نظرت من نافذتي إلى الخارج أخيراً، حيث رأيت ولداً مشرداً. "أنت أيها الصبي"، ناديت عليه. "هل تشارك في "هوت غيرل سمر" (صيف فتاة مثيرة)؟ [إشارة إلى ترند اجتاح منصات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة من طريق مغنية الراب ميغان ذي ستاليون ويدور حول الشعور بالثقة والاستمتاع بأشهر الدفء والتباهي بالمظهر المثير، من دون اهتمام بما يعتقده الآخرون] أو "هيلينغ غيرل سمر" (صيف فتاة تسعى إلى الشفاء) [إشارة إلى عبارة أخرى تجتاح الإنترنت، والمقصود بها أن تحب نفسك حتى إذا مررت بتجربة حب فطرت قلبك، فستكرس الصيف بأكمله لشفاء نفسك وتضميد جراحك]، أو ربما حتى "فيرال غيرل سمر" (صيف فتاة متوحشة) [وفي هذه الحال لا يكترث المرء لمظهره أو أي سلوكيات صحية. ومثلاً، لا تزيل الفتاة مثلاً شعر ساقيها وتترك الكحل الممروغ يشوه عينيها، وتسهر حتى الصباح، وتحتسي قدراً كبيراً من المشروبات، حتى إنها ربما تتناول وجبة "ماكدونالدز" أو رقائق البطاطا على معدة خاوية]. لم يدر الصبي عما أتحدث. لم ينبس ببنت شفة حينما سألته إذا كان برنامج تلفزيون الواقع "لوف آيلاند" Love Island (جزيرة الحب) يكرس أفكاراً مسمومة عن الحب والجندرية. تمثل جل ما ظهر منه بعلامات تكشيرة انفصامية [إشارة إلى مظهر لا مبالي أو ممتلئ بالملل، بعينين محملقتين وشفتين مسترخيتين له. وتحوز تلك التكشيرة حصة كبيرة أيضاً على مواقع التواصل]. إن تلك التكشيرة هي "ترند" آخر لم يسمع به. لا ينبغي الخلط بين هذا الصغير المتشرد وبين شخصية الشريدة الأدبية التي ترد غالباً في الروايات الكلاسيكية والمعاصرة وتبدو غالباً فتاة بيضاء البشرة هزيلة ومعذبة تزرع لديك إحساساً بالغموض والكآبة إنما تبقى جذابة وصعبة المنال. ولقد تركته يمضي في تنقلاته، لكنه حملني على التفكير.
ثمة تساوٍ بين الطريقة التي نتلقف بها الاتجاهات أو "الترندات" المنتشرة عبر الإنترنت في 2022 والطريقة التي ركبنا بها موجة الصيحات حينما كنا أطفالاً، فكأن لا فارق بينهما، إذ تبدو عدم متابعة "إنستغرام" لفترة وجيزة أشبه بالتغيب عن المدرسة طوال أسبوع بسبب المرض، ثم العودة إلى الملعب لتجد معاصم الجميع وقد تزينت بأساور مطاطية ملونة جذابة، بل يبدو حتى وصف تلك الأشياء بأنها "ترند" [توجه شائع] أكثر من لمسة سخية. إنها التعريف المناسب للتميز. تبدو دورة حياتها واضحة عند هذا الحد، إذ يملك صانع محتوى على "تيك توك" فكرة ما، يصطادها محرر أو كاتب ما، وتروح تتخبط بالتحليل والشرح إلى حد تدميرها. شأن ما أنا في صدده الآن، إلى حد ما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، تنطوي هذه الأنواع من الصيحات الحادة على فائدة معينة. على وجه الخصوص، إن ترند "(الصفة) و(الجنس) و(الموسم)"، أثبت أنه يشكل إضافة متعددة الجوانب إلى قاموسنا على الإنترنت منذ أن أطلقت ميغان ذي ستاليون منتصف 2019، ترندها الشهير "هوت غيرل سمر" [صيف فتاة مثيرة]، ما انفك المحررون المساعدون في مجلة "كالتشر" يتناولون عبقرية ستاليون منذ ثلاث سنوات حتى الآن. وقد تطور شيء بدأ كإقرار مسل إلى سلسلة من الثقافات المصغرة المختلقة المتفرعة منه، لكنها تبقى متصلة ببعضها البعض. ليس ترند "صيف فتاة مثيرة" وحيداً في الساحة، بل تضم اللائحة الآن "صيف فتاة تسعى إلى الشفاء" و"صيف فتاة متوحشة". بالنسبة إلى من لا يؤثرون التقيد جندرياً، في مقدورهم مدح "شورت كينغ" short king (الملك القصير القامة) [في مجتمع غالباً ما يستصغر الرجال قصيري القامة، فإن عبارة الملك القصير تمدح الرجال الذين يقل طولهم عن المتوسط]. أو أن يمجدوا/ أو يرفضوا "ترادوايف" (ربة المنزل التقليدية) [إشارة إلى الاعتقاد أن المنزل مكان المرأة، والزوجات يجب أن يكن تحت جناح الزوج أو حمايته]، أو اللجوء إلى "وضع العفريت" تماماً، أو "المعاداة المطلقة للجمال" وفق توصيف مجلة "ذا فايس"، والقائمة تطول.
في سياق متصل، ترمي "الترندات" المنتشرة عبر الإنترنت إلى إضفاء إثارة على حياتنا اليومية بأي طريقة ممكنة. حينما ينشر مقال يقترح نسخة جديدة من "صيف فتاة مثيرة"، ثمة استجابة ميكانيكية في قسم التعليقات للسؤال عن مدى حاجتنا إلى "ترند" جديد آخر، يبدو كأن لا معنى له، ولكن عبر التشكيك في شرعية "الترندات" المصغرة، فإننا نعطيها أيضاً مشروعية. أن تشيح بناظريك ممتعضاً إزاء صعود نجم "صيف فتاة متوحشة" لن يحول دون ركوب الفتاة الوحشية هذه الموجة.
وبالتالي، نصبح إزاء عملية استرداد ساخرة. ندرك أن اتجاهاً كـ"صيف فتاة متوحشة" ليس سوى مزيج سخيف من الكلمات. بيد أنه، في أقل تقدير، يأسر شعوراً حقيقياً لدينا. والأهم، لنقل إنه ممتع أيضاً. في معظم الحالات، ثبت غالباً أن لدى هذه الاتجاهات التي تبدو اعتباطية، منطلقاً ما في الواقع. من منا لم يرجع إلى حال من التوحش خلال موجة الحر الأخيرة؟
استطراداً، تكتنز هذه الصيحات فائدة أيضاً بكونها شكلاً من العلاج الوهمي. أنت شاب بعمر 27 سنة، هل ترفض "صيف فتاة مثيرة" فيما تتقبل "صيف فتاة تسعى إلى الشفاء"؟ هنيئاً لك. هل شكل صيف 2022 اللحظة التي تنتقل فيها أنت الرجل صاحب الـ33 عاماً العامل في مجال التسويق الرقمي، إلى "وضع العفريت" بشكل مطلق؟ طبعاً، لم لا. إذا استيقظت في أحد أيام أبريل (نيسان) وقررت أن تنخرط في "ربيع الملك القصير القامة"، تلك الاحتفالية المستوحاة من الممثل الإنجليزي توم هولاند للرجال القصيري القامة بيننا، وأن هذا يعود عليك بمنفعة ما، فمن عساه يمنعك؟ لا أحد، السبب جزئياً التضاؤل التدريجي لثقافة الـ"مايم" meme [المحتوى الذي ينتشر في أوساط جمهور الإنترنت عبر التقليد] لتصير مدفوعة كلياً بالمشاعر.
لقد قطعنا شوطاً طويلاً منذ أوائل 2010، حينما أرهب موقع "يوتيوب" بفيديوهات تحاكي بسخرية التسجيل المصور لأغنية "فرايداي" Friday التي أدتها ريبيكا بلاك. وآنذاك، استخدمنا صوراً لذلك الطفل رافعاً قبضته احتفاء بـ"اجتياز يوم إثنين آخر". [تكمن السخرية في أغنية "فرايدي" تصف التفاصيل الصغيرة لأحد أيام الجمعة]. لقد باتت الـ"مايمات" و"الترندات" مبنية على أساس اللامنطق الآن، عارية من أي سياق أو معنى، لكنها تحظى بطريقة ما باعتراف على الصعيد العالمي. شاهدت أخيراً فيديو على "تيك توك" لامرأة أميركية في سيارتها تتحدث فيه عن عدم قدرتها على مغادرة منزلها من دون أن "تحتسي بعض الكحول، وفق ما تعلم؟". لقد لامست كلماتها وجداني لأنني شأنها أعجز عن مغادرة المنزل من دون أن أشرب قليلاً من الكحول. أن تشرح هذا الأمر لشخص في الخمسينيات من عمره سيحمله على البكاء، لكن لا مثيل لمغادرة المنزل والاستمتاع بمشروب صغير، وفق ما تعلم؟
إننا نستخدم هذه الصيحات الآن لأن البديل منها يتمثل في تلك القطرة الهلامية المتخثرة من الثقافة الشعبية، أو الموروث الثقافي، الأوسع، التي تعمل الآن شأن تلك المادة اللزجة التي يستخدمها الناس لتنظيف سياراتهم من الوبر العالق داخلها. في الآونة الأخيرة، التقطت تلك المادة إضافات مثيرة، إنضمت إلى القائمة الأساس. أصبحت ملكة "تيك توك" أديسون راي نجمة الشاشة الفضية. كذلك سلمت "جوائز أم تي في للأغاني المصورة" جائزة عن فئة "أفضل أدء ميتافيرس". وغرر بأنتوني هوبكنز لشراء "رموز غير قابلة للاستبدال" ["أن أف تي" NFTs محتوى رقمية فريدة يمكن بيعه وشراؤه وتخزينه على شبكات تتعامل بتقنية "بلوكشين"]. تبدو الترندات الغريبة عبر الإنترنت كأنها "الغرب المتوحش" في الثقافة الشعبية، اعتناق لمقولة "كل شيء مباح" التي يتسم بها عام 2022. [الغرب المتوحش، إشارة إلى الخيال المرتبط بالكاوبوي، ومرحلة ما قبل استقرار الدولة في أميركا].
"ترندات" على شاكلة "وضع العفريت" أو تعظيم "فتاة متوحشة" مجرد محاولات للتحكم في اللحظة الحالية. نود أن يدخل عصرنا المتأنق كتب التاريخ، ما هو ترند "صيف فتاة مثيرة" حقاً، إن لم يكن محاولة لتجرع جرعة صغيرة من "صيف الحب" Summer of Love [ظاهرة جماعيية حدثت خلال صيف عام 1967 في سان فرنسيسكو، قوامها تجمع شبابي متطلق من القيود، ويميل إلى ثقافة الهيبيز والبيتلز] على الرغم من حقيقة أننا لن نقترب منه مرة أخرى. لقد خلق فحوى هذه الاتجاهات وهماً من المرح والطيش في زمن سيئ يخلو منهما. بعد كل شيء، تبدو أحمال الحياة أهون علينا إذا صورنا هذا الصيف على أنه وقت اخترنا فيه فعلاً أن نفقد عقولنا. لك أن تتخيل فرقة "تيتانيك" وقد توقفت عن عزف الترانيم الاحتفالية وأخذت تؤدي أغنية "نحن نحب الاحتفال" We Like to Party (The Vengabus) بدلاً من ذلك. [ترافق ذلك العزف مع لحظات غرق سفينة تايتنك]. إنه الموت بأناقة.
تغمرنا عاطفة كبيرة إذ ننظر إلى فترات من قبيل "العشرينيات الصاخبة" Roaring Twenties [من 1920 حتى 1930 في الولايات المتحدة وكثير من أقطار أوروبا. إنها فترة ما بين الحربين العالميتين، وسادهما شعور باستقرار السلام وعالمية الفرد ومركزيته والميل إلى الاغتراف من المتع الحسية والجنسية]، بحسب ما سميت، لأن فهمنا التنقيحي للتاريخ يرسم ومضات معينة من الفن والثقافة تنبض حياة حتى إنها تكاد تكون طوباوية لا تشوبها شائبة. حتى في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2019، عشية عقد جديد من الزمن، استمات "تويتر" في إضفاء الروعة على عشرينيات القرن الواحد والعشرين بوصفها نسخة ثانية من فترة "العشرينيات الصاخبة". ولكن، تماماً على غرار أوائل عشرينيات القرن العشرين، نحن في خضم جائحة، في حين لا تبدو توقعات ما بعد "كوفيد" رائعة بالنسبة إلى الكوكب والثقافة الشعبية كليهما، ما كنا لنحتاج إلى إلهاءات هذه الـ"ترندات" المصغرة، إذا كنا في خضم نهضة كبيرة في الثقافة الشعبية تمتد سنوات. ولكن، تلك ليست حالنا. ربما أغالي في مطلبي؟ لم تكن "العشرينيات الصاخبة" صاخبة سوى نتيجة الفن الذي أنتجته. إن الحركات "النسوية الراديكالية العابرة للإقصاء" ["تي أي آر أف" TERF اختصاراً]، وملفات "جيه بي أي جي" JPEGs البشعة القابلة للاستبدال المتخصصة بضغط الصور الرقمية، ليست من صنع عشرينيات صاخبة. فلا عجب في أن نلتجئ إلى الأمور التافهة.
نشر في اندبندنت بتاريخ 08 أغسطس 2022
© The Independent