على أبواب عام جامعي جديد، يعيش طلاب لبنان حالة من الغموض والقلق على مصير مجهول، بالنسبة للجامعات التي حتى الساعة من غير المعلوم ما إذا كانت قادرة على استقبالهم.
كان من المفروض أن ينصب اهتمام التلاميذ على الاختصاص ومهنة المستقبل، لا أن يكون هاجسهم متصلاً بسؤال "الإمكانات"، انطلاقاً من "ماذا يفعل الطلاب محدودو الدخل في حال عجزت الجامعة اللبنانية عن فتح أبوابها؟"، هذا الاحتمال سيقود إلى وضع الأهالي والطلاب بين خيارين أحلاهما مر، إما بقاء الشبان في المنازل بسبب عدم استئناف التعليم الرسمي دوامه أو التوجه إلى الجامعات الخاصة التي فرضت أقساطها بالدولار الأميركي. وبين هذا وذاك يعاني الطلاب عند اختيار اختصاص المستقبل، حيث يتأثر كثير منهم بمسايرة رفاقهم والمكانة الاجتماعية لأهاليهم، فيما تحتاج الأنظمة التعليمية والمناهج إلى إعادة الهيكلة لتتناسب مع نظام العولمة والثورة التكنولوجية الرقمية.
الجامعة اللبنانية قد لا تفتح أبوابها
تعيش الجامعة اللبنانية حالة عجز غير مسبوقة بسبب الموازنة "الصفرية"، فهي لم تعد تمتلك أي مقومات للبقاء والاستمرار، فلا وجود للمحروقات من أجل الإضاءة ولا تأمين الطاقة، أو تشغيل المرافق الأساسية، ولا قرطاسية أو تجهيزات، ناهيك بأجور الأساتذة والموظفين التي فقدت قيمتها أمام ارتفاع سعر صرف الدولار.
وفي هذا الشأن، يحذر عامر حلواني رئيس رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، من أن "الجامعة قد لا تتمكن من بدء العام الدراسي الجديد بسبب شح الموازنة والمداخيل"، ويلفت إلى أن الجامعات الخاصة في المقابل حاولت حل مشكلاتها من خلال تعديل الأقساط لرفع الدخل، وهذا الأمر غير متيسر في الجامعة اللبنانية لأنها "غير قادرة على شراء المازوت أو تأمين الكهرباء، فهي غير قادرة على تأمين الأوراق والحبر للامتحانات، كما أن الوضع المزري للأساتذة دفع كثيراً منهم إلى المغادرة".
يؤكد حلواني أن "الجامعة اللبنانية في خطر جدي وحقيقي"، وهل يمكنها القدرة على إطلاق عام دراسي جديد مكتمل الشروط أم لا؟ مضيفاً "طلب رئيس الجامعة 30 مليون دولار من أجل تأمين انطلاقة العام الدراسي، إلا أنه لم يتجاوب معه أحد سواء من الجهات المحلية أو الدولية"، كما أن "هناك محاولات للحصول على مساعدات من جهات مانحة، ولكن حتى الآن لا شيء".
كما يلفت إلى أن "الجامعة اللبنانية لم تعد إلى التعليم الحضوري المنظم منذ ثلاث سنوات تقريباً بسبب عدم توفر الكهرباء في الكليات، أما الجامعات الخاصة فقد فرضت فريش دولار على طلابها، ومع ذلك فإنهم يرجئون الكثير ويعطون دروس أونلاين من أجل توفير المصاريف التشغيلية".
الخوف على العام الدراسي يحجب الطلاب
هناك شعور سائد بعدم قدرة التعليم العام على العودة الحضورية المنتظمة، وأسهم ذلك في دفع شرائح واسعة من الطلاب للبحث عن بديل في الجامعات الخاصة أو الهجرة أو حتى تعليق المسار المهني والأكاديمي بسبب عدم توفر "الفريش الدولار" لديهم، ريثما تستعيد الجامعة اللبنانية قدرتها على استكمال رسالتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، تحاول بعض كليات الجامعة اللبنانية الخروج جزئياً من عباءة الإضراب من أجل تأمين مصالح الطلاب. ويكشف حلواني أن "بعض الكليات تفتح أبوابها من أجل إجراء امتحانات للطلاب الذين يودون التخرج، أو من أجل هؤلاء الحاصلين على منح لإكمال دراستهم العليا في الخارج، والبالغ عددهم 150 طالباً وطالبة من المتفوقين في مجالات العلوم".
إقفال الجامعة خسارة للجميع
لا يمكن للتعليم والمنظومة التربوية والمعرفية في لبنان احتمال فرضية إغلاق الجامعة اللبنانية أبوابها، لأسباب مختلفة البعض منها يتصل بالمستوى الأكاديمي والنزاهة العلمية، والبعض الآخر يتصل بالفروع التي تغذي ميدان العلوم الإنسانية، وكذلك تأمين تعليم بتكلفة مادية منخفضة وبالعملة الوطنية.
يلفت عامر حلواني إلى أن نصف طلاب لبنان على الأقل، هم من طلاب الجامعة اللبنانية التي تحتضن نحو 85 ألف طالب جامعي، بالتالي فإن مصيرهم المجهول في حال لم تستفد الجامعة عافيتها، لأن قسماً كبيراً منهم غير قادر على الالتحاق بجامعات خاصة، كما أن "الجامعة اللبنانية هي مرجع لتحديد المستوى العلمي والتعليمي، وتقاس الجامعة الخاصة من خلال المقارنة بها"، مضيفاً أن "النوعية ستتراجع لأن الجامعة اللبنانية تؤمن الحق بالتعليم دونما بحث عن العائد المادي الذي يؤمنه الطالب للجامعة، ولا ينجح إلا من يستحق وليس للمقتدر مادياً".
من هذا المنطلق، يعتقد حلواني بضرورة ارتفاع الصرخة الطلابية من أجل استعادة الجامعة الوطنية عافيتها.
كما يؤدي غياب الجامعة اللبنانية عن المشهد إلى اندثار بعض الاختصاصات، فبحسب حلواني "جميع الاختصاصات غير المربحة مادياً، لا توجد إلا في الجامعة اللبنانية، كتلك المتصلة بالآداب والعلوم الاجتماعية، وعلم النفس"، وتُغلق في الجامعات الخاصة عند عدم توافر الطلاب أو تأمين الربح المادي.
التوجيه المهني الجامعي... خطوة أولى
أما في ما يخص التوجهات الأكاديمية، فيلاحظ الباحث التربوي محمد حندوش أن "كثيراً ما يكون الخيار الجامعي دون تطلعات الطلاب والأهل"، لافتاً إلى أن "الارتجال في اختيار التخصص، أو التأخر في اتخاذ القرار، لا يصب في مصلحة الطالب، وينعكس سلباً على المستقبل العلمي والمهني".
لذلك، يركز حندوش على أهمية مواكبة الطلاب أثناء اختيار تخصصاتهم الجامعية، وعقد لقاءات توجيهية ومحاضرات توعوية، تساعد في اتخاذ القرار المناسب، مشيراً إلى أن التوجيه المهني يجب أن يبدأ مع دراساتهم الثانوية، وألا يكون بعد نتائج الشهادات الرسمية، حيث يكون هم الطالب اجتياز الشهادة الثانوية بنجاح.
ويؤكد الباحث التربوي أن توجيه الطلاب لاختيار تخصصهم الجامعي، ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار عوامل عدة يبني الأهل والطلاب قرارهم عليها، وهي "القدرات العلمية، والتخصصات التي تناسبها، والإمكانات المادية وما تتطلبه بعض التخصصات"، كما يركز على البعد النفسي، حيث يتحدث عن أهمية الرغبة، وإيمان الطالب بالتخصص، والانسجام معه، ناهيك بالتطلعات والرؤى المستقبلية للطالب.
كما يشير حندوش إلى أن "هذه اللقاءات المتنقلة والمحاضرات هي على امتداد العام الدراسي، وهي تأخذ أشكالاً مختلفة من خلال زيارات ميدانية تعريفية بالاختصاصات في الثانويات الرسمية والخاصة". وتنطلق هذه الجلسات من أن "يكون هناك التقاء الخيار الجامعي مع الواقع العلمي للطالب"، كما تأخذ شكلاً آخر من خلال إقامة يوم توجيهي للطلاب في مكان عام، تشارك فيه الجامعات لعرض تخصصاتها، كما يأخذ شكلاً جديداً من خلال دعوة الطلاب إلى يوم جامعي مفتوح في الجامعة، من أجل التعريف بالأقسام والكليات والتخصصات، والبيئة الجامعية.
الشهادة الرسمية مدخل التخصص الجامعي
ويقوم النظام التعليمي الثانوي في لبنان، على التقسيم الثنائي بين الاختصاصات الأدبية والعلمية، وهي بشكل من الأشكال تلعب دوراً في التوجيه المهني للطلاب لاختيار فروع تتفق مع فروع البكالوريا اللبنانية. وتتجه الأغلبية العظمى من طلاب لبنان إلى فرع الاقتصاد والاجتماع، فيما شهد اختصاص الآداب والإنسانيات تراجعاً كبيراً، أما الفروع العلمية فقد حافظت على موقعها كوجهة لأصحاب القدرات العلمية الجيدة نسبياً، إلا أن فيض الجامعات الخاصة في لبنان، لعب دوراً لاستمالة أصحاب القدرات المالية المرتفعة للتحايل على التوزيع التقليدي للاختصاصات، حيث تفتح بعض الجامعات باب كليات العلوم والهندسة أمام طلاب الفروع الأدبية، ما يؤدي إلى تراجع كفاءة بعض الاختصاصات.