استقرت أسعار النفط في تعاملات صباح الأربعاء، 27 يوليو (تموز) 2022، في آسيا عند سعر خام برنت (104.7 دولار) للبرميل، و(95.5 دولار) للخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) بعد ارتفاع طفيف أمس، مع إعلان معهد البترول الأميركي زيادة السحب من المخزونات في الأسبوع الأخير ليصل إلى 4.03 مليون برميل، في حين كانت الأسواق تسحب بحدود 1.21 مليون برميل فقط، على الرغم من إفراج وزارة الطاقة الأميركية عن 5.6 مليون برميل من مخزون الاحتياطي الاستراتيجي في الأسبوع المنتهي في 22 يوليو.
ويبدو حتى الآن أن الأسواق لم تتفاعل بعد مع الجهود الأميركية الجديدة للدفع نحو فرض سقف سعر على النفط الروسي لحرمان موسكو من عائدات صادراتها من الطاقة، من دون حرمان السوق من أكثر من 7 ملايين برميل يومياً من الصادرات الروسية. وتأمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في أن يؤدي فرض سقف السعر إلى انخفاض أسعار النفط في السوق وليس فقط الضغط أكثر على روسيا اقتصادياً.
إلا أن مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية، الذين تحدثوا للصحف ووكالات الأنباء، مثل وكالة "رويترز" و"الفاينانشيال تايمز" و"شبكة سي أن بي سي"، حذروا من ارتفاع أسعار الطاقة مجدداً وبقوة في حال نجحت جهود تطبيق سقف سعر على النفط الروسي.
وأجرى الأميركيون اتصالات ببعض الأطراف الآسيوية، مثل الصين واليابان والهند، لإعادة إحياء اقتراح سقف السعر الذي فشل قادة مجموعة السبع في الاتفاق عليه في قمتهم بألمانيا الشهر الماضي. كما اتصلت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين مساء الثلاثاء، بنظيرها البريطاني ناظم زهاوي، لبحث مقترحات الخزانة الأميركية لفرض سقف سعر على النفط الروسي.
ماذا يعني سقف السعر؟
يأتي الدفع الأميركي الجديد نحو تطبيق سقف سعر لنفط روسيا مع اتفاق أميركا وبريطانيا على الانضمام للحظر الأوروبي على تأمين ناقلات النفط الروسية الذي يدخل حيز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، إذ سيؤدي الحظر إلى انخفاض الصادرات الروسية ما يعني حرمان السوق العالمية من 7 ملايين برميل يومياً، تمثل نحو 7 في المئة من الطلب العالمي، وهو ما سيؤدي إلى موجة ارتفاع هائلة في أسواق النفط.
ويستهدف سقف السعر إعفاء شحنات النفط الروسي التي تباع بسعر منخفض بحسب سقف السعر المحدد في العقوبات من حظر تأمين السفن والناقلات. ويأمل مسؤولو الخزانة الأميركية في أن ذلك سيوفر المعروض النفطي بما يجعل الأسعار منخفضة وفي الوقت نفسه يحرم موسكو من المليارات من عائدات النفط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فحسب أرقام وكالة الطاقة الدولية، حققت روسيا دخلاً بنحو 20.24 مليار دولار في شهر يونيو (حزيران) الماضي بزيادة عن الشهر الذي سبقه بنسبة 40 في المئة مقارنة مع الشهر ذاته العام الماضي. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا يتوقع أن تستمر أسعار الطاقة مرتفعة، بالتالي تزيد عائدات روسيا من صادرات الطاقة (نفط وغاز).
ومن غير الواضح كيف سيمكن تطبيق فرض سقف السعر، ناهيك بإمكانية أن يضر بروسيا أكثر مما يضر بالغرب والدول التي تفرض العقوبات. وفي مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" اعتبر المدير المشارك لمعهد تحليل الأمن الدولي، غال لوفت، أن فكرة سقف سعر لنفط روسيا فكرة غير منطقية وشبهها بأنها "مثل أن تدخل محلاً وتطلب من البائع أن يقبل منك دفع ثمن أقل للمنتج الذي تشتريه". واعتبر أن فرض السقف يمكن أن يأتي بنتائج عكسية على الولايات المتحدة والدول الغربية، متوقعاً ارتفاع أسعار النفط لما فوق 140 دولاراً للبرميل.
صعوبة التنفيذ
لم تقدم الإدارة الأميركية ووزارة الخزانة أية تفاصيل تتعلق بإمكانية فرض سقف السعر. وفي سلسلة مقابلات أجرتها مؤسسة "ستاندرد أند بورز" مع مسؤولين كبار في بنوك الاستثمار وسوق الطاقة، استبعد هؤلاء نجاح تطبيق فرض سقف سعر على نفط روسيا لأسباب عدة، منها أن نجاح عقوبات فرض سقف سعر يتطلب قبول روسيا، وهو أمر مستبعد، بالتالي قد تلجأ موسكو إلى خفض إنتاجها وصادراتها بشدة ما يعني ارتفاعاً جنونياً في الأسعار العالمية.
وكذلك، يحتاج الأمر تعاوناً أوسع من مشتري الطاقة حول العالم، وليس الدول الحالية المشاركة في نظام العقوبات على روسيا، ولا يتوقع أن تقبل دول مثل الصين والهند وغيرهما بذلك، وهي من أكبر المشترين للنفط الروسي.
ومن المنتظر في حال تطبيق سقف السعر أن يحدث اضطراب في السوق العالمية نتيجة نظام التسعير الثنائي، حيث سيكون هناك سعر للنفط وآخر مخفض للنفط الروسي، ولا تعمل سوق النفط بهذه الطريقة، وهو ما يجعل المتعاملين في العقود الآجلة يستبعدون إمكانية تطبيق عقوبة سقف السعر تلك.
وعلى الرغم من وجود أقمار اصطناعية يمكن استخدامها في مراقبة الشحنات، إلا أنه لا توجد ضمانات بأن الدول المشاركة في نظام العقوبات وسقف السعر يمكن أن تلتزم بذلك، ويضرب المحللون أمثلة بسلوكيات دول خضعت للعقوبات مثل إيران وفنزويلا وغيرها وابتكرت طرقاً للتهرب والالتفاف عليها.
ولا توجد حتى الآن مقترحات لآلية محكمة لتطبيق مثل هذا الأمر، ناهيك بصعوبة التدقيق في فواتير البيع والشراء من قبل المستوردين، ثم إن هناك عدم وضوح في شأن من سيحدد سقف السعر المخفض للنفط الروسي، وعلى أي أساس مع تقلبات السوق بحسب معادلة العرض والطلب وغيرها من العوامل، إضافة إلى أن نحو ثلث صادرات روسيا هي من المشتقات البترولية وليست من النفط الخام، بالتالي كيف سيكون سقف السعر: هل للخام أم للمشتقات وعلى أي أساس.
ويجمع كل هؤلاء على أن روسيا لن تستجيب لعقوبة وضع سقف سعر تعفي شحنات صادراتها من حظر التأمين على السفن والناقلات، وأن النتيجة يمكن أن تكون خفض الإنتاج والصادرات، بالتالي مزيد من ارتفاع الأسعار.
لكن المؤكد حتى الآن أن حظر التأمين على ناقلات النفط الروسي، الذي تضمنته الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية المعلنة الشهر الماضي وستنضم إليها أميركا وبريطانيا، ستؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، بخاصة للعقود الآجلة تسليم ما بعد شهر ديسمبر (كانون الأول) هذا العام.