على الرغم من تكيف شجرة النخيل في أراضي السعودية وازدهارها في مختلف بقاعها وتحملها الحر والمناخ الجاف وندرة الموارد المائية، فإن تفاقم أزمة التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، الذي قد يزيد على 50 درجة مئوية خلال السنوات المقبلة، قد يهزم صمودها ويصيب ثمارها بتغير اللون السريع أو ما يشبه الاحتراق.
تعرف أشجار النخيل بأنها تستهلك كماً كبيراً من المياه، ووجودها في أرض صحراوية كالسعودية التي تعاني شح مصادر المياه الطبيعية، بل وتتصدر بعد ذلك العالم في إنتاج التمور، يجعل بعضهم يتساءل عن سر صمود تلك الشجرة تحت ظروف مناخية يجب أن تكون المتضرر الأول منها.
يرى خبراء زراعيون أن الأسباب ترجع إلى الاهتمام الكبير الذي عملت عليه السعودية بشكل مبكر من برامج تطوير للقطاع الزراعي لمقاومة هذه التغيرات ضمن رؤية 2030، التي تقودها لحقبة ما بعد النفط وتنويع مصادر الدخل الوطني، حيث شجعت المزارعين والمستثمرين على التوسع في زراعة وصناعة التمور، خصوصاً من خلال صناديق الاستثمار المختلفة وعلى رأسها صندوق التنمية الزراعية.
كما أن تطبيق مشروع (سعودي غاب) "S G A P" أسهم بشكل كبير في توفير وتحسين استهلاك المياه من خلال استخدام طرق الري الحديثة، وترشيد استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية وزيادة استخدام الأسمدة العضوية، مما يحسن من خواص التربة وخصوبتها ومن ثم تحسين قدرتها على الاحتفاظ بالمياه.
ارتفاع درجات الحرارة
يعد ارتفاع الحرارة من العوامل المؤثرة في إنتاج النخيل من ناحية موعد الإزهار ونضج الثمرة، وأيضاً التأثير المباشر على جودته، حيث تنمو تحت درجة حرارة من 32-38 وبإمكانها أن تتحمل درجات حرارة أعلى حتى حدود 50 درجة مئوية، أي إن شجرة النخيل تنتج إنتاجاً جيداً في المناطق شديدة الحرارة، بينما يتأثر إنتاجها بصفة ملحوظة عند انخفاض درجة الحراة وتتوقف عن النمو.
تذكر المزارعة ابتسام التي تعلمت الزراعة عن والدها في منطقة القصيم، وتحديداً محافظة المذنب، مواعيد غرس النخيل كما تلقتها من والدها، "أفضل وقت لغرس الفسائل نهاية فصل الشتاء، في العقرب الثاني والثالث (مواسم زراعية يبدأ بظهور 3 نجوم تسمى العقارب) في الأشهر الثالث والرابع والخامس، وكل أنواع النخيل في ذلك سواء، مع مراعاة ري فسيلة النخيل 45 يوماً متواصلة، ثم يكون الري حسب الجو والحاجة"، قالت "لمن يريد أن يكون خراف (جني) التمر جيداً فعليه بالخراف بعد الفجر قبل احتماء الشمس، أي إلى التاسعة صباحاً تقريباً ومن بعد الخامسة إلى المغرب مساء".
وتعلق ابتسام على أزمة التغير المناخي وتأثيرها في إنتاج التمور من نواح عدة، أولها تغير التربة، وثانيها تغير الجو حيث إن شدة الحرارة تؤثر في الثمار وتصيبها بتغير اللون السريع أو ما يشبه "الاحتراق"، وأيضاً الأتربة تفسد الإنتاج ويحتاج إلى جهد لتنظيفه، وتنصح المزارعين بتكميم عذوق النخيل "الثمر" بأكياس الشاش الأخضر أو الأبيض لتمنع وصول الغبار والحشرات وتحافظ عليه من الطيور. أما بالنسبة للأمطار فقالت إن "كثرتها تفسد التمور حيث تتسبب في رطوبة الثمر ومن ثم فساده".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت إلى أنه "في سنة من السنوات كان الجو في مثل هذا الوقت من العام أقل في درجة الحرارة، وكان له تأثير عكسي في نضج ثمار النخيل وتأثر المحصول، بالنسبة لنا نحن المزارعين حرارة الجو من أجمل أيام العام، ليس حباً في حرارة الصيف، بل لأنه وقت نضوج ثمر النخيل وفيه تتزين النخيل بالتمور ويحلو الجلوس بجوارها".
ارتفاع الصادرات رغم أزمة المناخ
على الرغم من الظروف المناخية وشح الأمطار، فإن السعودية تركز اهتمامها على تعزيز الإيرادات غير النفطية وأولت قطاع النخيل والتمور اهتماماً كبيراً من خلال تطويره واستدامته، وعملت منذ وقت مبكر على إعداد وتنفيذ برامج لتطوير هذا القطاع، ورفع إسهامه في الناتج المحلي.
رئيس مجلس إدارة جمعية جدة لتقنيات الإنتاج الزراعي المهندس ياسر المنيّع قال إن التغير المناخي يحدث بشكل طفيف متجهاً لارتفاع درجة حرارة الأرض نظراً للاحتباس الحراري من جراء غازات الكربون، لافتاً إلى أن "هذا التغيير لم يؤثر سلباً في إنتاج التمور في السعودية".
ويرى المنيّع أن "وزارة البيئة والمياه والزراعة وضعت عديداً من البرامج التي تقاوم هذا التغيير مثل توعية وإرشاد المزارعين، وتطبيق أفضل المعايير الدولية في ممارسة العمليات الزراعية (SGAP)، حفاظاً على الموارد الطبيعية التي تضاد وتعكس الأثر السلبي للتغير المناخي من خلال الحفاظ على الماء، سواء بالري الرشيد من الآبار، أو بحفظ الأمطار والحد من هدر التربة واستخدام أفضل الأسمدة". وأشار إلى أن "زيادة الإنتاج المحلي وارتفاع كمية الصادرات هذا العام، على الرغم من الأزمة المناخية هو أكبر دليل على نجاح تلك البرامج التي وضعت".
بحسب تقرير المركز الوطني للنخيل والتمور والهيئة العامة للإحصاء، وصلت صادرات السعودية في عام 2020 إلى 107 دول، ونمت الصادرات بنسبة 7.1 في المئة بقيمة ما يقارب 246 مليون دولار، فيما بلغت زيادة كمية الصادرات من التمور في العام ذاته 17 في المئة لتصل إلى 215 ألف طن، في حين تنتج البلاد أكثر من 1.5 مليون طن من التمور كل عام، وتأتي في المركز الثاني عالمياً كأكثر الدول المنتجة للتمور.
واستمرت السعودية في تطوير زراعة النخيل إلى أن احتلت المركز الأول في العام الماضي 2021، حيث بلغت قيمة قطاع التمور ما يقارب مليار دولار، أي ما يعادل 12 في المئة من إجمالي الناتج الزراعي، و0.4 من الناتج الإجمالي غير النفطي، ويمثل عدد النخيل البالغ 33 مليون نخلة 27 في المئة من الإجمالي في العالم، ووصل عدد الحيازات الزراعية لها إلى 123 ألف حيازة.
مواجهة الإجهاد المائي
مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وتضاؤل هطول الأمطار تصبح الأزمة أكثر وضوحاً خصوصاً في السعودية، كونها بلداً ذا بيئة صحراوية ومناخ قاحل ويوفر نحو 90 في المئة من إمداداته المائية من طريق المياه الجوفية أو من محطات تحلية المياه.
وتعد عملية توفير موارد المياه العذبة أحد الحلول للحفاظ على الأمن الغذائي، لكن في الوقت نفسه تعد تحدياً يواجه المناطق الصحراوية، التي أدرجت في قائمة الفقر المائي ومنها السعودية، التي تعاني شح المياه حتى مع وجود أكبر محطة لتحلية مياه البحر في العالم، ولا يزال الاستهلاك السعودي يتجاوز بكثير مقدرة البلاد الطبيعية من المياه المتجددة والقطاع الزراعي هو الأكثر استهلاكاً للمياه.
واتخذت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية موقفاً جاداً حيال ذلك التحدي الكبير وعملت على إنشاء مشروع "Saudi Cood Agricultural Practices"، الذي يعرف اختصاراً بـ"سعودي غاب "S G A P" في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2018، وأهم ما يهدف إليه المشروع هو توفير وتحسين استهلاك مياه الري في الزراعة من خلال استخدام طرق الري الحديثة، وترشيد استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية، وزيادة استخدام الأسمدة العضوية مما يحسن من خواص التربة وخصوبتها ومن ثم تحسين قدرتها على الاحتفاظ بمياه الري.
وأشار المنيّع إلى أن أزمة التغيير المناخي أمر واقع، لكنه حدث بشكل بطيء تستطيع الجهات البحثية والمراكز المتخصصة في تطوير زراعة النخيل إنتاج أجود أنواع النخيل، فهي لا تنتقي أفضل الأنواع إنتاجاً فقط، بل تركز أيضاً على إنتاج أصناف تتمتع بمواصفات خاصة، بحيث تكون أكثر ملاءمة وتحملاً للظروف البيئية، آخذة في الاعتبار التغيير المناخي وآثاره.
وأوضح "نظراً لطبيعة موقعنا الجغرافي فإن معظم أراضيه صحراوية وتربته تغلب عليها الطبيعة الرملية ذات النفاذية الشديدة للماء بسبب وجود مسافات بينية بين حبيبات الرمل المكونة للتربة، التي تسمح بنفاذ الماء بعيداً من سطح التربة ومن الجذور، مما يمثل صعوبة على الزرع في امتصاص الماء، ويضطر المزارع الذي انتهج طريقة الري بالغمر أن يضيف كميات كبيرة من الماء بهدف أن يشبع التربة بالماء (200 - 500 لتر أسبوعياً) لكي تستطيع الشجرة الاستفادة من عملية الري.
ودعا المنيّع جميع المزارعين إلى ضرورة انتهاج الري بالتنقيط حفاظاً على الماء ولرفع كفاءة استخدامه وتوفير 50 – 75 في المئة من الماء على الأقل. وأكد أن السعودية تعد دولة فقيرة في المصادر الطبيعية للماء، حيث لا يوجد فيها أنهار أو بحيرات عذبة، وكذلك معدل هطول الأمطار قليل بحكم الموقع الجغرافي وما يرتبط به من مناخ، لذا فإن اتباع الطرق الحديثة في الري مثل (التنقيط - تحت السطح) تسهم في الحد من استهلاك الماء والمبيدات والأسمدة وترفع من كفاءة الإنتاج.
ويرى المنيّع أن الاستمرار في زراعة النخيل لا يشكل أي عبء على المخزون المائي في حال اتبع نهج مشروع "سعودي غاب"، بل يشجع على زراعة النخيل، مضيفاً "لا يبقى على المهتمين بهذا القطاع إلا التفكير خارج الصندوق والتركيز على تنويع المنتجات الممكن استخراجها من محصول التمر، كإنتاج الخل والكحول الطبي والدبس والزيوت وبدائل الأعلاف وغيرها".