تحولت الفرجة في مباريات المنتخب المغربي لكرة القدم - سيدات، والذي يلعب مباراة نهائي كأس أفريقيا للأمم، مساء السبت 23 يوليو (تموز)، أمام منتخب جنوب أفريقيا، إلى سجالات ساخنة بعد فتوى داعية مغربي بشأن تحريم مشاهدة مباريات النساء لكرة القدم، واعتبر الداعية المغربي حمزة الخالدي أن مشاهدة مباريات المنتخب المغربي النسوي معصية، والفرح بفوزهنّ هو فرح بالمعصية ومحاربة لله تعالى، بسبب نوع الملابس التي ترتديها اللاعبات.
كما شنّ الداعية هشام البوعناني هجوماً لاذعاً على لاعبات المنتخب المغربي للسيدات، وقال إن ما قمن به لا يعد إنجازاً في عرف الدين، وأنهنّ يسئن لصورة المرأة المغربية المسلمة.
في المقابل، اعتبر معلقون ومتابعون أن مثل هذه "الفتاوى" والأحكام الدينية الجاهزة تكشف تصورات بعض الدعاة عن المرأة، إذ يختزلون كل طاقاتها وجهودها وأنشطتها في جسدها فقط.
وقدم المنتخب المغربي لكرة القدم للسيدات مساراً حافلاً في بطولة كأس أفريقيا للأمم التي تقام على الأراضي المغربية، بوصوله، للمرة الأولى، في تاريخه، إلى النهائي لمواجهة نظيره منتخب جنوب أفريقيا.
"الصحابيات لبوءات"
وبدأ الجدل بمقطع فيديو للداعية المغربي المعروف حمزة الخالدي قال فيه إن "بعض الناس أصبحوا يعتادون على بعض الأمور على أنها مباحات وهي من المحرمات"، مضيفاً أن هذا يسمى الغفلة، ومنها مباريات الكرة التي فيها أقوال للعلماء، أقله، "إنها جائزة بقيود بخصوص الرجال، وإذا لم تُحترم تنتقل إلى الحرام، أما مباريات النساء فهي بلا شك حرام".
أضاف الخالدي، "كثيرون فرحوا وصفقوا للمنتخب المغربي للنساء، وبأنهنّ قمن بما لم يقم به الرجال أنفسهم"، مبرزاً أن "اللباس الذي تظهر به اللاعبات لا يجوز أن تظهر به المرأة مع امرأة مثلها، فبالأحرى أن تظهر كاشفة عارية، والناس فرحون بما قدمن".
وزاد المتحدث ذاته أن هذا الفرح هو فرح بمعصية الله يوجب غضب الله، وأن شهود مباريات النساء والفرح بها ونشرها والحديث عن التفاضل بين الرجال والنساء هو نوع من محاربة الله ومبارزته بالمعاصي. ولفت الداعية، في هذا السياق، إلى اندلاع الحرائق في غابات المغرب وموجة الغلاء والزلازل، كلها ظواهر تواجه بمبارزة الله بإقامة المهرجانات ومباريات كرة القدم النسائية، ليخلص إلى أن "كل من شاهد هذه المقابلات آثم آثم آثم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته، رفض الداعية هشام البوعناني تسمية لاعبات المنتخب المغربي للنساء بـ "اللبوءات"، على غرار تسمية لاعبي المنتخب (رجال) بأسود الأطلس، مبرزاً أن "اللبوءات الحقيقيات هنّ الصحابيات مثل خديجة بنت خويلد وأسماء بنت أبي بكر وغيرهما، ووصف الداعية لاعبات كرة القدم بأنهنّ "نساء مترجلات"، مورداً حديثاً نبوياً يتضمن لعن النساء المترجلات، قبل أن يطالب لاعبات كرة القدم المغربيات بأن يقمن في بيوتهنّ وينجبن الأجيال، مضيفاً "أنهنّ لم يقمن بأي إنجاز بقدر ما أسأن إلى صورة المرأة".
تأييد ورفض و"حياد"
ولقي هذا الموضوع جدلاً واسعاً انقسم على إثره المعلقون إلى ثلاثة أصناف، الأول، أبدوا تضامنهم مع الدعاة الذين حرموا مشاهدة مباريات النساء، والثاني، معلقون رفضوا إقحام الدين في الرياضة وتوزيع التهم و"صكوك الغفران" على الآخرين، والثالث، معلقون اعتبروا الموضوع نوعاً من الإلهاء عن المشكلات الحقيقية للمواطنين.
وبخصوص النوع الأول، قال معلقون إن "الصحافة الصفراء" انقضت على هؤلاء الدعاة بعد استنكارهم ممارسة النساء كرة القدم بلباس غير محتشم، واعتبروا أن دستور المملكة يقرّ أن دين الدولة هو الإسلام، والإسلام ينص على حرمة كشف المرأة لعورتها، وأما الصنف الثاني من المعلقين فانتقدوا بشدة إطلاق الأحكام الدينية بالتحليل والتحريم في كل مجال من دون تثبت أو تروّ، واعتبروا أن الفتوى مجال مضبوط له علماء متخصصون، كما أن هناك مؤسسة رسمية قائمة بذاتها تختص بالفتاوى في الأمور العامة، ووفق هؤلاء المعلقين، فإن الذي يشاهد مباراة لكرة القدم النسائية لا يشاهد بالضرورة أجساد النساء، بل يشاهد مقابلة رياضية تنافسية لا تتضمن ميوعة أو ما يخدش الحياء، مستغربين من أن يتم التركيز على "أفخاذ النساء" عوض ما تقدمه اللاعبات من أداء وإبداع كروي.
وأما القسم الثالث فارتأى أن يظل "بعيداً" من هذه السجالات، بقول بعضهم إن الأمر لا يعدو أن يكون نوعاً من إلهاء المغاربة عن المواضيع والقضايا الحقيقية التي يعاني منها المواطنون، مثل ارتفاع أسعار المحروقات، وموجة الغلاء، وملفات التعليم والتنمية وغيرها.
إهانة للمرأة
ويعلق الناشط والباحث الإسلامي رفيقي أبو حفص على الموضوع بالقول إن "مشكلة بعض هؤلاء الدعاة مرتبطة بالتصور القائم لدى بعض هذه التيارات الإسلامية للمرأة، واختزاله في جسدها ولباسها"، مضيفاً أن بعض الدعاة يتركون التركيز على الإنجاز الذي حققته "لبوءات الأطلس"، وأجواء الفرحة التي عمت المغرب، وعدد الجمهور الذي تابع هذه المباريات، ليتم التركيز فقط على ما تلبسه اللاعبات من أقصمة وسراويل قصيرة، وشدد المتحدث ذاته على أن "هذا النوع من التركيز على لباس اللاعبات يعد إهانة للمرأة وعدم تقدير لذاتها وشخصيتها، وما تلعبه من أدوار اليوم في المجتمع المغربي"، وأسف من الفكر الذي "يربط متابعة ومشاهدة مباريات المنتخب المغربي للنساء، بما يقع من كوارث طبيعية من حرائق وزلازل، سببها ما يعرفه العالم من تقلبات مناخية، وأحياناً حتى الإهمال البشري، ليتم تحميل المرأة كل هذه الكوارث"، وختم أبو حفص، "ما لم يتم التخلي عن هذه التصورات المهينة للمرأة، والتعامل معها كالرجل، في حدود الحرية والالتزام بالقانون، فسنسمع للأسف مزيداً من هذه الأصوات التي تحاول فساد كل فرحة وتنغيصها".