تصدر زعيم تنظيم "القاعدة" الإرهابي أيمن الظواهري مؤشرات البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحديث الشارع العربي والعالمي عقب إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن مقتله في أفغانستان بغارة أميركية.
وعلى الرغم من غموض مسيرة الظواهري منذ بدايته وحتى تحوله إلى زعيم أكبر تنظيم إرهابي، فإنه كان في كثير من الأوقات هدفاً للخيال الفني وحلماً لدى كثير من صناع السينما والدراما لتقديم حياته بشكل أو بآخر.
حلم عبدالعزيز
وكان من أحلام الفنان المصري الراحل محمود عبدالعزيز تقديم شخصية الظواهري في فيلم سينمائي بعنوان "القاعدة" للسيناريست مدحت العدل عام 2007، وأعلنت شركة "جود نيوز" وقتها التصدي لإنتاجه ورصدت موازنة تتعدى 10 ملايين دولار، لكن نظراً إلى صعوبة التنفيذ وضرورة وجود تصريحات أمنية متعددة، تعثر العمل وتلاشى المشروع مع الوقت.
وعقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2011، أعلن الفنان المصري أحمد عز عن تقديمه شخصية الظواهري في فيلم سينمائي ضخم يحمل الاسم ذاته مع المنتج وائل عبدالله، وكتابة حازم الحديدي ورشح لإخراجه أحمد علاء.
تهديدات بالاغتيال
وشاعت أخبار عند إعداد المشروع تفيد بأن عز تلقى تهديدات بالاغتيال من تنظيم "القاعدة"، وبناء عليها قرر الانسحاب من العمل، لكن عز نفى ذلك. وقال إنه لم يتراجع عن تجسيد شخصية الظواهري، الذي يثيره فنياً أن يقدم قصة حياته منذ بدايته، وحتى تولّيه منصب ثاني أبرز قيادي في تنظيم "القاعدة"، الذي تصنفه معظم دول العالم منظمة إرهابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد عز، حينها، أن الفيلم سينفذ في وقت لاحق بعد أن تعاقد على فيلم آخر مع المنتج نفسه، وأرجئ أمر الظواهري حتى استكمال السيناريو وكل التفاصيل والإجراءات الأمنية، لكن العمل لم يبصر النور منذ عام 2011، ولحق بفيلم "القاعدة" الذي يتناول الشخصية نفسها، بعد أن أعلنت عائلة الظواهري تحفظها على تقديم قصة حياته لما ستتضمن من تفاصيل تخصهم من قريب أو بعيد، لكن كان المشروع قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ.
وربما تكون هناك بعض الأعمال العربية والمصرية التي تناولت ظاهرة الإرهاب وتنظيم "القاعدة"، لكن بشكل غير مباشر عن طريق تجهيل الأبطال وإعلان فقط انتمائهم للتنظيم الإرهابي الأشهر، مثل مسلسل "القاهرة كابول"، الذي جسد فيه طارق لطفي دور زعيم تنظيم إرهابي، وجاء شكله مقارباً لشخصيات حقيقية معروفة في التنظيم، لكن صناع العمل رفضوا تحديد اسم الشخصية وقالوا إنها خليط من شخصيات عدة في "القاعدة".
"القاعدة" في السينما العالمية
تناولت السينما العالمية شخصيات تنظيم "القاعدة" أو عملياته بشكل مباشر، وظهر اسم الزعيم السابق أسامة بن لادن الذي اغتالته القوات الأميركية في عدد من الأعمال منها فيلم "zero dark thirty" (30 دقيقة بعد منتصف الليل)، الذي حقق إيرادات بلغت 24 مليون دولار عام 2013. ويروي الفيلم قصة مطاردة بن لادن والهجوم الذي شنته قوة أميركية خاصة على مخبئه في باكستان وقتله، ولعبت بطولته جيسيكا شاستين وجويل إيدجيرتون.
وظهرت شخصية بن لادن في الفيلم الهندي "Tere Bin Laden" (من دونك يا بن لادن) وأدى الشخصية الممثل والمطرب الهندي الشهير علي زافار، واستخدم الفيلم زعيم "القاعدة" وأحداث 11 سبتمبر كوسيلة للسخرية والهجاء.
وفي الفيلم الأميركي "The Hurt Locker" (خزانة الألم)، تم تناول رحلة بن لادن منذ البداية وتعقبه من قبل أميركا حتى مقتله في باكستان، وتم التحقيق مع مخرجة الفيلم الأميركية كاثرين بيغالو، بتهمة تلقي معلومات تصنف على أنها سرية وذات خطر محتمل على الأمن القومي.
أما الفيلم الوثائقي "يوم قتل بن لادن"، فيقدم تفاصيل مثيرة تعود إلى تاريخ مقتل زعيم "القاعدة"، ويتضمن العمل لقطات أرشيفية نادرة ومعلومات أمنية شديدة السرية والأهمية، وعرض في جزءين على قناة "العربية".
أما الفيلم الوثائقي الألماني "في مطاردة أسامة بن لادن"، فعرضته إحدى القنوات الألمانية، ويروي قصة مطاردة أسامة بن لادن.
هجمات "القاعدة"
قد لا يكون الظواهري بطلاً في الأفلام السابقة الذكر، لكنه ظهر بشكل مباشر في عدد منها معاوناً لبن لادن، الزعيم الأول للتنظيم حتى مقتله، وتصدرت أحداث سبتمبر المعروفة بهجمات مبنى التجارة العالمي، التي تُعدّ أضخم العمليات الإرهابية للتنظيم في عدد كبير من الأفلام العالمية، وأبرزت السينما دور هذه الهجمات في تغيير التعامل جذرياً مع المسلمين في أميركا، وقسوة النظرة الموصومة بالإرهاب لمعظم العرب، إضافة إلى تفاصيل الهجمة وتداعياتها.
وتصدر قائمة هذه الأعمال الفيلم الهندي "اسمي خان" للنجم العالمي شاروخان، وتدور أحداثه حول "رضوان خان" وهو شخص مسلم هندي يعاني مرض التوحد، وبعد وفاة أمه ينتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية ليقيم عند أخيه، وتتصاعد الأحداث بعد انهيار برجَي مركز التجارة العالمي وتعرض المسلمين للاضطهاد، ويحاول "رضوان" مقابلة رئيس الولايات المتحدة لإخباره بأن المسلمين ليسوا إرهابيين.
كذلك تناول فيلم "الأصولية المترددة" (The Reluctant Fundamentalist) بطولة كيت هدسون وريز أحمد، الذي عرض عام 2012، لتأثير هجمات تنظيم "القاعدة" من خلال قصة رجل باكستاني يحاول النجاح في شركات "وول ستريت" بنيويورك، لكنه يجد نفسه متورطاً في الصراع بين الحلم الأميركي وأزمة الرهائن، ومطالبة عائلته المستمرة له بالعودة للوطن، ثم علاجه من قبل الأميركيين. وعرض الفيلم في مهرجانات دولية عدة منها مهرجان البندقية السينمائي 69، وتورونتو السينمائي الدولي 37، وكذلك مهرجان ميونيخ.
وفي الفيلم الوثائقي "11 سبتمبر" قدّمت جوانب كثيرة لنظرية المؤامرة الخاصة بهجمات سبتمبر، ومن خلاله عرضت صور فوتوغرافية وفيديوهات وتحليلات مغايرة للمعتقدات حول الحادثة الشهيرة.
وتم تقديم فيلم الإثارة الأميركي "13 ساعة" من إنتاج وإخراج مايكل بي، ومن كتابة شاك هوغان، وهو مبني على كتاب "13 ساعة" للكاتب ميتشل زاكوف. وتدور القصة حول الأعضاء الستة للفريق الأمني الذين يقاتلون للدفاع عن المجمع الدبلوماسي الأميركي في بنغازي، بعد الهجوم على القنصلية الأميركية في 11 سبتمبر 2012. والفيلم من بطولة جيمس بادج دايل وجون كراسينسكي.
وتناول النجم نيكولاس كيدج في فيلم "مركز التجارة العالمي" قصة اثنين من رجال الشرطة محاصرَين تحت الأنقاض، وشاركت في البطولة ماريا بيلو وكونور باولو ومايكل بينا وفيولا ديفيس، وهو من تأليف أندريا بيرلوف وإخراج أوليفر ستون.
وقدم النجم توم هانكس وساندرا بولوك التأثيرات النفسية والعقدة التي أصابت الأميركيين عقب هجمات سبتمبر من خلال فيلم Extremely Loud and Incredibly Close (صاخب لأقصى حد وقريب قرب لا يصدق).
محاذير وخطوط حمراء
على الرغم من عرض عشرات الأعمال عن تنظيم "القاعدة" وزعيميه في السينما العالمية بمعظم جنسياتها، يبقى السؤال لماذا لم تقدّم أعمال مماثلة في السينما والدراما العربيتين بالقوة والمباشرة ذاتها؟ وهل هناك محاذير تمنع الصناع من تناول هذه النوعية من المواضيع؟
الناقد الفني طارق الشناوي قال "للأسف السينما العربية والدراما كذلك لم تقدم أعمالاً كثيرة مباشرة عن تنظيم ’القاعدة‘، وإنما تطرقت إلى الإرهاب بوجه عام في أعمال متنوعة وقوية مثل فيلم ’الإرهابي‘ و’طيور الظلام‘، وربما هناك أسباب كثيرة لذلك، أهمها تطلّب أي مشروع يخص ’القاعدة‘ السفر إلى باكستان والأماكن الحقيقية، أو بناء ديكورات ضخمة تظهر كأنها واقعية لتصوير أحداث العمل، وهذا أمر صعب جداً، وربما هذا التعثر الأول والأهم الذي يقابله كل من يحلم بتقديم تلك النوعية، وكانت هناك تحركات حدثت من قبل مثل مشروع محمود عبدالعزيز وأحمد عز لتقديم شخصية الظواهري، وكان لأحمد زكي مشروع أيضاً عن أسامة بن لادن، لكنه توقف في صمت ولم يرَ النور، وتحطمت تلك الطموحات على صخرة الواقع، وذهبت أدراج الرياح".
وأضاف الشناوي "تستطيع السينما العالمية التعبير بشكل أوفى وأدق عن تنظيم ’القاعدة‘، لأنها تملك المعلومات الكافية ومن مصادر مهمة، إضافة إلى أن الموازنات المليونية المتاحة لتنفيذ تلك المشاريع تمنح القوة والجرأة للتنفيذ من دون تردد والواقع خير دليل، وبالنظر والمقارنة بيننا والسينما في الخارج نحن لم نقدم أي مشروع عن ’القاعدة‘ بشكل مباشر حتى الآن، وإنما شخصيات وخطوط ضمنية في بعض الأعمال".
وحول وجود معوقات وخطوط حمراء تجعل صناع الفن العربي لا يقتربون من حياة الشخص المصنف إرهابياً بشكل قد يظهر منه جوانب جيدة وإنسانية، يرى الشناوي أنه "ربما لا يكون ذلك مفروضاً لكنه وارد، والصحيح هو تقديم شخصية الإرهابي من جميع الجوانب، وتناول رحلته بخيرها وشرها، لكن تقديم الجانب الشرير فقط خطأ فني كبير، وقد تعرض الكاتب الكبير وحيد حامد لمعركة كبيرة وانتصر فيها أثناء تقديم مسلسل ’الجماعة‘ الذي تطرق إلى حياة حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وأصر حامد على تقديم الشخصية بكل جوانبها، خصوصاً ما يمتلكه البنا من كاريزما جاذبة مكنته من تكوين الجماعة وجعلت كثيرين يلتفون حوله".
وأشار الشناوي إلى أنه من الضروري عند تقديم شخصية بن لادن أو الظواهري أو أي متطرف أو إرهابي أن يكون هناك التزام بتقديم جميع الجوانب مهما كان مصير الشخص، فلا يوجد شخص شرير بالكامل، وتقديم الإرهابي بهذه الصورة أمر يثير السخرية.