في اليوم الذي سبق إعلان بوريس جونسون تنحيه عن منصب رئيس الوزراء، كما في يوم الإعلان ذاته، سألت شركة "يوغوف" أعضاء حزب المحافظين سواء يعتقدون أن عليه أن يستقيل أو لا: وأجاب معظمهم، تحديداً 59 في المئة منهم، أن عليه الاستقالة.
بعد مرور أربعة أسابيع على ذلك، طرحت "يوغوف" سؤالاً مشابهاً على أعضاء حزب المحافظين "إن عدنا إلى بداية يوليو (تموز)، هل تعتقدون بأن الوزراء والنواب المحافظين كانوا محقين أم مخطئين بإرغامهم بوريس جونسون فعلياً على الاستقالة؟". وهنا، قالت غالبيتهم، تحديداً 53 في المئة منهم، إنهم أخطأوا في ذلك.
يمكنكم أن تشاهدوا كيف قد يفسر المحافظون هذه الإجابات منطقياً، إذ إن لوك تريل من حملة "المشترك أكبر" (More In Common) يقول "تبدو الإجابات متناقضة ولكنها تنسجم كلياً مع مجموعة الدراسة التي اخترناها من أعضاء الحزب. فقد ارتأوا جميعاً، على مضض بأنه على بوريس أن يرحل، ولكنهم كانوا مؤمنين كذلك بأن سوناك لعب دوراً رئيساً في إطاحته، ولاموه على ذلك لاعتبارهم بأنها خيانة".
ولكن هذا يبدو متناقضاً لأنه متناقض فعلاً. لو ظنوا بأن على جونسون التنحي، من غير الممكن أن يكون سبب ذلك فقط أن سوناك وغيره صعّبوا عليه وظيفته. ولو أخطأ النواب المحافظون في محاولتهم التخلص منه، كان عليه البقاء إذاً. كان عليه أن يتحدى منتقديه الساعين للتخلص منه عن طريق تغيير القوانين والسماح بإجراء تصويت جديد على الثقة.
وهو ما كانوا ليفعلونه، وكان جونسون ليخسر التصويت. وقد أدرك هذا الموضوع، ولهذا السبب أعلن استقالته. ولكن سبب خسارته في هذه الحال يعود إلى أنه أوصل نواب المحافظين إلى استحالة دعمه، إذ تسبب لهم بالإحراج أكثر من مرة عندما تفوّه بأمور غير صحيحة وتوقع منهم أن يتستروا عليه. لم يتعرض جونسون للخيانة من وزراء ونواب حزب المحافظين، بل هو من خانهم. وهو وحده المسؤول عن سقوطه.
قد يبدو مفاجئاً أن تكفي حادثة كريس بينشر [فضيحة تعيينه كمساعد ضابط أعضاء الحزب على الرغم من علم جونسون بالاتهامات الموجهة ضده بالتحرش] لإسقاط رئيس وزراء. لا أسعى إلى التقليل من خطورة التحرش الجنسي – لكنها ليست المسألة التي قضت على مسيرة جونسون. بل ما أسقطه هو زعمه بأنه لا يذكر التحذيرات المسبقة التي تلقاها عن سلوك بينشر. هذا هو نوع النسيان الملائم الذي يستخدمه كثير من السياسيين، ولكن جونسون لجأ إليه أكثر من مرة، وبشكل غير مقنع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. انقلب الرأي العام على جونسون سابقاً على خلفية إقامته حفلات أثناء الإغلاق، وبسبب النفاق في مخالفة حكومة قوانينها الخاصة بشكل رئيس، وازداد الوضع سوءاً بسبب عدم استعداد جونسون الواضح لقول الحقيقة في هذا الشأن.
والتفسير الثاني لحلول النهاية بهذا الشكل المفاجئ، هو ضعف الولاء لجونسون في صفوف نواب المحافظين. فقد لجأ إليه حزب المحافظين عام 2019، بداعي اليأس وليس القناعة، فيما لم يقم بما يُذكر لتعزيز قاعدة مناصريه. وعندما حاول أن يثبت ولاءه لحلفائه عند مواجهتهم المشكلات، مثل دومينيك كامينز وأوين باترسون، ساءت الأمور كثيراً وكرهه الجميع في النهاية.
لذلك، في خرافة "تعرض بوريس للخيانة" بعض الحقيقة، لأن وزراء ونواب المحافظين تخلوا عنه بوقت أقرب من الممكن، وأقرب مما كان متوقعاً بعد أن أكسبهم غالبية نيابية.
ولكن الأمر المفاجئ هو سرعة تحوّل جونسون- قبل مغادرته داونينغ ستريت حتى- إلى البطل المغبون. ورداً على سؤال فيه مشكلة صياغة، وجدت "يوغوف" أن نسبة أكبر من أعضاء حزب المحافظين (40 في المئة) تعتقد أنه سيكون "أفضل رئيس وزراء" من ليز تراس (28 في المئة) أو سوناك (23 في المئة). لا تزال هذه النسبة تشكل أقلية [أقل من النصف] بين الأعضاء، وربما لو وضع في مقارنة منافسة مباشرة مع تراس، ستكسب هي الغالبية ولكن مع ذلك، هذه النسبة أقلية كبيرة ولن تختفي بسهولة.
جُرح حزب المحافظين جراء خرافة "تعرض مارغريت [تاتشر] للخيانة" التي أدت إلى سيطرة حكومة عمالية طيلة 13 عاماً. كانت القصة ذاتها تقريباً. فهي وحدها المسؤولة عن سقوطها، بسبب تعنتها في رفض التخلي عن ضريبة "الاقتراع" التي أصاب نواب المحافظين باعتقادهم أنها ستؤدي إلى هزيمتهم المؤكدة في الانتخابات المقبلة. ولذلك أطاحوا بها في تصويت ديمقراطي - كسبت فيه في الحقيقة تأييد غالبية النواب، أو 55 في المئة منهم، ولكن ذلك لم يكُن كافياً بحسب القوانين، وجاءت النتيجة بالتالي قريبة لما حصل مع جونسون، إذ نجح في تصويت الثقة ولكنه لم يحصد ما يكفي من الأصوات لحمايته من الموجة التالية.
مهما فضّل جونسون وأتباعه تراس، لن تتمكن من إرضاء توقه وتوقهم إلى المستحيل إن تولّت رئاسة الوزراء. وسوف تتهم بخيانته أو خيانة إرثه أو "بريكست" أو الثلاثة معاً قبل أن تعود حتى من القصر [في إشارة إلى الزيارة البروتوكولية التي يقوم بها رئيس الوزراء الجديد للتاج البريطاني].
وسوف تتهم بتعيين خونة في حكومتها، والوقت الذي ستقضيه في رئاسة الوزراء ستشوّشه مزاعم جونسون بشأن ما كان ليفعله وما كان ليمتنع عن فعله. أما الأقلية الكبيرة من الحزب من أتباع بوريس، فسيقولون إنها تخطئ التصرف وإنه لو لم يتخلَّ الحزب عنه لما كان يسير نحو خسارة انتخابية على يد كير ستارمر وحزب العمال.
من يدري كم من الوقت سيحتاج إليه المحافظون هذه المرة للتعافي من صناعة الوهم؟
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 4 أغسطس 2022
© The Independent