ربما يبدو الأمر وكأنه حدث منذ مئات الآلاف من السنين، إلا أن بداية نهاية بوريس جونسون بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي ولم تكن لها علاقة بحفلات داونينغ ستريت.
في الواقع، تبين أن النائب السابق (الموصوم بالعار حالياً) أوين باترسون خالف المعايير البرلمانية، إذ تلقى مئات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية كرسوم من الشركات التي كان يقدم لها خدمات اعتبرت بوضوح بمثابة حملة مناصرة وتأثير lobbying.
وبهدف إظهار ولائهم، حاول أصدقاء باترسون تشويه سمعة مفوضة المعايير البرلمانية كاثرين ستون. وانضم جونسون إليهم، ولكن من دون أي إحساس بالولاء الفعلي الذي يعتبر ميزة لم يسبق أن أظهرها لأي شخص، بل لأن مفوضة المعايير كانت تحقق أيضاً في شبهة فساد في عملية تجديد ورق جدران شقته الخاصة، بالتالي وجد فرصة مناسبة للقضاء عليها.
بيد أن المؤامرة فشلت. وتنحى باترسون. ووضع جونسون في موقف جعل منه أضحوكة، إذ كشف جزء كبير من برلمانيي حزب المحافظين عن وجههم الحقيقي الفاسد تحت الأضواء العامة الساطعة.
لذلك يبدو من المدهش أن حلفاء جونسون، في هذه المرحلة، يسعون إلى تكرار الأمر ذاته مرة أخرى. وحالياً، تقوم لجنة الامتيازات بعملها من خلال التحقيق في ما إذا كان رئيس الوزراء ضلل مجلس العموم عن قصد، وهو عمل شنيع إذا تجاهلته لجنة الامتيازات لمجرد أن رئيس الوزراء استقال على أي حال، فستكون فشلت في أداء واجبها.
هذا لم يمنع الموالين لجونسون، تماماً مثل أولئك الموالين لباترسون، من السعي لتشويه سمعة اللجنة نفسها علناً. ومن الصعب تحديد درجة الجدية التي ينبغي التعامل فيها مع ما يحاول القيام به آخر من تبقى من حلفاء جونسون.
والجدير بالذكر أن أحد التناقضات الأكثر غرابة في شخصية جونسون هو تقديره للولاء فوق كل شيء، وعلى الرغم من ذلك هو لا يملك أي شيء يمت للولاء بصلة. في الواقع، إن شخصاً لديه مثل هذا السجل الحافل من عدم الولاء لا يدعمه إلا أغبى الناس، ولهذا السبب تقود نادين دوريس وزاك غولدسميث الجهود الرامية إلى الحط من قدر تحقيقات لجنة الامتيازات.
ويبقى غولدسميث مديناً لجونسون بشكل دائم، إذ وضع نفسه في مأزق عن طريق الخطأ وخسر دعم حزبه من خلال اتخاذ موقف أخلاقي بالاستقالة بسبب موضوع بناء مدرج ثالث في [مطار] هيثرو، ثم اعترف علناً أنه اتخذ ذلك الموقف القائم على المبادئ لأنه لم يعتقد قط أنه سيتعين عليه القيام به.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بيد أن مثل تلك السذاجة السياسية المذهلة لا تعتبر مهمة في السياسة البريطانية، إذ إن هناك دائماً وظيفة مدى الحياة في مجلس اللوردات، كما أنه من الأسهل حتى الدخول إلى مجلس اللوردات إذا كنت تملك، مثل غولدسميث، فيلا فاخرة في ماربيا حيث يحب بوريس جونسون الذهاب في عطلة مجانية من حين إلى آخر.
في المقابل، دوريس، بالطبع، واقعة في موقف صعب للغاية. فالوزيرة الأقل كفاءة بالتأكيد خلال المئة عام الماضية، التي تجعل غافن ويليامسون يبدو مثل روي جينكينز [تزيل الفروق بين شخصيات سياسية من مستويات متباعدة]، والتي لم تضيع قط فرصة عامة واحدة لتكشف أنها لا تعرف شيئاً عن أي من الأمور التي تتولى وزارتها مسؤوليتها، تعلم بالتأكيد أنه عندما يرحل جونسون ستواجه المصير نفسه أيضاً، بالتالي ليس لديها ما تخسره.
واستطراداً، اتهمها رئيس اللجنة السير برنارد جنكين، بالسعي لتنفيذ "هجوم إرهابي" على لجنة الامتيازات من خلال محاولة تشويه سمعة أعضائها وعملها، عوضاً عن الكتابة إليه مثلاً للإعراب عن قلقها.
وبطبيعة الحال، تشارك صحيفة "ديلي ميل" إلى حد كبير في ما يحدث، وتتهم النواب الذين من الواضح جداً أنهم يقومون بأعمالهم فحسب، "بمطاردة رئيس وزراء سابق" استقال الآن، إذاً يجب أن ينتهي الأمر عند تلك النقطة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأمر الوحيد الذي قد يعتد به حقاً هو أن كل تلك الاحتجاجات الحمقاء للغاية يجب أن تؤخذ بقدر الجدية المطلوبة، وهذا يعني، أنها لا تؤخذ بجدية على الإطلاق. ليس هناك شك، ولا يمكن أن يكون هناك مطلقاً، أن اللجنة المعينة على وجه التحديد من أجل دعم مثل تلك الأمور المهمة سوف تتعرض للضغط بغية تخفيض معاييرها لكي تتطابق مع معاييرهم. بيد أن الأمور لا تسير بهذا الشكل، آملين أن يبقى الوضع كذلك.
وفي ذلك الإطار، يوضح دانيال جونسون في ما كتبه في صحيفة "ديلي ميل"، الفكرة السخيفة القائلة إن اللجنة إذا وجدت أن جونسون ضلل مجلس العموم عن قصد، فهي ربما تقدم آنذاك عريضة تنحية بحقه وقد تجري انتخابات غير متوقعة، وسيكون ذلك "كابوساً بالنسبة إلى خليفته".
ثم دعا رئيس اللجنة السير برنارد إلى "وقف هذا الانتهاك الصارخ للإجراءات البرلمانية". بعبارة أخرى، فإن الشيء المشرف هو أن يتجاهل أعضاء حزب المحافظين المعايير البرلمانية ويفكروا في حزبهم. يا له من هراء مروع!
خلافاً لأي رئيس وزراء آخر من قبله، أدت إخفاقات جونسون الأخلاقية إلى تدهور كل ما يحيط به. وسيستغرق التعافي بعض الوقت.
© The Independent