كلما التقط المصور يوسف بعدسة كاميرته صورة وحصلت على إعجابه، قام بطباعتها وتعليقها على جدران غرفته الصغيرة التي حولها إلى معمل فني خاص به، يعمل فيه على إخراج مهاراته الإبداعية والتقنية لمواكبة مجال التصوير الحر والدعائي.
لكن جمال غرفة يوسف التي امتلأت جدرانها بالصور لم يدم طويلاً، إذ قضت شظايا القنابل الإسرائيلية التي سقطت بالقرب من منطقة سكنه على أستوديو المصور وحولته إلى ركام متناثر، كما دمرت كاميرته ومعداته.
3 ثوان
يقول يوسف وهو يتجول في غرفته يبحث عن بقايا معداته بين الركام: "بددت الطائرات المقاتلة حلمي، وبلحظة لا تتجاوز ثلاث ثوان دمرت كل شيء وأضحى ركاماً". يصمت لبرهة من الزمن ثم يكمل "تعب سنوات عمري سرقته مني إسرائيل، وهي لا تعلم حجم المعاناة التي عشتها لأجهز معملي الصغير، لقد خطفت القنابل الكاميرا والمعدات والصور والأرشيف، وحتى غرفتي الصغيرة التي لم أسكنها سوى لثلاثة أشهر".
وتعود تفاصيل حكاية يوسف، إلى الثامن من أغسطس (آب) الحالي، عندما تعرضت مدينة رفح جنوب غزة إلى قصف عنيف من الطائرات الحربية إبان العملية العسكرية الإسرائيلية التي شنتها ضد القطاع. وطالت هذه الغارات منزلاً مجاوراً لغرفة يوسف، وعلى أثر ذلك اخترقت الشظايا المتناثرة في كل كمان جدران منزله، وأصيبت والدته وشقيقته بجروح بليغة، فيما دفن حلمه تحت الأنقاض.
يستذكر يوسف ذلك الحدث قائلاً، "كنت خارج المنزل عندما وقعت القنبلة الإسرائيلية على منطقتنا، وبعد أن توقف القتال عدت للمنزل ووجدت أجهزتي مدمرة، ومن هول الموقف بدأت أبحث عن الكاميرا بين الركام حتى وجدتها مهشمة، حينها حملتها ورثيتها وأجهشت بالبكاء".
اقترض لشراء الكاميرا
بعد أن تخرج يوسف في كلية الإعلام، بدأ يطور مهاراته في مجال التصوير، وحتى يحقق حلمه في تدشين معمل فني خاص به، اقترض 3500 دولار أميركي ليشتري كاميرا وعدسة ومعدات تصوير كاملة، وحول غرفته إلى ما يشبه استوديو عمل ليحضن حلمه.
لم يسدد يوسف سوى سبع دفعات بنكية من أصل 27 دفعة متراكمة عليه. وبعد تدمير كاميرته، تحول هذا القرض إلى ديون متراكمة وبات عاجزاً عن مواصلة السداد. يتابع، "كنت أعمل على الكاميرا ومن الأموال التي أجمعها أسدد القرض، لكن اليوم لا أملك أي مصدر دخل".
في بداية طريقه، لم يجد يوسف عملاً صحافياً في غزة، فاضطر إلى تصوير المناسبات كحفلات التخرج والجلسات الداخلية والخارجية. يوضح أنه بعد تخرجه في الجامعة لم ينتظر فرصة عمل كما جيش البطالة في غزة، بل قرر أن يمارس مهارته في التصوير بواسطة هاتفه المحمول حتى ينمي مهاراته، ويسير في طريق حلمه إلى أن تمكن من بناء معمل فني لنفسه.
ويضيف، "بشراء المعدات حققت جزءاً من هدفي الذي رسمته لنفسي، واعتقدت أنني أسير في الطريق الصحيح، لكن بعد العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة فقدت كل شيء مرة واحدة، ولم يبق لي سوى ركام المعدات والصور الممزقة وكاميرا مهشمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عاطل عن العمل
وبسبب قنبلة إسرائيل، بات يوسف عاطلاً عن العمل وانضم إلى صفوف نحو 300 ألف خريج جامعي من دون أي مصدر دخل، بعد أن كان يلتقط بعدسة كاميرته أجمل لحظات السعادة التي يعيشها سكان غزة في مناسباتهم، ويعتمد على ذلك كمصدر دخل له.
على الرغم من مرور الوقت، فإن يوسف يزور كل يوم غرفته الصغيرة، ويبحث بين الخراب والركام الذي حل بها عن أي أثر لمعداته، إذ يعتقد أن ما حصل مجرد حلم وليس واقعاً صعباً. يؤكد، "لم ينته كل شيء"، ولا بد أن يعود يوماً ويكمل مشواره في إسعاد الناس وتوثيق لحظات مرح الأطفال وضحكات كبار السن.
لم يكن يعلم يوسف أن كاميرته ستتحول إلى قصة تروى كل يوم في غزة، وصورة غرفته تنشر كما صوره. يقول، "قنبلة واحدة وثلاث ثوان... خطفتا عيني التي أرى بها الناس، وزرعت في قلبي لوعة ودفنت تعبي تحت الأنقاض".
أما إسرائيل، فهي تبرر أفعالها، بأن غزة أكثر منطقة مكتظة بالسكان والعمران، والجميع فيها يعيشون في بيوت متلاصقة، كما يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، إن قواته تستخدم صواريخ موجهة بدقة عالية وتطلق بإشراف مهندسين، ما يجعل احتمالية الخطأ نادرة، لكن كثافة السكان وقرب منازلهم من بعضها في غزة، قد ينتج عنه بعض الأضرار.