بعد توقف دام نحو ستة أشهر، اجتمعت في فيينا الأطراف المشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة، مما أعطى أملاً جديداً لإحياء الاتفاق النووي، لكن الجديد في هذه الجولة هو المطلب الإيراني الخاص بالطلب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إغلاق التحقيق في شأن بعض المعلومات التي تريدها الوكالة من إيران حول بعض المواقع النووية غير المعلن عنها.
وعملت إيران طوال محادثات فيينا على وضع مطالب وشروط متغيرة لإحياء الاتفاق، وكانت تؤكد أنها ستقوم بتقديم إجابات للوكالة الدولية حول شكوكها في شأن بعض المواقع غير المعلنة.
المراوغة الإيرانية منذ بدء محادثات فيينا تمحورت حول وضع عراقيل أمام سير المحادثات التي حالت دون التوصل إلى اتفاق، فبينما طالبت أحياناً بضمانات قانونية وسياسية من الولايات المتحدة بعدم الانسحاب من الاتفاق، عادت لتطالب في ما بعد بضمانات اقتصادية بأن تستفيد من المزايا الاقتصادية للاتفاق، ثم المطلب الخاص بشطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الأجنبية.
وهنا يطرح السؤال حول موقف الولايات المتحدة، وهل ستكون بصدد دفع الوكالة لإغلاق ملف هذه المواقع كما طلبت إيران؟ وبافتراض أنه جرى إغلاق هذا الملف، فهل يعني ذلك التوصل إلى اتفاق لاحتواء البرنامج النووي الإيراني وتحقيق الاستقرار الإقليمي؟
تعتبر الولايات المتحدة، وهي مستعدة للتوقيع على الصفقة، بأن العبء يقع على عاتق إيران للتخلي عن تلك الشروط التي لا علاقة لها باتفاق العام 2015 الأصلي، لكن لا تزال القضية الأكثر أهمية هي انتقاد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران بسبب فشلها في التعاون مع تحقيق الوكالة في أسئلة حول المواد النووية غير المعلنة والأبحاث النووية السابقة.
من جهة أخرى، رفض رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (AEOI) محمد إسلامي التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، وأعلن أن الاتفاق النووي للعام 2015 مع إيران يعفي بلاده من التحقيقات في الأعمال النووية السابقة. وقال إن هذه القضايا "مغلقة ولن يعاد فتحها"، وصدر هذا التصريح على الرغم من أن طهران كانت وعدت الوكالة بالرد في شأن هذه المواقع.
وفشلت إيران في الإجابة عن أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول وجود جزيئات يورانيوم عثرت عليها الوكالة خلال عامي 2019 و2020 في ثلاثة مواقع إيرانية، وقد أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية توبيخاً لإيران، داعياً إياها إلى التصرف وتقديم الإجابات.
وتزامن مع جولات فيينا والمراوغة الإيرانية حدوث تقدم نووي خلال رئاسة بايدن الذي وعد برفع العقوبات عن إيران مقابل العودة للاتفاق، لكن طهران استمرت في شعار اقتصاد المقاومة ووطدت العلاقات مع الصين وروسيا.
لماذا المطلب الإيراني بإغلاق تحقيق الوكالة الدولية وهل يمكن ذلك؟
من الواضح أن النظام الإيراني يريد من بايدن إنهاء تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية تماماً، كما أوقفت إدارة أوباما تحقيقاً مشابهاً لضمان تنفيذ الاتفاق النووي للعام 2015، وبموجب شروط الاتفاق النووي أصدرت القوى العالمية تعليمات للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإصدار تقرير نهائي لتقويم الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج إيران النووي.
وأوقفت إيران المحققين لكن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية صوّت خلال ديسمبر (كانون الأول) 2015 على تعليق التحقيق خشية منع تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة، فقد كانت هناك بعض القضايا العالقة التي طالبت حينها الوكالة الدولية طهران بتقديم إجابات في شأنها.
وعبر بيان مشترك صدر في يوليو (تموز) 2015 من قبل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على أكبر صالحي، جرى الإعلان عن وضع خريطة طريق لتوضيح القضايا العالقة في الماضي والحاضر لم تحل بالفعل من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران.
وفي هذا السياق اتفقت إيران والوكالة على أن تقدم طهران بحلول الـ 15 من أغسطس (آب) 2015 تفسيراتها الكتابية والوثائق ذات الصلة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن القضايا العالقة مع الوكالة، وبعد تلقي التفسيرات المكتوبة من إيران والوثائق ذات الصلة ستقوم الوكالة بمراجعة تلك المعلومات بحلول الـ 15 من سبتمبر (أيلول) 2015.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ما حدث وتعتبره إيران سابقة تريد تكرارها الآن، أن واشنطن طلبت من الوكالة إغلاق هذا التحقيق، وصدر تقرير الوكالة الذي نص على أنه في الـ 15 من ديسمبر 2015 نظر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التقويم النهائي للمدير العام في شأن القضايا المعلقة السابقة والحالية في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي، واعتمد قراراً نص على أن "الوكالة تقدر أن مجموعة من الأنشطة ذات الصلة بتطوير جهاز متفجر نووي قد أجريت في إيران قبل نهاية العام 2003 كجهد منسق، وأن بعض الأنشطة جرت بعد العام 2003، كما تقدر الوكالة أن هذه الأنشطة لم تتخط الجدوى والدراسات العلمية واكتساب بعض الكفاءات والقدرات الفنية ذات الصلة، كما أنه ليس لدى الوكالة مؤشرات موثوقة حول الأنشطة في إيران ذات الصلة بتطوير جهاز متفجر نووي بعد العام 2009، كما لم تجد الوكالة أية مؤشرات موثوقة على تحويل المواد النووية في ما يتعلق بالأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج إيران النووي"، وأغلق التحقيق.
وأشار المدير العام للوكالة إلى أن الخطوة التالية هي أن تكمل إيران الخطوات التحضيرية اللازمة لبدء تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي وافقت عليها إيران وست دول مع الاتحاد الأوروبي.
ومن المعروف أن إيران ماطلت في علاقتها مع الوكالة الدولية وضيقت على مفتشيها، ففي فبراير (شباط) 2021 أنهت طهران وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع المتعلقة بإنتاج أجهزة الطرد المركزي والتعدين وطحن اليورانيوم ومجموعة من الأنشطة الحساسة الأخرى، وتعهدت بالاحتفاظ برصد الفيديو وتسجيل البيانات للأحداث في المواقع النووية، لكن فقط لتسليم اللقطات والمعلومات بمجرد أن يتم تخفيف العقوبات عليها.
وبعد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال يونيو (حزيران) ردت إيران بإغلاق عشرات الكاميرات التابعة للوكالة وأجهزة جمع البيانات داخل المواقع النووية، وعلى الرغم من خطورة هذه التطورات يبدو أن إدارة بايدن ليس لديها خطة.
إن الانتظار يزيد الخطر الذي يمثله البرنامج النووي، ويفترض أنه يقوي اندفاع إيران في الوقت الذي تقترب فيه أحكام خطة العمل الشاملة المشتركة من الانتهاء، وأدى التقدم التقني الإيراني إلى إلغاء معظم قيمة الاتفاق الأصلي حتى ولو تمت إعادته، ومن ثم فكيف يمكن أن يتحرك بايدن في ظل أن القضايا الرئيسة في البرنامج النووي الآن هي عرقلة طهران التحقيق.