يوم الخميس الماضي، صوّت عشرون عضوا في مجلس الشيوخ لعرقلة إرسال شحنة أسلحة طارئة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. غير أنه من المتوقع أن تنقض الإدارة الأميركية القرار. علاوة على ذلك، يبدو أنه لن يكون هناك عدد كافٍ من الأصوات كي تلغي قرار النقض هذا. فالقرار الذي صادق عليه مجلس الشيوخ بنسبة 53 صوتا مقابل 45 صوتا معارضا، يوم السبت 22 يونيو (حزيران)، والهادف إلى عرقلة صفقة بيع أسلحة تصل قيمتها إلى 8 مليارات دولار، كان قائما بالدرجة الأولى على أساس حزبي، مع عدة شيوخ جمهوريين كانوا في السابق عبروا عن مخاوفهم حول علاقة الولايات المتحدة الدفاعية بالمملكة العربية السعودية، فصوتوا إلى جانب الديمقراطيين. وشارك السيناتور مايك لي عن ولاية أوتاه، مع راند بول وبيرني ساندرز والديمقراطي كريس مورفي في صياغة مشاريع قوانين تدفع باتجاه انسحاب الولايات المتحدة من الحرب في اليمن.
ومن المتوقع أن تقوم ولاية كارولاينا الجنوبية بتقديم عدد من طائرات التجسس لقطر وفق اتفاقية. وكان وفد قطري زار أوتاوى في مارس (آذار) 2019 سعيا لتحديد فرص تجارية واستثمارية فيها. إضافة إلى ذلك، فإن "مؤسسة قطر للاستثمار" أقامت علاقة مع وكالات عقارية في شتى أنحاء الولايات المتحدة، بما فيها مشروع مشترك يجمع ما بين "آسترا سينيور لِفِنغ" التي مقرها بمدينة لويزفيل، في كنتاكي (ولاية بول راند) وشركة تابعة للطرف القطري. وفي بداية هذه السنة، وعدت "مؤسسة قطر للاستثمار" بأن تتجاوز استثماراتها داخل الولايات المتحدة 45 مليار دولار. وظلت سوزان كولينز وليزا مروسكي تصوتان، مرارا، إلى جانب الديمقراطيين، على تدابير ينظر إليها بأنها نوع من التأنيب للرئيس دونالد ترمب. وكان جيري موران عبر عن مخاوفه من هذه الإجراءات الدفاعية خلال الأسابيع الأخيرة، في حين انضم المستقل تود يونغ إلى المجموعة المعارضة لصفقة الأسلحة هذه. وظل موران مواظبا منذ عام 2015 خلال حكم أوباما، على موقفه المتخوف من تكاليف الحروب ويبدو أنه من المقتنعين بأن إرسال أسلحة للسعودية والإمارات سينُظر إليها كإجراء استفزازي من قبل إيران ويسهم في تصعيد التوترات في المنطقة.
كانت هناك ثلاث محصلات واضحة حتى قبل طرح الإجراءات للتصويت عليها:
أولها، أن الشيوخ عرفوا منذ البداية أن الإدارة الأميركية ستنقض هذا الإجراء.
وثانيها، أنه سيكون واضحا من أن هذا الإجراء سيشجع إيران على التمادي. وسواء كان ذلك صدفة أو أن إيران أسقطت طائرة أميركية مسيّرة تقوم بدورية في مضيق هرمز، يومَ التصويت، على الرغم من أن الطائرة المسيرة حدد موقعها في فضاء جوي دولي لا داخل الفضاء الإيراني، فقد صعّد الهجوم التوترات بين البلدين ومن الممكن أنه هدد حياة مدنيين في البلدان المجاورة لإيران. كانت الطائرة المسيرة من نوع آر كيو- 4 أيه غلوبال هوك، وهو من نوع طائرات الاستطلاع "يو أي في" التي تبلغ كلفتها 220 مليون دولار. وهذا العمل الاستفزازي جاء في أعقاب تعليقات وزير الخارجية بومبيو الذي قال إن مقتل حتى عسكري أميركي واحد على يد إيران أو وكلائها سيفضي إلى رد عسكري. هو لم يقل في ما إذا كانت إدارة ترمب ستملك الصلاحية القانونية للقيام بهجوم عسكري على إيران، أو أي نوع من الرد العسكري يفكر البيت الأبيض بتنفيذه في مناسبة كهذه.
مع ذلك، فإن هذه التعليقات أعطت إشارة إلى إيران بأن أمامها فسحة كبيرة تستطيع استغلالها قبل أن تواجه عواقب عسكرية لأعمالها الاستفزازية، والأكثر من ذلك، هو أن إدارة ترمب إما ما زالت تتدارس خيارات ممكنة أو أنها معرضة لعدم موافقة الكونغرس على ما تقرره من إجراءات.
وعلى ضوء هذه الاعتبارات، قد يكون الهجوم على الطائرة المسيَّرة نظِر إليه باعتباره اختبارا لرد الكونغرس في التصويت على إرسال الأسلحة للسعودية. ولكن يبقى السؤال قائما: كم هو التوافق ما بين مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون بالأغلبية وإدارة ترمب الجمهورية؟ وكم هم يأخذون أفعال إيران بجدية حاليا؟ ومهما تكن الدوافع المطروحة الأخرى، فإن التصويت أوحى إلى إيران، على أقل تقدير، بأن مجلس الشيوخ لا يرى مخاطر التصعيد الإيراني في المنطقة باعتباره تهديدا له الأولوية أكثر من اعتبارات أخرى تدفع باتجاه معارضة تذرَّع البيت الأبيض باستخدام الصلاحيات الممنوحة له في الحالات الطارئة. وجاء تصريح الرئيس ترمب الأخير ليضيف عنصرا آخر لصورة السياسة الأميركية المشوِّشة حاليا، حين وعد برد على الهجوم لكنه ارتأى في الوقت نفسه أن الهجوم كان "خطأ أخرق" قام به مسؤول أو ضابط خارج عن السيطرة، بدلا من ان يكون فعلا تخريبيا متعمدا.
يمكن القول إن هذا التصريح قد يبدو لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج متناقضا مع سياسة "الضغط الأقصى" ضد إيران. ومع تصويت مجلس الشيوخ الأخير، فإن تعليقات كهذه قد تفسَّر باعتبارها طعنة في الظهر من وجهة نظر الشرق أوسطيين الذين كانوا متفائلين بسياسة ترمب القوية ضد إيران. إلا أن هذه التعليقات يجب النظر إليها ضمن سياق إجراءات أخرى تقوم بها إدارة ترمب، وعلى ضوء التوترات القائمة مع الكونغرس. فالكثير من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين الذين صوتوا ضد صلاحيات الطوارئ يتهمون الرئيس بتجاوز حدوده وبأنه يدفع البلد صوب حرب مكلفة وغير ضرورية وخطيرة مع إيران. وهذا الخطاب جاء مباشرة على لسان أنصار إيران في الولايات المتحدة.
بصيغة أخرى، فإنهم هددوا باستمرار الحكومة الأميركية بأن أي عقوبات اقتصادية، وأي تعبئة، وأي رد فعل قوي لإيران بسبب دعمها للإرهاب، وانتهاكها لحقوق الانسان، وإنتاجها صواريخ بالستية غير شرعية، سيؤول إلى الحرب. وبشكل ما، يبدو وكأن إيران جعلت حقوق السيادة الوطنية تتضمن انتهاك القوانين الدولية والقواعد المدنية، فمن خلال المطالبة بإيقاف الإجراءات العدائية والعدوانية، التي تنتهك الولايات المتحدة عبرها حقوق إيران وتستدعي ردا عسكريا شرعيا، وهو ليس على الإطلاق الوضع الحقيقي. علاوة على ذلك، فإن إيران لم يكن لديها أي نية لكي تُدمَّر من قبل دولة عظمى؛ وهذه الألعاب العقلية تهدف إلى ردع الديمقراطيين، والانعزاليين، وأي معارضين للسياسة الخارجية المتشددة الهادفة إلى فرض ضغط على إيران، وبالتالي السماح لها بالإفلات من كل شيء قامت به خلال سنوات حكم أوباما. و اللعبة نفسها يستمر لعبها اليوم مع بعض أعضاء الكونغرس وبالتأكيد مع الأشخاص المسؤولين. ولهذا السبب فإن الإدارة الأميركية عرفت أن عليها أن تكون دقيقة جدا في صياغة ردها المعلن عنه لهذا الفعل العدواني الاستفزازي بشكل متعمد.
الإدارة تتخطى الكونغرس
الإدارة الأميركية بحاجة إلى حسن نية الكونغرس بالنسبة إلى قضايا متعددة؛ فهي على الأرجح ستتخطى قرار مجلس الشيوخ بمنع تصدير الأسلحة للسعودية. وليس هناك حاجة إلى خلق توترات إضافية، مهما يكن قرار البيت الأبيض مشروعا. لذلك، فإن البيت الأبيض أصدر بيانا أشار فيه للديمقراطيين بأنه سيمنح إيران فرصة للإفلات بهدوء وتجنب القيام بتصعيد إضافي، على كلفة ضئيلة الأهمية، يمكن تأويلها بأنها تصعيد إضافي على الجانب الأميركي. كذلك هي نوع من تقديم إشارة للشعب الإيراني بأن الولايات المتحدة تريد تجنب الحرب ونشاط المتشددين، وأنها ليست ضد الإيرانيين، وتقوم بكل شيء ممكن لكي لا تتسبب في إيذائهم، وهي تعرف ان الإيرانيين لا يرحبون بالتدخل الأجنبي.
أخيرا، ترسل الإدارة الأميركية إشارة إلى الحكومة الإيرانية نفسها، في كونها تسلك مسارا خطيرا، وأن الصبر الاستراتيجي للولايات المتحدة أصبح ضئيلا- وإيران ليست في وضع يمكّنها من النجاة من عقوبات مشددة بشكل كبير، وهي تبقى أقل بكثير مما لو استخدمت القوة العسكرية الأميركية بشكل كامل ضد إيران.
لذلك فإنه من الأفضل للإيرانيين أن يعتبروا هذه الحادثة خطأ في التقدير، فيحفظوا ماء وجههم، أفضل من الإضرار بهم إن هم واصلوا مسار الأفعال هذا. ويجب ملاحظة أن الإدارة الأميركية لم تأمر بسحب القوات التي نشرتها في المنطقة، بما فيها نظام باتريوت لتوفير الحماية من أي هجمات صاروخية أخرى، أو أي سفن حربية أو طائرات. وهذا ما يدلل على أن النوايا المتعلقة بإيران جادة وأن إدارة ترمب متأهبة كليا ضد أي أفعال مماثلة من طرف إيران، لكنها تفضل أن تكون شديدة الحذر في التنفيذ وغير راغبة في المغالاة برد الفعل أو أن تنخرط في عنف متعجل.
وهذا بالضبط نوع الرد المحسوب لطمأنة دول الخليج الحليفة التي ضُلّلت بالتغطية الإعلامية الهستيرية والهادفة إلى الإثارة، بأن هناك حربا موشكة على الوقوع قريبا منها، فالعكس هو الصحيح؛ فالبيت الأبيض يتعامل مع الوضع كطرف راشد، ولن يتسبب في وقوع خراب في المنطقة بسبب أفعال معزولة ومزعجة من العدوان على جزء من المنطقة. كان الهجوم على الطائرة المسيَّرة مكلفا حقا، إلا أن الرسالة هنا هي أن الولايات المتحدة لا تنوي وضع الاعتداء جانبا بشكل كامل؛ فواشنطن تملك من القوة الكافية التي تجعلها تستخدم تشكيلة من الأدوات في ترسانتها للرد على أفعال إيران العدوانية، ولا تحتاج إلى أن تنخرط بحرب شاملة للرد على استفزازات متعمدة.
تصريحات عدائية صادرة عن مجلس النواب
وإذا كان موقف الرئيس ترمب في هذه اللحظة واضحا، فإنه ما زال عاجزا عن تبرير السياسة التي يتبعها مجلس الشيوخ. إذ أنه إضافة إلى النتيجتين المذكورتين آنفاً عن عرقلة بيع أسلحة مرسلة إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن مجلس الشيوخ ما زال مستمرا في تصريحاته العدائية ضد دول الخليج الحليفة، وهذا ما سيؤول إلى تدهور في العلاقات معها، وتنامي عدم الثقة، وعلى الأرجح سيؤدي إلى تحرك السعوديين والإماراتيين بعيدا عن الولايات المتحدة صوب روسيا والصين. وعند الأخذ بنظر الاعتبار الوقت الذي كرسه الديمقراطيون وبعض الجمهوريين في التدقيق الأخير للتدخل الروسي، وإجراء التحقيق مع رئيس الولايات المتحدة، والأخذ بنظر الاعتبار مقدار الاهتمام السلبي الذي لاقته روسيا، فإن هذا الموقف يبدو غير مرغوب كثيرا بل هو في الحقيقة غامض. فإمكانية تحقق تقارب أكبر بين السعودية وغيرها من الصين هو بالمثل يسير باتجاه معاكس للمزاج الحالي في الولايات المتحدة؛ فبينما لا يتفق الكثيرون مع الطريقة التي يعالج فيها الرئيس ترمب الحرب التجارية مع الصين، بل حتى إيجاد عيب ما في بعض سياساته تجاه شركة هواوي، فإن معظم الناس يقرون بأن نمط السلوك الذي تتبعه الصين ظل مقلقا بطرائق مختلفة وأن هناك حاجة لتصحيح مسار العلاقة بها. لذلك فإن دفع حلفاء جيدين للولايات المتحدة باتجاه خصومنا غير منطقي ظاهريا. مع ذلك، فإن هناك طريقة للجنون – على الرغم من أنها ليست بالضرورة مستساغة.
فأولا، هذه الملابسات تبرز خلال السباق الجاري حاليا تحضيرا للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2020. وعلى الرغم من أن هناك 24 مرشحا للرئاسة في صفوف الديمقراطيين ومرشحا واحدا في صفوف الجمهوريين هو الرئيس فقط، فإنه ليس من المبكر أبدا للمؤسسة الحزبية أن تطلق النيران باتجاه خصمها الأساسي. وليس هناك طريقة أفضل من توحيد حزب منقسم على نفسه بشكل متزايد عبر التركيز على مواجهة الرئيس وإظهار أن سياسته الخارجية فاشلة تماما. فهناك الكثير من الديمقراطيين الذين يسكبون دموع التماسيح حول حقوق الانسان المزعومة والانتهاكات التي تجري في دول الخليج، وهي تتوافق مع الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما(مع إيران) ولا ترفع أي صوت احتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان في ذلك البلد. فانتهاكات حقوق الانسان ضد الإيرانيين وغيرهم من الشرق أوسطيين لم تدخل في خطابات الديمقراطيين أو حساباتهم.
إدارة أوباما
كذلك، أظهرت إدارة أوباما دعما وتعاونا مع ديكتاتوريين وأنظمة استبدادية مختلفة في العالم، كانت بعيدة عن طريق الإصلاح، بل هي صلَّبت من مواقفها نتيجة لليونة التي لاقتها من الولايات المتحدة. فكوبا وفنزويلا والهندوراس، ودعم وزارة الخارجية الأميركية للمحاولة الانقلابية الدموية في البحرين، ودعم نظام الأخوان المسلمين بزعامة محمد مرسي، ليست سوى أمثلة قليلة على تلك السياسة. كذلك، فإنهم هم الأشخاص أنفسهم الذين أغمضوا عيونهم عما كان يجري للإيزيديين تحت سيطرة داعش، وهم لم يقوموا بأي إجراء لإنقاذ السوريين من غضب الأسد في بداية الحرب الأهلية هناك، وهم سلموا بكل سرور الشرق الأوسط لروسيا، التي يعرف عنها بأنها لم تجعل أي بلد ارتبطت به في وضع أفضل سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية.
سياسة الديمقراطيين إزاء السعودية
لذلك، فإنه ليس كل الديمقراطيين يحملون نوعا خاصا من الكراهية للسعودية فقط، على الرغم من استغلالهم للصور النمطية والتصوير السلبي للإعلام الذي هو في متناول اليدين، بل هم بالأحرى يتبعون خطا سياسيا متخابثا من الممارسة، التي هي راديكالية وثورية في هذا المجال، وذلك من خلال التضحية بأي شخص يقف في طريقهم من أجل هدف نهائي هو الوصول إلى السلطة. وأناس مثل هؤلاء قد لا يحملون أي قدر من الحب للعرب، لكنهم لا يبالون أيضا بالفرس والكوبيين وأي طرف آخر من المجموعات السكانية التي تنتمي إلى بلدان أو مجتمعات مختلفة، فالملاحظ أن لديهم تواصلا عاما شديد الضآلة معها على أساس يومي. بدلا من ذلك، فإن سياستهم هي من أجل تسجيل نقاط سياسية – عن طريق استغلال الأدوات الآيديولوجية والخطابية التي هم روجوا لها بأنفسهم بشكل علني للجمهور. الكثير من السكان في الولايات المتحدة لا يصرفون وقتا طويلا شاغلين أنفسهم بالسياسات المحلية السعودية أو القضايا الإجرامية. فهذه القصص مزروعة كي تعكر الجو وتخلق فرصا سياسية للانتهازيين السياسيين.
وثانيا، قد يتساءل المرء لمَ يقوم زعماء هذه الولايات بالتخلي عن تشغيل مئات الآلاف من الأميركيين في قطاع صناعة الأسلحة (دون ذكر التبرعات السخية لحملاتهم من هذا القطاع الصناعي) من أجل تحقيق فوز سياسي قصير الأمد. وفي الواقع، وعند التمعن بشكل أقرب في هذا الأمر، قد يكتشف المرء بسرعة أن المصوتين على هذا الإجراء مستعدون أن يلعبوا كلا الخيارين. فهم يصوتون استنادا إلى ما يدل عليه الإجراء لكنهم في الأخير لن يجمعوا أصواتا كافية لمنع بيع صفقة الأسلحة. لذلك فإن القطاع الدفاعي ( قطاع صناعة الأسلحة) لن يخسر شيئا، والصفقات ستتم الموافقة عليها- بينما هم سيحتفظون بمصداقيتهم في محاربة ترمب والسعوديين. بالتأكيد، في حالة وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض فإنهم سيمنعون شحنات الأسلحة للسعوديين؛ وهذا إذا حدث، فتأكدوا من أنهم سيقومون بذلك لأنهم غيروا معسكرهم السياسي واصطفوا مع إيران، وهذا تم ليس لأي اعتبارات إنسانية. نحن شاهدنا كيف أنه تحت حكم الرئيس السابق أوباما، لم يعانِ قطاع صناعة الأسلحة. إلا أن هذه العرقلة (لشحنة الأسلحة المبيعة إلى السعودية) إذا نجحت خلال حكم ترمب، فإن خصومه سيلومونه، ويدعون أرضية أخلاقية عالية.
ثالثا: بما يخص التناقض الواضح في تقوية روسيا والصين، هناك أمران يجريان. الأول هو أنه على الرغم من الخطاب الصارم والضغط على روسيا، فإن الكثير من الهستيريا الدائرة في هذا المجال هي لتقويض الجمهوريين، وخصوصا الرئيس ترمب، أكثر من المطالبة بمحاسبة روسيا لأي شكاوى مرفوعة ضدها. فالرئيس أوباما، كما يتذكر الكثيرون، وعد مدفيديف بمرونة أكبر في تسجيلٍ جرى بالخطأ. وهو لم يقم بأي إجراء ضد قراصنة الانترنت الروس، وهو في حقيقة الأمر أضعف الأمن السايبيرياني (الانترنتي) للولايات المتحدة قبل قدوم ترمب بفترة طويلة إلى السباق الانتخابي الرئاسي لعام 2016. علاوة على ذلك، فإن السيناتور جون كيري، وزير الخارجية المستقبلي، الذي يقوم حاليا برحلات ذهابا وإيابا إلى إيران، للضغط باعتباره مندوبا عن إدارة أميركية أسطورية في المستقبل، هو في الحقيقة من أبقى مشروع قانون عقوبات ماغنيتسكي لمسؤولين روس فاسدين ومتعسفين في مجلس الشيوخ، كما شرح بالتفصيل في كتاب بيل براودر "بطاقة حمراء". كذلك، فإنه قبل ظهور الادعاءات حول انتهاكات الصين ضد الأقلية الإيغورية، أو بما يخص القمع الممارس حاليا ضد المسيحيين، فإن الدولة معروفة بمعسكراتها الواسعة المخصصة لإعادة تربية غير المرغوب فيهم سياسيا، من مختلف الخلفيات.
لا مبالاة إزاء الصين
وفي هذا الصدد، لم تتخذ إدارة أوباما والكثير من خصوم ترمب أي إجراء لمحاسبة الصين على هذه التطورات المتواصلة. وفي هذا الصدد، فإن بعض المسؤولين الحكوميين الأميركيين، آنذاك، لم يكونوا في الحقيقة مهتمين كثيرا حتى لو أن السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرهما انجذبت إلى تلك الدول، خصوصا إذا كان بإمكان الولايات المتحدة (في تخيلهم) قادرة على الاستفادة من القيام بالتجارة مع الآخرين. في الوقت نفسه فإنه إذا كان هناك تطور سيحدث، فإنه سيكون في نهاية المطاف علاقة الولايات المتحدة بدول الخليج الحليفة بطرق أخرى أكثر من فقدان المصالح التجارية معها. وعلى عكس المحاكين للمدافعين عن حقوق الانسان بخطاباتهم الكثيرة في الكونغرس، وفي الإعلام، فإن الإدارة الأميركية ظلت مواظبة على محاسبة الدول التي تقتني أنظمة أسلحة متطورة لخطوات كهذه، والتي تعتبر خطرا جديا على أمن الولايات المتحدة الوطني وهي مقيدة باعتبارات دفاعية محددة، بدلا من ادعاءات مجردة وملتبسة عن حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، تتدارس الولايات المتحدة حاليا فرض حزمة عقوبات على حليفها في الناتو، تركيا، بسبب شرائها نظام أس- 400، كذلك، أخبرت الهند التي تعد حليفا مهما وتواجه النفوذ الصيني في آسيا، بأن شراءها لنظام أس-400 سيلحق ضررا بعلاقتها في المجال الدفاعي مع الولايات المتحدة. وكما تمكنت الولايات المتحدة من إخراج المغرب من صفقة شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي، وبدلا عنه توصلت إلى اتفاق معه لبيع نظام باتريوت له. لماذا يريد أي مسؤول حكومي أميركي أن يرى حلفاءه يعاقَبون حول أمر يمكن تجنبه؟ وعلاوة على ذلك، لماذا يريد أي مسؤول حكومي أميركي أن يفقد حلفاءه في كل الأحوال؟
أولا، كل هؤلاء المسؤولين الذين يعبّرون عن هذه المخاوف لن يرشحوا أنفسهم للرئاسة، ولن يكون عليهم أن يعانوا من كل النتائج المترتبة على قرارات كهذه، التي هي في نهاية المطاف تقع ضمن مسؤوليات الرئيس. العدد القليل ممن هم في المعسكر الداعم للاتفاق النووي مع إيران، يشعرون أن العودة إلى الاتفاق ستكون تعويضا كافيا لفقدان السعودية والإمارات العربية المتحدة، أو هم يشعرون بأن كلا البلدين سيبقيان، مع ذلك، على قدر كاف من التعاملات التجارية مع الولايات المتحدة. ولهذا السبب فإن المرشحين الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية 2020 لا يبالون في ما إذا اشترت السعودية أو الإمارات أو أي بلد آخر الأسلحة من روسيا والصين، لأنهم، كما ذكر آنفا، لا يعارضون، في المقام الأول، روسيا والصين بشكل خاص. ثانيا، معظم هؤلاء المسؤولين لا يرون أي مستقبل للعلاقة مع السعودية والإمارات أبعد من حقلي الدفاع والنفط، فهم يعانون من خليط من التحجر والعجز على التخيل، ولهذا السبب فهم لا يعتبرونهما حليفين "حقيقيين" كما يرون غياب أي عمق في العلاقة بين الطرفين. ثالثا: البعض قد يُشتَرون من قبل جماعات الضغط (اللوبيات) المعارضة للسعوديين والإماراتيين، فعلى سبيل المثال، بتأثير من وعود قطرية بالاستثمار. رابعا: ليس هناك ما تتمناه روسيا والصين أكثر من تدهور علاقة الولايات المتحدة مع دول الخليج الحليفة.
فكلا البلدين يطمحان بزيادة نفوذهما في المنطقة، والبحث عن طرق لإجراء نشاطات تجارية فيها ولكسب موطئ قدم سياسي وعسكري. وتأمل روسيا وإيران أن تكون لهما قواعد في سوريا واليمن، وبالطبع كسب احتكار مثمر في المجال التجاري مع دول الخليج أمر مهم.
أحلام روسيا
غير أن روسيا ظلت تسعى للسيطرة على الخليج لفترة تمتد لأكثر من قرن، فهي أولا أرادت أن تسيطر على الأهواز، التي هي الآن تحت سيطرة إيران، كموطئ قدم للسيطرة على بقية دول الخليج. وعلى الرغم من أن روسيا والصين لن تقدما دروسا لشركائهما الجدد حول حقوق الإنسان، وذلك للطبيعة الاوتوقراطية التي تتمتع بها حكومتاهما، فإنهما مستعدتان لعقد صفقات مع حكومتي السعودية والإمارات وشركاتهما من دون قلق على وقوع ردود فعل غاضبة في برلمانيهما، فالحقيقة أن هؤلاء "الأصدقاء" هم أكثر عتمة وأكثر تعقيدا.
فروسيا والصين تعرفان النتائج المترتبة على عزل دول الخليج عن الولايات المتحدة؛ فهذه الدول ستقع في فخ هذه العلاقات من أجل كسب مالي قصير الأمد بينما يمكن زيادته كثيرا في مكان آخر بالغرب. لروسيا والصين خطط جيو-سياسية طويلة الأمد، تتضمن تعاونا كبيرا مع إيران، التي ستبقى شريكا مهما خصوصا للصين لأسباب جيو- جغرافية، فهي مركز المنطقة التي تعتبرها الصين مهمة لمشروعها "حزام واحد- طريق واحد". وقد تكون خطط روسيا المتعلقة بإيران محدودة بعقبات المصالح المتنافسة، لكنها هي أيضا، تسعى إلى الهيمنة السياسية في المنطقة أكثر من أي شراكة متكافئة في الصداقة.
وقد يمكن تخمين هذا الأمر من خلال "المساعدة" التي تقدمها روسيا إلى البلدان المجاورة لها من خلال التدخل العدواني في شؤونها، وكذلك في أمريكا اللاتينية ودول أفريقية عديدة. والجواب على هذه الإشكالية ليس سهلا أو قابلا للحل بين عشية وضحاها؛ لكنه ولغرض تجنب إلحاق ضرر طويل الأمد يستحق أخذه بنظر الاعتبار. فعلى السعودية والإمارات أن تفكرا في تركيز انتباههما على عدم القيام بصفقات مع لاعبين كبار، وضالعين في السياسة، ومهتمين بمصالحهم الذاتية، بدلا من التركيز على إعادة بناء علاقات حقيقية مع مكاتب الكونغرس ومع قواعد الناخبين، التي ستفيد جميع المنخرطين، وإبلاغ قاعدة أوسع من الناس حول فرص الأعمال، والصداقات والبحث الذي يمكن أن يعمّر أطول من أي تقلبات وتلاعبات سياسية. إنه ليس أمرا يتجاوز الخيال أن تكون جماعات الضغط المناصرة للصين، والمؤثرون الداعمون لروسيا قادرين على إسماع صوتهم من خلال الاستثمارات ودعم الحملات الانتخابية أو من خلال تأثير سياسي من نوع ما.
رسالة حول قناة الجزيرة
وعلى العكس من المظاهر، وهذا بفضل التغطية الانتقائية من قبل الإعلام، ليس كل مسؤولي الحكومة الأميركية جهلة وفاسدين ومرتشين ويخدمون مصالح متعارضة أو محتارين. فعلى سبيل المثال، خلال هذا الأسبوع فقط كان عدد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين كتبوا رسالة جوهرية إلى وزارة العدل، يقرون فيها بالتهديد الناجم عن تطفل قناة الجزيرة ونشاطاتها السياسية غير الشرعية داخل الولايات المتحدة، والاستفسار عن فشل وزارة العدل في التحقيق مع المؤسسة الإعلامية التي تعود ملكيتها لقطر وتسجيلها طبقا لـ "قانون تسجيل الوكالات الأجنبية" (أف أيه آر أيه). وقد وقع هذه العريضة كلا السيناتورين عن تكساس على الرغم من أن قطر توجهت إلى تكساس لاستكشاف فرص الاستثمارات هناك. وهذا الاستجواب جاء في أعقاب نشر دراسة عن تجسس "الجزيرة" ونشاطات سياسية أخرى في الولايات المتحدة وعن ضغط سياسي استمر أكثر من سنة من قبل نفس الأطراف على الإدارة الأميركية بما يخص القناة القطرية.
تدخلات قطرية
كذلك لاحظت أطراف فاعلة أخرى تهديدات التدخل الأجنبي في شؤون الولايات المتحدة، فعملت معا لتنظيم مؤتمر كبير عن قطر، ترأسه مركز "منتدى الشرق الأوسط" والذي شارك فيه الصحفي سيث فرانزمان الذي كتب بشكل تفصيلي عن الموضوع، إضافة إلى مشاركة ألبرتو فرنانديز عن قناة الحرة ومحامي حقوق الانسان بروك غولدشتاين، ومجموعة ديفيد ريبوا المتخصصة في الدراسات الأمنية، والتي تكشف مرارا كل أنواع النشاطات غير السوية المنطلقة من تلك المنطقة. وكان تودي يونغ الذي صوّت لمنع إرسال شحنة الأسلحة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، واحدا من الذين وقعوا على الرسالة التي بعثت لوزارة العدل بخصوص تدخلات قطر في الشؤون الأميركية. وهذا ما يجب إعلام القراء في دول الخليج به على أنه عكس المظاهر، ليس أعضاء الكونغرس كتلة متراصة، وبالتأكيد ليست متفقة حول كل قضية. بصيغة أخرى، ليس كل عضو في الكونغرس يفكر بنفس الطريقة حول كل مشروع قانون يتعلق بالسياسة الخارجية أو حول عنصر ما في الأجندة. فعلى الرغم من أن الاستقطاب المتعمد للسياسات في الإعلام، المصمم لزيادة الغضب حول القضايا المحلية والخارجية، فإنه ليس كل شيء ميؤوسا منه. فالإقناع ما زال فعالا. والمنطق ما زال فعالا. والعلاقات والنقاشات الصادقة ما زالت فعالة وتعكس مراعاة أكثر للآخرين، وعمقا أكثر ومواقف متنوعة تجاه قضايا وإجراءات سياسية معقدة. فليس كل من لا يتفق في البداية هو عدو؛ وليس كل شيء يصدر في الإعلام هو انعكاس دقيق لحقيقة ما جرى حقا في الولايات المتحدة أو كيف أن الأفراد يفكرون. فتدمير العلاقات والابتعاد عن الأصدقاء نتيجة لليأس أو القنوط قد يكون خيارا سهلا؛ غير أن الاحتفاظ بهذه العلاقات وتطويرها سيكون أكثر مكافأة وأكثر إثراء. فالتعامل مع الجمهوريات الديمقراطية لن يكون سهلا، لكن من الممكن أن يكون عميقا، وجذابا، وتجربة مجزية، حتى لو بدا الوضع على المستوى السياسي فوضويا ومحيرا. لكن بالنظر إلى ما وراء السطح ووراء ما هو ظاهر، قد يكون بإمكان المرء أن يكتشف فرصا مدهشة لأرضية مشتركة خلاقة.