بعد أن كان المغرب مصدراً للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، أصبح خلال العقود الأخيرة بلد عبور لمواطني البلدان الأفريقية جنوب الصحراء، وذلك بعد توالي الاضطرابات السياسة في بعض تلك البلدان التي شهدت انقلابات وحروباً. وعلى الرغم من اعتماد المغرب سياسة خاصة بالهجرة واللجوء، فإن المعابر الحدودية المغربية مع مدينتي سبتة ومليلية تشهد مآسي متتالية تخلف قتلى في صفوف المهاجرين.
إطار تنظيمي
واعتمد المغرب في عام 2013 "السياسة الوطنية للهجرة واللجوء" التي ترتكز على مبادئ تتضمن احترام حقوق الإنسان، ومحاربة الاتجار بالبشر ومكافحة التمييز، إضافة إلى تدبير تدفقات المهاجرين، وتيسير استفادتهم من النظام الصحي والمدرسي والسكني. ومنذ مطلع عام 2014، شرع المغرب في تسوية وضعية المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني على أراضيه، فاعتمد في عام 2016 قانوناً يحارب جريمة الاتجار بالبشر، كما أسهم في عام 2020 في إنشاء المرصد الأفريقي للهجرة.
وفي معرض تقييمه لسياسة المغرب في مجال الهجرة، قال سفير المغرب في فيينا، عز الدين فرحان، إن "النموذج المغربي المتعلق بسياسة الهجرة، الذي يقوم على ثلاث ركائز: التضامن، المسؤولية، والتعاون الدولي، يشكل نموذجاً إقليمياً لتدبير إشكالية الهجرة بمسؤولية وتضامن"، موضحاً أن الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء شهدت "تنفيذ برنامج واسع النطاق لتسوية أوضاع المهاجرين واللاجئين ودمجهم في المجتمع المغربي، من خلال وضع برامج اجتماعية تمكن هؤلاء المهاجرين من الاندماج اجتماعاً، والاستفادة من التعليم والصحة والسكن ثم التكوين المهني".
من ناحية أخرى، أوضح السفير المغربي أن بلاده "تواصل بذل جهود جبارة في ما يتعلق بتفكيك شبكات تهريب المهاجرين وإجهاض محاولات الهجرة غير النظامية"، مشيراً إلى أنه "على الرغم من استمرار ضغط الهجرة على المغرب في عام 2019، سجل تراجع تدفقات الهجرة غير النظامية بنسبة 17 في المئة، مقارنةً مع عام 2018، مضيفاً أنه "في عام 2020 تم تأكيد المنحى التنازلي بعد تسجيل انخفاض بنسبة 44 في المئة في عدد محاولات الهجرة غير الشرعية اعتباراً من 31 أغسطس (آب) من تلك السنة، وتم تفكيك 208 شبكات إجرامية لتهريب المهاجرين في 2019، و113 شبكة خلال فترة "كوفيد-19" بين يناير (كانون الثاني) وأغسطس 2020، كما أنقذت البحرية الملكية 3128 مهاجراً في الفترة ذاتها".
وأشار السفير فرحان إلى أن "المغرب اعتمد قانوناً في شأن الاتجار بالبشر بهدف ملاءمة التشريعات الوطنية مع التشريعات الدولية، وتحديداً البروتوكول المتعلق بالاتجار بالأشخاص التابع لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود"، معتبراً أن نص القانون ذلك يوفر إطاراً تشريعياً يسمح للمؤسسات والمجتمع المدني المغربي بالمشاركة في مكافحة الاتجار بالبشر"، موضحاً الدور الأساسي للمغرب في إنشاء مرصد الهجرة الأفريقي، وهو "أول هيئة في الاتحاد الأفريقي تعنى بالهجرة، يهدف إلى تطوير مسلسل لجمع وتحليل وتبادل المعلومات بين البلدان الأفريقية في هذا المجال، كما سيكون له دور تصحيح الصور النمطية الخاطئة عن الهجرة لفائدة تنمية البلدان الأصلية وبلدان الاستقبال"، مضيفاً أن "هذه الرؤية القارية تتوافق مع الالتزام الدولي للمغرب الذي استضاف في ديسمبر (كانون الأول) 2018، المؤتمر الدولي للهجرة المنظم تحت رعاية الأمم المتحدة، والذي صادق على الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والشرعية، في إطار البحث المستمر عن حلول مبتكرة بين إدارة الحدود وحماية حقوق الإنسان للمهاجرين، وبين الهجرة والتنمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ارتباط أوروبي
وفيما أشاد مراقبون بالمستوى الجيد لسياسة المغرب بخصوص الهجرة، أوضح إدريس السدراوي، الرئيس الوطني للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أن "سياسة المغرب في مجال الهجرة ليست بمنأى عن سياسة الاتحاد الأوروبي، وكذلك العمق الأفريقي، وقد عرفت مقاربة حقوقية متميزة خلال مرحلة دمج وتسوية أوضاع المئات من المهاجرين الأفارقة بالمغرب كمبادرة ملكية لها بعد حقوقي لا يمكن التنكر له"، معبراً في حديثه لـ"اندبندنت عربية" عن أسفه لكون الحكومات المتتالية "لم تستطع الحفاظ على المبادرة من جهة، وتطويرها من جهة أخرى، بالتالي فإن الحكومة المغربية رهينة مقاربة الاتحاد الأوروبي الذي يهتم أساساً بمنع المهاجرين الأفارقة من الوصول إلى القارة الأوروبية واعتبار المغرب دركياً لأوروبا"، موضحاً أن "ذلك ما أدى إلى ما شهدناه أخيراً من أحداث أليمة ومواجهات أدت إلى وفيات وإصابات لدى الطرفين عند محاولة مهاجرين أفارقة محاولة اجتياز السياج الحدودي مع مدينة مليلية"، وهو - بحسب الناشط الحقوقي - "مؤشر على فشل السياسة الأوروبية للهجرة وليس سياسة المغرب، لأن الخطط والاستراتيجيات تتم صياغتها على مستوى الاتحاد الأوروبي والمغرب جزء منها فقط".
توالي المآسي
وتشهد السياجات الحدودية لمدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين لسيطرة إسبانيا، محاولات متتالية للاقتحام من طرف مغاربة وأفارقة من جنوب الصحراء، وينتج عن التدخلات الأمنية لمنع تلك المحاولات، وقوع قتلى وإصابات، كان آخرها ما عرفه الشريط الحدودي مع مدينة مليلية في يوم "الجمعة الأسود" 24 يونيو (حزيران) الماضي، حيث نتج عن تدخل قوات الأمن المغربية والإسبانية، عندما حاول ألفي مهاجر أفريقي اقتحام السياج الحدودي، وفاة 30 مهاجراً. وتعليقاً على ما جرى، قال رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، إن "مسألة انتهاك حقوق الإنسان في مأساة مليلية التي راح ضحيتها نحو 30 مهاجراً في 24 يونيو، يجب أن تثار في الرباط، وعلى حكومة المغرب الإجابة عن مدى احترام حقوق الإنسان".
من جانبه، قال سفير ساحل العاج لدى المغرب، إدريسا تراوري، "نشجب هذه المأساة، ويجب القول إن للمغرب سياسة هجرة يقدرها الجميع. يجب نبذ العنف واعتماد مبدأ الحوار"، مضيفاً، "أعتقد أن السلطات المغربية تبذل جهداً لاحتواء كل ما يمكن أن يشكل عنفاً. نأسف لموت المهاجرين الأفارقة لكنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء".
ظاهرة معقدة
في السياق، أوضح محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أنه "لا يمكن إطلاقاً الحديث عن فشل أو نجاح سياسة المغرب في مجال الهجرة غير النظامية، على اعتبار أن الظاهرة جد معقدة يتداخل فيها الحقوقي مع السياسي مع الاجتماعي والاقتصادي والأمني، مشيراً إلى أنه "إذا كنا نتحدث عن فشل على المستوى الأمني فهو راجع للضغط الذي يعرفه المغرب كبلد عبور للمهاجرين غير نظاميين خلال السنوات الأخيرة، وهو الضغط الذي سيتزايد لما يعرفه العالم من متغيرات نتيجة وباء كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية، ناهيك بعدم الاستقرار السياسي في بلدان عدة"، مضيفاً أنه "من الصعب على بلد كالمغرب أن يعمل على وقف موجات الهجرة غير النظامية من دون تكافل جهود الاتحاد الأوروبي، الذي للأسف الشديد يتابع اعتماد سياسة تجعل بلدان شمال أفريقيا تلعب دور الدركي مقابل ما يسمى برامج التنمية، ودعم الإصلاحات، لكن المغرب على الرغم من ذلك يتمتع بصورة إيجابية منذ اعتماده سياسة جديدة في مجال الهجرة واللجوء منذ عام 2013 باعتراف دول عدة، لكن في الأخير تظل ظاهرة الهجرة ظاهرة إنسانية متعددة الابعاد ومعقدة".