قررت المحكمة العليا في ليبيا إعادة تفعيل الدائرة الدستورية المجمدة منذ عام 2016، في خطوة اعتبرها بعض المراقبين قراراً صائباً سيسهم في حل الخلافات القانونية والدستورية بين أطراف النزاع السياسي، خصوصاً في ما يتعلق بالجدل الانتخابي، بينما رآها آخرون بداية لمرحلة جديدة من الخلافات التي سيجر إليها القضاء، كما ستطيل انتظار الليبيين للانتخابات حتى يتم الفصل فيها.
تفعيل الدائرة الدستورية
أعلن رئيس المحكمة العليا المستشار محمد الحافي، الخميس الـ18 من أغسطس (آب)، إعادة تفعيل الدائرة الدستورية المغلقة منذ 2016، وقال في بيان إن "الدائرة الدستورية تعاهد الليبيين على أنها لن تنحاز لأي طرف من الأطراف، وستعلي شأن الوطن والمبادئ والقواعد الدستورية المقررة".
وتختص الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بالفصل في القضايا والطعون ذات الجانب الدستوري والقانوني، وأيضاً القضايا والخلافات حول القوانين والتشريعات والقرارات التي تصدر عن السلطتين التنفيذية والتشريعية وأي مخالفة أو طعن في الإعلان الدستوري، بحسب قانون إنشائها.
مباركة الدبيبة والإخوان
في أول رد فعل من أطراف النزاع الليبي على إعادة تفعيل الدائرة، أعلن رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة مباركته القرار، وقال "نبارك قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا بعودة تفعيل الدائرة علها تكون رادعاً للتجاوزات التي تمارس من الأطراف والقرارات المخالفة للاتفاق السياسي باعتباره الوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشاد "حزب العدالة والبناء" الذراع السياسية لـ"جماعة الإخوان" في ليبيا بالقرار، معرباً عن أمله بـ"إسهام هذه الخطوة المهمة في صون المسار الدستوري للوصول إلى انتخابات حرة نزيهة وشفافة مبنية على أسس قانونية صحيحة"، وشدد على "ضرورة تركيز هذه الدائرة المهمة على الأولويات في جملة القضايا والطعون التي ستصل إليها انطلاقاً من حساسية المرحلة وحاجاتها".
وأيد "المجلس الأعلى لحكماء وأعيان ليبيا" القرار، معتبراً إياه "استجابة لمطالب الشعب وإبعاداً لشبح الحرب بالتوجه مباشرة إلى المحكمة الدستورية لحل الخلافات السياسية، وقبول ما يصدر عنها من قرارات لحقن الدماء المعصومة والمحافظة على اللحمة الوطنية ووحدة البلاد".
خطوة طال انتظارها
رأى عضو مجلس النواب خليفة الدغاري أن "إعادة تفعيل الدائرة الدستورية للنظر في الطعون وبتها خطوة بالاتجاه الصحيح لإعادة هيبة القضاء والحد من تجاوزات الإعلان الدستوري والقانون وإعادة النظر في كثير من القوانين والقرارات المعيبة التي صدرت بما يخالف القوانين النافذة".
وأشار الأمين العام لـ"المنظمة العربية لحقوق الإنسان" في ليبيا عبد المنعم الحر إلى أهمية القرار الذي اتخذته المحكمة العليا، قائلاً إنه "يجري العمل من جانب غالبية النظم القانونية الوطنية على أن يباشر القضاء الدستوري دوره في الرقابة الدستورية بشكل عام أو في مجال حماية حقوق الإنسان وتعزيزها من خلال مستويين رئيسين: أولهما مباشر يتمثل في تعزيز عدم دستورية أي نص يخل بالحقوق والحريات، أو أي نص قانوني آخر لا يبني على دعائم دستورية، والثاني غير مباشر ومؤداه أنه من خلال الإقرار بوجود هذه الرقابة بآلياتها المختلفة، يحرص المشرع قدر المستطاع على التزام ضمان هذه الحقوق، وفقاً للإطار الذي كفله الإعلان الدستوري الحالي أو الدستور مستقبلاً" .
ونبه الحر إلى أنه "يمكن للقضاء الدستوري أن يستخلص حقوقاً جديدة لم ينص عليها صراحة في الدستور انطلاقاً من الاقتناع بلزومها للتطور الديمقراطي وإعمالاً لمبدأ سيادة القانون"، وخلص إلى أنه "حتى لا تكون هذه الأمانة الدستورية مجرد ضمانة نظرية لا جدوى منها، نذكر السلطة التشريعية والتنفيذية بأن من أشكال الخروج على مبدأ استقلال القضاء التدخل في إجراءات سير العدالة والامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية والتوسع في تفسير ما اصطلح على تسميته بأعمال السيادة والسلطة التقديرية وتخويل المحاكم العسكرية اختصاصات واسعة مع توسيع نطاق ولايتها".
تشكيك وتساؤلات
جانب آخر من المراقبين والمحللين والمهتمين بالشأن السياسي حذر من التهويل في أهمية تفعيل الدائرة الدستورية ومآلات القرار واعتباره الحل المفقود للأزمة الليبية الشائكة وتعقيداتها.
ورهن مستشار "مجلس الدولة" السابق صلاح البكوش جدوى إعادة تفعيل الدائرة الدستورية بطبيعة القضايا التي ستنظر فيها خلال الفترة المقبلة، وتساءل "هل قرار الجمعية العامة للمحكمة العليا بفتح الدائرة الدستورية أمر يمكن أن نفرح به، أم حيلة من الفاعلين السياسيين لإنقاذ أنفسهم في مواجهة محاولة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ملء المحكمة بالموالين له؟"، موضحاً أن "طبيعة القضايا التي ستنظر فيها الدائرة أولاً والقرارات ذات الصلة ستجيب عن ذلك".
من جانبه، قال وزير العدل الأسبق محمد العلاقي، "كم كانت فرحتنا كرجال قانون كبيرة وعظيمة بإعادة تفعيل الدائرة الدستورية، غير أن هذه الفرحة لم تدم طويلاً حين قفز إلى أذهاننا تساؤل مهم: ترى ما الجديد في الموضوع؟ بما أن الأسباب التي بموجبها علق العمل بنظر الطعون الدستورية لا تزال قائمة، بل إنها أسوأ بكثير من الظروف التي قررت فيها المحكمة العليا وقف نظر الطعون الدستورية".
أزمة ذات طابع سياسي
قلل توفيق الشهيبي، رئيس الهيئة العليا لـ"حزب تحالف القوى الوطنية" من أهمية إعادة تفعيل الدائرة باعتبار أن كل الأجسام السياسية التي ستناقش نزاعاتها فقدت شرعيتها، على حد قوله، وأعرب عن شكه في أهمية القرار وتأثيره الفعلي في الساحة السياسية بالقول "أعتقد أنه لن يتغير شيء، لأن كل الأجسام منذ 2014 حتى الآن فقدت شرعيتها دستورياً وشعبياً، وهذا أمر لا يحتاج إلى حكم محكمة من أجل إثباته، فأزمتنا الليبية سياسية بالكامل وليست قانونية".
وأبدى رئيس "حزب الحركة الوطنية" مصطفى الزائدي الذي يمثل التيار المناصر لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي خوفه من أن يكون الهدف من قرار إعادة الدائرة الدستورية هو تعطيل الانتخابات، وقال في تغريدة على موقع "تويتر"، "أكدت عندما كانت حمى الترشح والطعون والقوائم مستعرة أنه لن تجرى انتخابات لمعرفتي بطبيعة المراحل التي تعيشها الدول بعد التدخلات الأجنبية".
وأضاف الزائدي أن "إعادة الدائرة الدستورية هدفها تعطيل الانتخابات، بحيث ستكثر الطعون في القوانين والأجهزة الانتخابية، وسيمضي وقت طويل قبل أن يكون ممكناً التوصل إلى اتفاق قانوني كامل بشأنها".