مع هيمنة أخبار أزمة الغاز الطبيعي نتيجة وقف الإمدادات من روسيا إلى أوروبا، وأيضاً احتمالات نقص إمدادت النفط الروسية إلى أوروبا نتيجة قرار الحظر الذي يفترض أن يبدأ تنفيذه نهاية العام، لا تحظى أخبار مصدر آخر للطاقة باهتمام إعلامي كبير.
على الرغم من الاضطراب في أسواق الطاقة نتيجة الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا تواجه القارة الأوروبية مشكلة منذ صيف العام الماضي، فبزيادة الطلب على استهلاك الطاقة لم تعد قدرات الدول الأوروبية على توليد الكهرباء من محطاتها كافية لسد احتياجات الشبكات في القارة بالتالي عاد كثير من الدول مثل ألمانيا وبريطانيا وهولندا وغيرها إلى تشغيل محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم بعد توقفها تمهيداً لتفكيكها بسبب أضرارها البيئية.
معروف أن حرق الفحم في محطات توليد الطاقة تنتج منه كميات أكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون (المسبب الرئيس للاحتباس الحراري والتغيرات المناخية) في كوكب الأرض. وبسبب ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته ونقص إمدادات الغاز زاد الطلب على الفحم لتشغيل محطات الطاقة، ولأن حزم العقوبات الأوروبية على موسكو تشمل حظر كل واردات الطاقة بدأت شحنات الفحم الروسي إلى أوروبا تتراجع.
وإن كانت الصين ضاعفت إنتاجها من الفحم فإن الإنتاج لا يكفي لسد احتياجات توليد الطاقة بالتالي زاد استيراد الصين من الفحم أيضاً، بخاصة من الأسواق القريبة مثل إندونيسيا أحد أكبر مصدري الفحم في العالم.
الفحم الأفريقي
هكذا بدأت أوروبا في الأشهر الأخيرة زيادة وارداتها من أسواق أخرى لم تكن تستورد منها كثيراً من الفحم من قبل، ونشرت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" تقريراً هذا الأسبوع حول المصادر الجديدة للفحم إلى أوروبا، بخاصة من كازاخستان وتنزانيا ودول أفريقية أخرى، وفي انتظار تحديد الاحتياطيات وقدرات الإنتاج لتلك المصادر الجديدة، بدأ التجار بالفعل في اعتبار تلك المصادر جزءاً من خطة شاملة لتعويض واردات الفحم من روسيا.
وينقل التقرير عن أحد تجار الفحم في أوروبا قوله "لقد حجزنا بالفعل شحنات فحم من تنزانيا وبعض الشحنات من كازاخستان حيث جودة الفحم أفضل بكثير من المصادر الأخرى. كما تمت زيارة أحد المناجم في نيجيريا أيضاً والهدف هو التعويل على مصادر جديدة لم تُعد من قبل مورداً مهماً في ظل وجود الشحنات من روسيا".
كان الاتحاد الأوروبي اتخذ قرار فرض حظر على واردات الفحم الروسي في أبريل (نيسان) الماضي على أن يبدأ تنفيذ الحظر تماماً في العاشر من شهر أغسطس (آب).
وتعتمد محطات الطاقة والمصانع الأوروبية على الفحم بخصائص قياسية عند 5700 كيلو سعر حراري للكيلو غرام أو أعلى من ذلك، وبنسبة كبريت في حدود 0.8 في المئة، ومواد طيارة من 20 إلى 24 في المئة. وتنطبق هذه المواصفات على الفحم الأفريقي تماماً ويتفوق الفحم من أفريقيا وكازاخستان على نظيره من الولايات المتحدة وأستراليا في المواصفات والأسعار، إذ تعد أسعار الفحم الأفريقي أكثر تنافسية بالنسبة المشترين الأوروبيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لذا صدّرت كازاخستان 2.85 مليون طن متري من الفحم الحراري وفحم الكوك إلى دول أوروبا هذا العام حتى الآن، مقارنة مع 0.81 مليون طن متري في العام الماضي كله، بحسب بيانات "ستاندرد أند بورز"، بينما ضاعفت موزمبيق صادراتها من الفحم إلى أوروبا خلال الأشهر الماضية من هذا العام بنحو ستة أضعاف مقارنة مع العام الماضي. ووصلت صادرات الفحم الحراري من موزمبيق لدول شمال غربي أوروبا هذا العام حتى الآن إلى 1.1 مليون طن متري، مقارنة مع 22 ألفاً و653 طناً مترياً للعام الماضي كله.
ويضيف المشتري الأوروبي "يعد الفحم الروسي مثالياً لأوروبا، إذ يستخدم مباشرة في محطات الطاقة والمصانع من دون حاجة لأية معالجة، لكن الأمر ليس كذلك مع الفحم من مصادر أخرى مثل الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا أو إندونيسيا، إذ يحتاج المستورَد من تلك الدول إلى معالجة وخلط مع مكونات أخرى قبل استخدامه. وعلى سبيل المثال فالفحم الأميركي فيه نسبة كبيرة من الكبريت والمواد الطيارة، كما أن جنوب أفريقيا لا يمكنها تلبية الاحتياجات الأوروبية".
الأسعار والمصادر التقليدية
تظل الواردات الأوروبية من مصادر الفحم التقليدية مستمرة، لكنها إما لا تكفي الشحنات منها لسد احتياجات أوروبا أو أن أسعارها أعلى كثيراً من الفحم في الدول الأفريقية مثل تنزانيا ونيجيريا أو حتى كازاخستان. ويظل نقل شحنات الفحم من كازاخستان أكثر صعوبة وكلفة من نقل الشحنات القادمة من الدول الأفريقية.
وبحسب أحد تجار الفحم في الهند تمتد تجارته أيضاً إلى أوروبا، "إذا كان لدى الأوروبيين خيارات أقل فعليهم أن يأخذوا ما هو متوفر كبديل للفحم الروسي. والفحم من تنزانيا عالي الجودة عند 6000 كيلو سعر حراري للكيلو غرام، وقد استوردنا شحنة صغيرة إلى الهند أيضاً، وعلى الرغم من قيود موانئ التصدير في تنزانيا فإن الفحم التنزاني مناسب جداً لأوروبا. ولأن كازاخستان لا تشارك في العقوبات يمكن النظر إلى الفحم منها أيضاً، لكنه أقل جودة من الفحم الأفريقي".
وينقل التقرير عن تجار ومشتري الفحم لأوروبا أنهم ما زالوا يحجزون شحنات من أستراليا وجنوب أفريقيا وإندونيسيا وهي المصادر التقليدية للفحم في العالم، لكن في ظل زيادة الطلب ومحدودية الشحنات المحمولة بحراً على الأوروبيين أن يزايدوا في الأسعار للحصول على شحنات تكفي لتعويض الفحم الروسي، كما يقول التقرير.
وتضاعفت أسعار الفحم في الأشهر الأخيرة بعد ارتفاعها كثيراً إلى مستويات غير مسبوقة في النصف الثاني من العام الماضي. وبحسب تقديرات "غلوبال كوموديتي إنسايت" التابعة لمؤسسة "ستاندرد أن بورز" وصل سعر الطن المتري للفحم بمواصفات 6000 كيلو سعر حراري للكيلو غرام إلى 375 دولاراً، مقابل 118 دولاراً فقط في منتصف فبراير (شباط) الماضي، أي قبل حرب أوكرانيا، وكان سعر الطن المتري من هذا النوع وصل إلى مستوى غير مسبوق في يونيو (حزيران) عند 432.5 دولار.
ومع استمرار أزمة الغاز وحفاظ أسعار النفط على قوتها يتوقع أن تواصل أسعار النفط الارتفاع، ويخلص تقرير "ستاندرد أند بورز" إلى أن الصادرات الأفريقية من الفحم إلى أوروبا ستزداد أيضاً في الأشهر المقبلة.