بينما يبتهج الطلبة الفلسطينيون في مثل هذا التوقيت من كل عام بموسم العودة إلى المدارس، وينهمكون مع ذويهم في شراء اللوازم والحقائب المدرسية، يعيش طلاب مدرسة تجمع عين سامية البدوي أياماً صعبة، بعد أن أصدرت المحكمة الإسرائيلية المركزية في القدس قراراً بهدم فوري لمدرستهم الواقعة شرق رام الله.
وعلى الرغم من أن الأرض التي بنيت عليها المدرسة فلسطينية، وضعت القاضية الإسرائيلية الملتمسين أمام خيارين، إما أن يهدموا مبنى المدرسة بأنفسهم في تاريخ محدد، وإما أن تتولى الهدم جرافات إسرائيلية، وفي تلك الحالة سيدفع الملتمسون تكاليف الهدم إضافة إلى مصاريف المحكمة، وغرامة عالية لم تحددها.
ثمن باهظ
بعد سنوات من ذهاب أطفالهم إلى القرية المجاورة سيراً على الأقدام للوصول إلى المدرسة، قرر أفراد تجمع عين سامية، وهي قرية بدوية صغيرة تضم 300 من البدو وتقع في وسط الضفة الغربية، بالقرب من مستوطنة كوخاف هشاحر، بناء مدرستهم من الصفيح والخشب، وتضم أربع غرف، إضافة إلى دورات مياه متنقلة منفصلة.
إحدى معلمات المدرسة تقول لـ"اندبندنت عربية" إن الأمر بأكمله مؤلم جداً للأطفال الذين سيضطرون إلى العودة إلى ما كانت عليه الأمور، عندما كانوا مضطرين إلى المشي ذهاباً وإياباً في حر الصيف وبرد الشتاء تسعة كيلومترات يومياً للوصول إلى المدرسة المجاورة للقرية، مستدركة، "ليس من الصواب أن يدفع الأطفال مثل هذا الثمن الباهظ مقابل حقهم البسيط في التعليم". وأضافت، "المدرسة بالنسبة إلى الأطفال ليست شيئاً ثانوياً، حيث وجدوا فيها أنفسهم ومستقبلهم وحياتهم".
من جهتها، طالبت الحكومة الفلسطينية المنظمات الدولية بالتدخل الفوري لوقف القرار، ودعت في بيان، إلى الوقوف ضد أي توجه إسرائيلي لهدم المدرسة، لأنه في اعتقادها "بمثابة استهداف لجهود الدول المانحة لبناء المؤسسات الفلسطينية".
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، قال إن "قرار هدم مدرسة عين سامية يأتي في إطار الحرب على الهوية الفلسطينية، وفي إطار المحاولات المحمومة لأسرلة التعليم"، معتبراً إياه "انتهاكاً صارخاً بحق الطلبة الفلسطينيين في التعليم". وأضاف "نرفض هذا الإجراء، وسنتابع هذه الانتهاكات الخطيرة على أعلى المستويات وفي كل المحافل الدولية".
وحذرت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية من إقدام إسرائيل على هدم ما يقرب من 36 مدرسة، تقع بمحاذاة المستوطنات في الضفة الغربية. وأوضحت الوزارة في بيان صحافي، أن تسليم إخطارات هدم لهذه المدارس في تزايد مستمر، ويندرج في إطار استهداف التعليم، بخاصة في محافظة القدس، بغية ترحيل المواطنين من هذه المناطق، واصفة القرار بحق مدرسة تجمع عين سامية البدوي بـ"الجائر" ويمثل "جريمة بشعة ومتواصلة ضد القطاع التعليمي الفلسطيني".
الناطق باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، صادق الخضور يقول إن "استهداف المدرسة هو جزء من استهداف الهوية الوطنية والتعليم الفلسطيني في كل المناطق، وفي حال تعرضت للهدم سيعاد بناؤها مع كل الشركاء، حتى وإن درس الطلبة في العراء، فعندما نتحدث عن مدرسة فيها سبعة طلاب، وخمس معلمات، فهذا يعني أننا معنيون بتوفير الجدوى المعنوية والقيمة الأخلاقية للتعليم، والالتزام بما يجب أن يكون تجاه الطلبة في توفير هذا الحق".
تهديد دولي
قرار هدم مدرسة عين سامية التي دشنت منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، كواحدة من مدارس الصمود والتحدي في المناطق المهمشة المصنفة (ج)، لتدريس الصفوف الأساسية، أثار غضب ممثلي دول الاتحاد لدى فلسطين، الذين توجهوا للمدرسة على أثر القرار للإعلان من هناك "دعمهم الطلبة وعائلاتهم بتوفير مقومات الصمود، وعدم السماح بهدم تلك التجمعات البدوية".
بدوره، أكد ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين، سفن كون فون بورغسدورف، أن "قرار الهدم غير قانوني ويتنافى مع القانون الدولي الإنساني"، مشيراً إلى أن المدرسة شيدت بدعم وتمويل من الاتحاد الأوروبي، من أجل خدمة الطلبة وتوفير التعليم المدرسي لهم". وتابع "هدم المدرسة يعني أن الطلاب مجبرون على السير مسافات طويلة من أجل الوصول إلى أقرب مدرسة، عبر طرق محاطة بالمستوطنات، الأمر الذي يهدد حياتهم، وعلى إسرائيل أن تحترم الحق في التعليم بموجب القانون، لأنها ملزمة قانوناً بعدم استهداف المنشآت التعليمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول الخطوات المنتظرة من الاتحاد الأوروبي، قال إنه "في حال انتهاك السلطات الإسرائيلية التزاماتها وفق القانون الدولي، وهدم المدرسة، فإن الاتحاد سيقدم التعويض أولاً عن المدرسة، وسيعترض عبر القنوات الدبلوماسية، ويسلط الضوء على هذه السلوكيات".
واعتبرت منظمتا اليونيسف واليونيسكو، في بيان مشترك نشر في وقت سابق على خلفية أحداث مماثلة، أن "من الحوادث التي تؤثر في وصول الأطفال الآمن إلى التعليم، المصادمات في الطريق إلى المدرسة بين الطلاب وقوات الأمن، وتوقيف المعلمين عند نقاط التفتيش، إضافة إلى أعمال العنف من القوات الإسرائيلية والمستوطنين في بعض الأحيان".
من دون ترخيص
وفقاً لجهات حكومية إسرائيلية فإن المنشآت التي تشمل غرفاً نقالة تستخدم كصفوف وألواح شمسية لتوفير الكهرباء للمنازل المؤقتة وخيم البلدات البدوية شبه الرحالة في مركز الضفة الغربية، بنيت بشكل غير قانوني، ومن دون الحصول على تصاريح البناء الضرورية.
وتقول الإدارة المدنية الإسرائيلية إنها "لا تنفذ سوى الإجراءات ضد المخالفات في التخطيط والبناء، كجزء من واجبها في حماية النظام العام وسيادة القانون". وتضيف أن "بناء المدرسة تم على الرغم من صدور عديد من الأوامر السابقة بوقف البناء"، وبحسب الإدارة المدنية فإن "السكان يحاولون كسب الوقت في المحاكم لبناء المدرسة بالقوة، وجعل هدمها أكثر صعوبة، وأساء الملتمسون استخدام الإجراءات القانونية بوقف البناء، في محاولة لوضع حقائق على الأرض". وتزعم الإدارة أن "المدرسة غير صالحة للإشغال، وقد تشكل خطراً على طلاب القرية".
ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، فإن مباني الاتحاد الأوروبي ليست مساعدات إنسانية، بل عبارة عن نشاطات تطوير تمت من دون التنسيق وبشكل غير قانوني، واتهمت منظمات يمينية إسرائيلية في وقت سابق الاتحاد الأوروبي بمساعدة الفلسطينيين في بناء مبان غير قانونية في محاولة لترسيخ الوجود الفلسطيني في المنطقة "ج".
وقالت منظمة "ريغافيم" التي تدعي بحسب موقعها الإلكتروني "المحافظة على الأراضي الوطنية"، "إن المباني الممولة من الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية المبنية بما لا يتوافق مع القانون الإسرائيلي تقوض السيادة الإسرائيلية".
بالمقابل، يؤكد ناشطون فلسطينيون ودبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي أن إسرائيل تصعب الحصول على تصاريح البناء، وتؤكد منظمة "بمكوم"، التي تدعو إلى المساواة في التخطيط الحضري "أن إسرائيل تهدم بشكل سنوي عشرات وحتى مئات المباني الفلسطينية"، ووفقاً للمنظمة فإن الإدارة المدنية الإسرائيلية رفضت 98.6 في المئة من الطلبات الفلسطينية للحصول على تصاريح للبناء في المنطقة "ج".
من جهته، قال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية، عصام العاروري، "أصبحت المحكمة تتعامل مع الأرض الفلسطينية باعتبارها أرضاً إسرائيلية، وأن أي بناء في المنطقة "ج" هو بمثابة اعتداء على أملاك الدولة الإسرائيلية، ولذلك فإننا نخطط لمسار قانوني يعفي مدرسة عين سامية من طلب الترخيص، على أمل أن تسهم الضغوط السياسية السريعة في إعطاء مهلة أطول لإنقاذ المدرسة، وهو ما قد يساعدنا لتحرك قانوني جديد".
ويعيش بين 150 ألف و300 ألف فلسطيني في المنطقة "ج"، التي تشمل جميع المستوطنات الإسرائيلية وتغطي نحو 60 في المئة من الضفة الغربية، في نحو 180 بلدة، معظمها غير معترف بها من قبل إسرائيل، وعادة لا يوجد فيها بنية تحتية أساسية، وهي مهددة بالهدم.