على الرغم من الإجراءات العديدة التي أعلنتها الحكومة المصرية لمواجهة أكبر موجة تضخمية تشهدها البلاد منذ تداعيات التعويم الأول للجنيه المصري مقابل الدولار في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2021، إلا أن التضخم استأنف اتجاهه الصعودي في يوليو (تموز) ليسجل أعلى مستوى له في ثلاث سنوات على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء والوقود. ووفق البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فقد ارتفع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 13.6 في المئة خلال الشهر، من 13.2 في المئة خلال شهر يونيو (حزيران) عندما تراجعت الأسعار بشكل غير متوقع بعد أشهر من ارتفاع التضخم الناجم عن الحرب في أوكرانيا وانخفاض قيمة الجنيه. وارتفع معدل التضخم الشهري بنسبة 1.3 في المئة، بعد انخفاضه بنسبة 0.1 في المئة في يونيو. كما أعلن البنك المركزي المصري أن المعدل السنوي للتضخم الأساسي قد بلغ في يوليو الماضي مستوى 15.6 في المئة، مقابل نحو 14.6 في المئة في يونيو السابق عليه. وذكر أن الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين المعد من قبل البنك المركزي سجل معدلاً شهرياً بلغ 1.5 في المئة في يوليو الماضي مقابل 0.6 في المئة في الشهر ذاته من العام السابق 2021، ومقارنة مع 1.2 في المئة خلال شهر يونيو الماضي.
ارتفاعات كبيرة ومستمرة في أسعار الغذاء
كشفت البيانات عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات التي تشكل الوزن الأكبر في سلة السلع المستخدمة لقياس تضخم الأسعار مرة أخرى في يوليو بعد أن تراجعت في الشهر السابق. وارتفعت الأسعار بنسبة 22.4 في المئة على أساس سنوي و0.5 في المئة عن يونيو بعد انخفاضها بنسبة 2 في المئة تقريباً على أساس شهري في يونيو. كما أدى قرار رفع أسعار الوقود خلال الشهر الماضي إلى ارتفاع جديد في معدل التضخم، مما دفع تكاليف النقل إلى الارتفاع بنسبة 17 في المئة على أساس سنوي وأكثر من 10 في المئة على أساس شهري. كما ارتفعت تكاليف السكن والمرافق بنسبة 5.2 في المئة على أساس سنوي و0.1 في المئة على أساس شهري.
ووفق البيانات، فقد ارتفع معدل التضخم الأساسي إلى أعلى مستوى له في أربعة أعوام ونصف العام. فقد ارتفع معدل التضخم الأساسي السنوي (الذي يستبعد في حسابه أسعار المواد المتقلبة مثل الغذاء والوقود) بنسبة 15.6 في المئة على أساس سنوي في يوليو الماضي، من 14.6 في المئة خلال شهر يونيو. وبلغ معدل التضخم الأساسي بذلك أعلى مستوى له منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017. وجاء ارتفاع التضخم أعلى من توقعات المحللين، فقد كان متوسط التوقعات في استطلاع أجرته وكالة "رويترز" وشمل 14 اقتصادياً لارتفاع التضخم هو 13.2 في المئة. فيما توقع محللون آخرون الأسوأ، فقد رجحت شركة "الأهلي فاروس" في مذكرة بحثية حديثة أن يصل التضخم إلى 15 في المئة في يوليو، وقالت إن النمو الأضعف من المتوقع في أسعار الغذاء والوقود كانت وراء البيانات الضعيفة.
توقعات صادمة بشأن التضخم حتى نهاية 2022
في ما يتعلق بالأخبار السارة وسط هذه الأرقام السيئة حول التضخم، فقد تراجعت العوامل على جانب العرض التي تغذي التضخم حول العالم في الأسابيع الأخيرة. وتراجعت أسعار المواد الغذائية العالمية لأربعة أشهر متتالية، وساعد في ذلك الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق تاريخي بين أوكرانيا وروسيا لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود. كما تراجعت أسعار النفط بشكل كبير وهي الآن عند أدنى مستوياتها قبل الحرب في أوكرانيا وتتجه نحو مستوى 90 دولاراً للبرميل.
ووفق مذكرة بحثية حديثة لبنك "البركة"، فإن السوق المصرية لم تصل إلى الذروة حتى الآن، وقالت إن "الضغوط التضخمية تواصل الارتفاع نتيجة الضغوط المتراكمة على العملة المحلية التي من المتوقع أن تشهد مزيداً من الانخفاض". ورجح البنك، أن ترتفع أسعار الوقود مرة أخرى في وقت لاحق من هذا العام، وقال إن استمرار حالة عدم اليقين بشأن أسعار الطاقة العالمية وسلاسل التوريد وتكاليف الشحن ستظل تشكل مخاطر في المستقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما تتوقع "سي آي كابيتال"، أن يستمر التضخم في الارتفاع على خلفية الزيادات في تذاكر القطارات والمترو المتوقعة في وقت لاحق من هذا الشهر، والتأثير المستمر لارتفاع تكاليف الوقود. كما رجح بنك الاستثمار "بلتون"، أن يبلغ معدل التضخم ذروته عند 16.5 في المئة هذا الشهر، وأن يبلغ في المتوسط 15.5 في المئة في الربع الثالث من العام الحالي.
ومن المتوقع أن يكون الجنيه والطاقة بمثابة المحرك في الفترة المقبلة، فقد أكدت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، أنه "بالنظر إلى المستقبل، نعتقد أن التضخم الرئيس سيتسارع خلال الأشهر المقبلة حين يلتزم المسؤولون سعر صرف أكثر مرونة ما يسمح للجنيه بالتراجع، وأن ترتفع أسعار الوقود مرة أخرى لتعكس ارتفاع أسعار الطاقة العالمية". ورجحت أن يصل التضخم إلى ذروته عند 18 في المئة في الربع الرابع من 2022.
ما مصير أسعار الفائدة؟
في ظل هذه التوقعات باستمرار ارتفاع معدلات التضخم، رجح "الأهلي فاروس"، و"بلتون المالية القابضة"، أن يبقي البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماع المقرر عقده قريبا. وقالت شركة "الأهلي فاروس"، إن تخفيف الضغوط على جانب العرض العالمي، وارتفاع فاتورة الفائدة الحكومية، واستمرار الاتجاه الهابط بين المستثمرين الأجانب تجاه الأسواق الناشئة، كلها أسباب تجعل صانعي السياسة يختارون إبقاء الأسعار عند مستوياتها الحالية. من ناحية أخرى، تتوقع "كابيتال إيكونوميكس"، أن يتخذ البنك المركزي إجراءات استباقية ضد مزيد من الارتفاع في التضخم ورفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل. وأضافت" "لقد توقعنا ارتفاعات بمقدار 150 نقطة أساس، ليرفع سعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة إلى 12.75 في المئة بنهاية هذا العام". على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، علق الخبير الاقتصادي هاني جنينة متوقعاً أن يرفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الخميس المقبل تحسباً لرفع آخر لسعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في سبتمبر (أيلول) المقبل. وبدأ الاحتياطي الفيدرالي دورة تشديد هي الأعنف منذ عقود هذا العام، مما زاد من الضغط على تكاليف الاقتراض في مصر وزاد من تدفقات رأس المال الخارجة.
ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس منذ مارس (آذار) الماضي في إطار جهوده للحد من التضخم وكبح التدفقات الخارجة. وأبقت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعها الأخير في يونيو الماضي. ويستهدف البنك المركزي المصري في الوقت الحالي تحقيق معدل تضخم قدره 7 في المئة (±2 في المئة) بنهاية عام 2022، لكنه قال إنه "سيتسامح مؤقتاً" مع معدل التضخم الرئيس السنوي المرتفع بالنسبة إلى هدفه حتى عام 2023.