تعتبر فئة من المواطنين العراقيين أن الانتخابات المبكرة ستكون الحل الوحيد للأزمة السياسية، التي تشهدها البلاد منذ أسبوعين بعد اقتحام أنصار التيار الصدري مقر البرلمان، واتخاذه مقراً للاعتصام لحين تنفيذ مطالب زعيم التيار مقتدى الصدر.
وأرسل الصدر في كلمته، الأربعاء الثالث من أغسطس (آب)، رسائل واضحة عن الحلول التي يراها مناسبة والتي تتمثل في إجراء انتخابات مبكرة وحل البرلمان الحالي وإجراء تعديلات واضحة وجوهرية على أداء مجلس القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية العليا، بشكل يبعدها عن التمييز واستهداف الخصوم السياسيين ومحاسبة الفاسدين.
وعلى الرغم مما تضمنته كلمته من حديث عن الانتفاضة والمطالبة بالتغيير السياسي، إلا أنها وبحسب متابعين سياسيين لم تخرج بحديث واضح عن إسقاط النظام السياسي، ودعت الجماهير من غير أنصار التيار الصدري لزيادة الضغط على منافسيه الشيعة لتقديم تنازلات تضمن تحقيق مطالبه.
وكان الصدر اشترط في تغريدات وبيانات سابقة حل الأزمة السياسية، إذا ما تمت الموافقة على تعديل الدستور وإعادة النظر في سلطة وسياسة مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية ومحاكمة الفاسدين ونزع سلاح الفصائل الشيعية وحصر السلاح بيد الأجهزة الأمنية الرسمية.
تأييد وحذر إطاري
ورحبت غالبية قادة الكتل السياسية بدعوة الصدر إلى حل مجلس النواب الحالي وإجراء انتخابات مبكرة خلال العام المقبل، لكن وفق شروط مختلفة.
ففي داخل "الإطار التنسيقي"، رحب كل من زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وزعيم "منظمة بدر" هادي العامري بإجراء انتخابات مبكرة، بشرط أن تحظى بإجماع وطني على تحديد وقتها وإدارتها.
لكن زعيم "دولة القانون" نوري المالكي لم يرحب بتنظيم انتخابات مبكرة، ودعا إلى إجراء مفاوضات بين الكتل السياسية قبيل اتخاذ أي قرار بشأن إقامة الانتخابات من عدمها.
ترحيب كردي وسني
وأبدى "تحالف السيادة" الذي يمثل غالبية النواب السنة في مجلس النواب العراقي الحالي، ترحيبه بإجراء انتخابات مبكرة، معتبراً أن مطالبة الصدر بإجراء إصلاحات في القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية، ضرورية لضمان نزاهة الانتخابات والتفسيرات الدستورية.
كما دعم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني فكرة إجراء انتخابات مبكرة لكونها الحل الأفضل للأزمة السياسية في البلاد، لكنه دعا إلى ضرورة أن تكون هذه الخطوة وفق أطر دستورية، تتضمن تشكيل حكومة جديدة يحدد لها توقيت زمني لإقامة الانتخابات المبكرة.
ويرى محللون أن المخاوف من أن يسير العراق إلى المجهول ما زالت قائمة في ظل استمرار الأزمة السياسية، وإن أجريت تلك الانتخابات وسط مخاوف من أن يعاد سيناريو الخلاف على شكل الحكومة ومشهد ما بعد الانتخابات الماضية ونتائجها إذا ما تمت.
خيار وحيد
ويرى النائب الكردي السابق سليم شوشتي أن الطريق بات شبه مسدود، باعتبار أن حل البرلمان يحتاج إلى عقد جلسة بحيث يجري التصويت على تعديل قانون الانتخابات وحل البرلمان.
وقال شوشتي "هناك صراع دولي قبل أن يكون إقليمياً وداخلياً، خصوصاً أن نتائج الانتخابات الأخيرة غير مقبولة من قبل التيارات السياسية، مشيراً إلى أن حصول التيار على أعلى عدد مقاعد ومنعه من تشكيل الحكومة، دفعاه إلى اتخاذ قرار آخر وهو الانسحاب من العملية السياسية.
واعتبر أن موضوع حل البرلمان والانتخابات المبكرة يمثلان أمرين في غاية الصعوبة، لكون الكيانات السياسية بمعظمها غير مستعدة لخوض انتخابات مبكرة وفق القانون الجديد، فضلاً عن أن التيار الصدري لا يسمح بعقد الجلسة وتعديل القانون.
مخاوف كبيرة
ويعتقد شوشتي أن كل الطرق مسدودة وعواقب هذه الأمور غير محمودة، على الرغم من أن الأوضاع حالياً تحت السيطرة من قبل جميع الجهات التي ترفض اللجوء إلى العنف، لافتاً إلى أن الأوضاع إذا خرجت عن السيطرة، فإن القتال الشيعي- الشيعي سيكون كبيراً، لكون هذه القوى تمتلك السلاح.
ويرى النائب الكردي السابق أن الحل الذي يمنع تطور الأوضاع إلى قتال شيعي- شيعي بشكل خاص، يكمن في تدخل المرجعية الدينية في النجف، مرجحاً ألا تؤدي الانتخابات المبكرة إلى تغيير شيء في الواقع السياسي الذي تسوده الخلافات بين الكتل حول دورها في تشكيل الحكومة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مفترق طرق
من جانبه، يرى رئيس مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن البلاد أمام مفترق طرق في إيجاد إرادة حقيقية لتغيير العملية السياسية على أساس تقسيم السلطات.
وقال إن "الدستور العراقي لا توجد فيه تقسيمات على أساس الطوائف والمذاهب".
وأضاف أن هناك كثيراً من القضايا المعلقة التي لم يتم وضع حل لها في الحكومات السابقة، ما أدى الى إحداث كثير من المشكلات، منها عدم تطبيق المادة 140 المتنازع عليها، وعدم تشريع قانوني النفط والغاز والمجلس الاتحادي، لافتاً إلى أن هذا الأمر زاد من حجم الفجوة المتعمدة بين بغداد وأربيل، وفاقم من حدة الخلافات.
الاحتكار والميليشيات
وتابع أن عدم التداول السلمي للسلطة ومحاولة احتكارها من قبل "حزب الدعوة" وحلفائه، فضلاً عن الفساد المالي والميليشيات، التي تنشر الفوضى عبر الطائرات المسيّرة والسجون السرية والحروب، التي أنتجت دماراً واسعاً في النسيج الاجتماعي، مشيراً إلى أن هذه الملفات إضافة إلى الفقر والظلم والبطالة والأمية وغيرها من الأمور التي أصبحت معروفة، جعلت البلاد أمام مفترق طرق.
ويعتقد فيصل أن شكل النظام السابق لا يمكن أن يستمر، وما يطرحه التيار الصدري وحلفاؤه هو الذهاب إلى إجراء تغييرات جذرية في طبيعة النظام، والذهاب إلى قانون انتخابي جديد، وتشكيل هيئة دستورية وطنية لإجراء تعديلات على الدستور، لافتاً إلى أن أبرز التعديلات الدستورية هي الذهاب إلى نظام رئاسي برلماني بعيد من الطائفية، يؤسس لدولة مدنية - دولة مؤسسات، والفصل بين السلطات من خلال لعب القضاء دوراً حاسماً في محاسبة طبقة الفساد المالي.
البوصلة واضحة
ويرى باسل حسين، رئيس أحد مراكز البحوث، أن الأمور تتجه إلى الانتخابات المبكرة عبر حوار يقوده الصدر من جهة والعامري ممثلاً عن الإطار.
وقال إن "الإطار التنسيقي تنفس الصعداء بعد تراجع الصدر عن موقفه السابق بأن لا مفاوضات مع الإطار، وانتقال المطالب من تغيير النظام السياسي إلى مطلب الانتخابات المبكرة"، مبيناً أن هذه الخطوة تفتح حواراً بين الطرفين يقوده الصدر من جهة وهادي العامري من جهة أخرى، بوصفه ممثلاً للإطار للوصول إلى تسويات سياسية.
الانتخابات المبكرة
وأوضح حسين أن الأمور تبدو متجهة إلى الانتخابات المبكرة، والصدر أغلق الباب بهذه المطالبة أمام التكهنات بعودة الكتلة الصدرية إلى البرلمان العراقي، عبر تقديم طعن إلى المحكمة الاتحادية لكون هذه الخطوة تضعه في موقف محرج بعد انتقاده المستمر للتفسيرات المتعددة من المحكمة.
وتابع أن عودته إلى البرلمان الحالي إذا ما حصلت، تعطي رسالة بأن انسحابه كان خطوة خاطئة، تتسم بالاضطراب، وهذا الأمر لن يقبله الصدر مهما حصل.