الدولة تصل إلى 340 جنيهاً (7.03 دولار)، وتباع بنحو 100 جنيه (2.07 دولار)، أي أنها كانت تدعم بنحو 240 جنيهاً (4.96 دولار)، مشيراً إلى أن الحكومة تنتج نحو 280 مليون أسطوانة سنوياً. لافتاً إلى أن كلفة الدعم الذي تقدمه الدولة لدعم أسطوانات البوتاغاز تصل إلى أكثر من 60 مليار جنيه، مؤكداً أن فاتورة الدعم الذي تتحمله الحكومة فوق قدرة احتمال موازنة الدولة المصرية، متابعاً "لازم أحمل المواطن جزءاً من هذه الكلفة".
طبق الكشري يتحرك ارتفاعاً
وأمام أحد مطاعم الكشري بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة، يقف أحمد كمال عامل بالمطعم، ويعدد الزيادات المتلاحقة التي طرأت على الطبق الشعبي الشهير على مدى الأعوام القليلة الماضية، نتيجة ارتفاع مستلزمات ومكونات صناعته من زيادات في أسعار الرز والبصل والطماطم والعدس، علاوة على ارتفاع كلفة خدمات المياه والغاز والكهرباء وأسطوانات البوتاغاز، فضلاً عن أجور العمالة والتشغيل، بالتالي ارتفع سعر طبق الكشري الصغير على الزبون ليصل إلى 35 جنيهاً (0.72 دولار)، والوسط إلى 50 جنيهاً (1.03 دولار)، والكبير إلى 70 جنيهاً (1.45 دولار).
فيما عبرت السيدة الأربعينية عفاف محمد عن ضيقها وشكواها من الزيادات المتلاحقة، التي طاولت وجبتها الصباحية المفضلة الفول والطعمية، مشيرة إلى أنها فوجئت برفع المطعم سعر الوجبة، التي تكفي لأسرتها البالغة خمسة أفراد، وتشمل الوجبة أقراص طعمية وفول وباذنجان ومخلل، من 70 جنيهاً (1.45 دولار) إلى 90 جنيهاً (1.86 دولار)، وبرر مالك المطعم زيادة أسعار أسطوانات البوتاغاز الأخيرة التي أقرتها الحكومة.
تقول عفاف، التي تعمل معلمة بإحدى المدارس الخاصة، "لم نعد قادرين على تحمل تكاليف وأعباء إضافية في موازنة الأسرة، لا سيما أن رواتبنا لا تكفي كل تلك الزيادات المتلاحقة من مصروفات منزل شهرية وأسعار وجبات يومية وأعباء مصروفات مدارس للأبناء واشتراكات ناد ونفقات خدمات مياه وكهرباء وغاز".
الدواجن في الانتظار
مخاوف الزيادة وصلت إلى رغيف العيش، خصوصاً بعد الزيادة التاريخية في يونيو (حزيران)، إذ قفز سعر الخبز المدعم من خمسة قروش إلى 20 قرشاً، وهو ما نفاه رئيس شعبة مخابز القاهرة عطية حماد لـ"اندبندنت عربية"، قائلاً إن أسعار الخبز السياحي والمدعم "لا تزال ثابتة من دون أي تغيير، ولم تطرأ عليها أية زيادة بعد رفع أسعار أسطوانات البوتاغاز التجاري"، موضحاً أن المخابز بعضها يعمل بالسولار والآخر يعمل بالغاز، مؤكداً أن سعر الخبز المدعم لن يتأثر بزيادة أسطوانات البوتاغاز أو الغاز الطبيعي، لأن الحكومة تدعم مدخلات إنتاجه سواء من دقيق أم غاز.
وعن أسعار الدواجن يقول رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة تجارة القاهرة عبدالعزيز السيد لـ"اندبندنت عربية"، إن أصحاب مزارع الدواجن سيلجأون إلى زيادة أسعار الدواجن، لا سيما مع قدوم فصل الشتاء واحتياج المزارع إلى وسائل التدفئة التي تعتمد على أسطوانات البوتاغاز، بالتالي ستكون هناك تحركات سعرية "بسيطة" في أسعار الدواجن في الأشهر القليلة المقبلة، مضيفاً أن كيلو فراخ المزارع يصل إلى77 جنيهاً (1.59 دولار)، فيما وصل سعر الكتكوت إلى 50 جنيهاً (1.03 دولار).
زيادة العبء على الأسر المصرية
وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة إن أي "ارتفاع في سعر سلعة سينعكس بدوره على أسعار المدخلات والمستلزمات الأساسية والسلع الغذائية التي تعتمد بصورة أساسية على أسطوانات البوتاغاز مثل الأكلات الشعبية أو الدواجن التي تستخدم فيها وسائل التدفئة أو المحاجر أو الخبز، بالتالي سيزداد الضغط والعبء على الأسر المصرية".
ويضيف بدرة، خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن هناك نقاشاً دائراً منذ عام 2019 بتغيير مستوى الدعم من عيني إلى نقدي، وأعيد هذا النقاش حالياً داخل أروقة الحوار الوطني وغيره من المؤسسات بالدولة، موضحاً أن الدولة تحاول جاهدة "خفض عجز الموازنة، ومعالجة الأمور الراهنة بصورة مرحلية، علاوة على خفض الدعم الموجه للمواطن"، مشيراً إلى أن الدولة المصرية تنتهج هذه الخطة منذ سنوات عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعضد الطرح السابق رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء محمود العسقلاني، موضحاً أن غلاء الأسعار في مختلف السلع والخدمات أصبح يطارد المصريين في كل مكان، مؤكداً أن زيادة أسعار أسطوانات البوتاغاز سترفع بدورها أسعار الأكلات الشعبية للمصريين، منوهاً أن غالب المحال التجارية التي توجد في المناطق الشعبية لا تزال تستخدم أنابيب البوتاغاز بكثرة ولا يستعملون الغاز الطبيعي بسبب ارتفاع كلفته، مما سيجعلهم يرفعون من كلفة أسعار المأكولات الغذائية على الزبائن لتعويض زيادة أسعار أسطوانات البوتاغاز.
ولم يخف العسقلاني قلقه من استمرار الحكومة المصرية في تنفيذ اشتراطات وضوابط صندوق النقد الدولي، قائلاً "نحن في خطر كبير، ولا يجب على الدولة أن تعول كثيراً على صبر المواطن وخوفه من عودة حالة عدم الاستقرار والانفلات الأمني والاجتماعي عقب أحداث يناير 2011، ويجب على الدولة التريث وامتصاص غضب المواطنين".
في السياق ذاته يرى نائب رئيس هيئة البترول السابق مدحت يوسف أن الزيادة الأخيرة في أسطوانات البوتاغاز ستؤثر في مختلف القطاعات التجارية والخدمية، إذ يعتمد عدد من المؤسسات على البوتاغاز جزءاً أساساً من تشغيلها اليومي، وقد يكون للزيادة تأثير مباشر في تكاليف التشغيل، مما قد ينعكس بدوره على أسعار بعض المنتجات والخدمات.
ويوضح يوسف، خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن كلفة أسطوانة البوتاغاز في السوق المحلية مرتبطة بالسعر العالمي للبوتاغاز، وتضاف إليها أيضاً تكاليف أخرى مثل تكاليف النقل والتخزين، إضافة إلى أجور العمالة المتعلقة بعمليات التفريغ والتوزيع، وهذه التكاليف الإضافية تزيد من العبء المالي على الدولة، التي تستمر في تحمل هذا الدعم في ظل ارتفاع الأسعار العالمية، مردفاً "البوتاغاز أرخص المنتجات النفطية، إذ يصل سعر اللتر منه إلى أقل كثيراً مقارنة بالبنزين والسولار، ولذلك رفعت الحكومة أسعاره بنسبة كبيرة، لتقليل الفجوة بين الإنتاج والسعر البيع النهائي للمستهلك".
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية)، في مارس (آذار) الماضي، إلى أن حجم الاستهلاك المحلي من البوتاغاز بلغ نحو 298 ألف طن في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، في مقابل 289 ألف طن في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2022، بزيادة بلغت 9 آلاف طن، وشهد حجم الاستيراد من البوتاغاز ارتفاعاً أيضاً خلال الفترة نفسها، إذ بلغ نحو 171 ألف طن في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، في مقابل نحو 88 ألف طن في الشهر نفسه عام 2022، بزيادة بلغت نحو 83 ألف طن، كما حقق الإنتاج المحلي من البوتاغاز استقراراً ملاحظاً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عند مستوى 145 ألف طن، وهو مستوى الإنتاج نفسه في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2022.
ووصلت أزمة زيادة أسعار أسطوانات البوتاغاز إلى أروقة البرلمان المصري، إذ تقدم البرلماني محمود قاسم بسؤال في شأن أسباب اتخاذ الحكومة مثل هذه القرارات فجأة ومن دون سابق إنذار، موضحاً أن ارتفاع أسعار أسطوانة البوتاغاز جعل عديداً من المواطنين يتحدثون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن العودة لاستخدام الحطب ونشارة الخشب والكانون بدلاً من البوتاغاز في طهي الطعام.
وتساءل البرلماني المصري، "ماذا ستفعل الحكومة عندما ترتفع غالبية أسعار السلع بعد هذا الارتفاع في أنابيب البوتاغاز؟ وما الأسباب الحقيقية لتأخر توصيل الغاز الطبيعي للمنازل؟ وإذا كانت أسعار أنابيب البوتاغاز داخل المستودع وصلت إلى 150 جنيهاً (3.10 دولار)، بكم ستصل إلى المواطن؟ وهل الحكومة لديها القدرة للسيطرة وإحكام الرقابة على الأسواق والأسعار بعد ارتفاع الأسعار؟".