تؤدي موجات الجفاف الشديدة عبر النصف الشمالي للكرة الأرضية الممتد من مزارع كاليفورنيا إلى الممرات المائية في أوروبا والصين إلى مزيد من التعقيد لسلاسل التوريد وزيادة أسعار الغذاء والطاقة، ما يزيد الضغط على نظام التجارة العالمي الذي يعاني من ضغوط.
وتشهد أجزاء من الصين أطول موجة حرارة مستدامة منذ بدء حفظ سجلات الحرارة في عام 1961، وفقاً لمركز المناخ الوطني الصيني، ما أدى إلى إغلاق التصنيع بسبب نقص الطاقة الكهرومائية، ويتجه الجفاف في إسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا ليكون الأسوأ منذ 500 عام، وفقاً لأندريا توريتي، المتخصصة بالمناخ في مركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية.
ويمكن أن يصبح تأثير الجفاف الممتد وموجات الحرارة في قطاعات مثل السياحة والتصنيع والزراعة عبئاً طويل الأجل على التصنيفات الائتمانية للحكومات في جميع أنحاء جنوب أوروبا، وفقاً لخدمة المستثمرين من "موديز". ويلاحظ التقرير الأحدث للأمم المتحدة عن علم المناخ أن الاحتباس الحراري زاد من مخاطر الجفاف في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وقالت ماري دييرون، المديرة الإدارية للائتمان السيادي في "موديز" بلندن لـ "وول ستريت جورنال"، "إذا أصبح من المعتاد أن يكون يوليو (تموز) وأغسطس (آب) غير محتملين في أجزاء من أوروبا، فمن المرجح أن يتفاعل الناس مع ذلك".
مقارنات الجفاف وأضراره
وفي الغرب الأميركي، يبدو أن الجفاف الذي بدأ قبل عقدين من الزمن هو الأسوأ منذ 1200 عام، وفقاً لدراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس.
ويقارن الباحثون حالات الجفاف من طريق قياس نمو حلقات الأشجار السنوية التي تعكس هطول الأمطار ودرجة الحرارة من سنة إلى أخرى في مناطق محددة. ويقول علماء في المناخ إن فترات الجفاف هذا العام ترجع جزئياً إلى ظاهرة "النينا"، وهو نمط دوري للمياه الباردة في شرق المحيط الهادئ يدفع التيار النفاث في الغلاف الجوي شمالاً، تاركاً أجزاء من أوروبا والولايات المتحدة وآسيا مع هطول أمطار أقل، وتقول الأمم المتحدة إن عدد حالات الجفاف في جميع أنحاء العالم قد ارتفع بنسبة 29 في المئة منذ عام 2000 بسبب تدهور الأراضي وتغير المناخ.
وبالنسبة إلى بعض أكبر الاقتصادات في العالم، أضر الجفاف الذي حدث هذا الصيف بالصناعات بما في ذلك توليد الكهرباء والزراعة والتصنيع والسياحة، إلى جانب تفاقم اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن جائحة "كوفيد-19" والضغط على أسعار الطاقة والغذاء من الحرب في أوكرانيا.
وفي الولايات المتحدة، يتوقع أن يفقد المزارعون أكثر من 40 في المئة من محصول القطن، بينما يتوقع في أوروبا أن ينخفض محصول زيت الزيتون الإسباني بما يصل إلى الثلث وسط الظروف الحارة والجافة.
جفاف الأنهار في أوروبا يضر بمنابع التجارة
وفي أوروبا، تجري الأنهار مثل الراين وبو في إيطاليا، التي تعمل كشرايين للتجارة، عند أدنى مستوياتها التاريخية، مما يضطر المصنعين إلى وقف الشحنات، وأدى انخفاض منسوب الأنهار إلى خفض توليد الطاقة الكهرومائية في جميع أنحاء القارة، مما أثر في مصدر رئيس بديل للغاز الطبيعي، الذي هو أقل عرضاً مع تقليص روسيا للتدفقات في حين أجبرت الحرارة فرنسا على خفض الإنتاج في عديد من المفاعلات النووية لأن مياه النهر التي تبردها دافئة للغاية. وتخطط ألمانيا، المستهلك الأكبر للغاز الروسي في أوروبا، لحرق مزيد من الفحم بدلاً من الغاز لتوليد الكهرباء، لكن المستويات المنخفضة على نهر الراين تعرقل الشحنات.
وأدى تساقط الثلوج على منبع النهر في جبال الألب السويسرية وانخفاض هطول الأمطار في اتجاه مجرى النهر إلى خفض تدفق المياه في دلتا نهر الراين في هولندا، وقد سمح ذلك بدخول مياه البحر إلى نظام الأقفال والسدود في البلاد، ما أدى إلى إبطاء حركة المرور النهرية والتسرب إلى الخزانات المستخدمة للشرب والزراعة، ويؤدي الجفاف إلى تجفيف السدود الترابية التي تحمي المناطق المنخفضة في هولندا من بحر الشمال.
وقال أندرو كينينغهام، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في "كابيتال إيكونوميكس" في لندن، "كل شيء يضر بألمانيا أكثر من أي مكان آخر، هذا موضوع مشترك".
انخفاض حاد في الولايات المتحدة
وفي الولايات المتحدة، أدت كتل الجليد الصغيرة في جبال سييرا نيفادا بكاليفورنيا إلى انخفاض حاد في إمدادات المياه في المنطقة موطن الصناعة الزراعية الأكبر في البلاد. ويقول المسؤولون في منطقة ويستلاندز ووتر في الوادي الأوسط، المنطقة الزراعية الأهم في الولاية، إن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية تركت غير مزروعة هذا العام بسبب نقص المياه، وانخفض نهر كولورادو كثيراً لدرجة أن مكتب الاستصلاح الأميركي أعلن في 16 أغسطس عن حدوث نقص سنوي ثان على التوالي، ما أدى إلى عام ثان من قطع المياه الإلزامية في أريزونا ونيفادا والمكسيك.
وقال ويد نوبل، المستشار العام لأربع مناطق ري في مقاطعة يوما، أريزونا، وهو منتج رئيس للخضر، "يتوقع المزارعون أن تصل أرباحهم إلى حوالى عشرة في المئة من صناعتهم التي تبلغ 3.4 مليار دولار سنوياً"، وأضاف نوبل، "دخل المنطقة أقل والبيع والشراء في تراجع".
أزمة الطاقة وجفاف الحبوب في الصين
وكانت مقاطعة سيتشوان الجنوبية الغربية الأكثر تضرراً جراء انخفاض هطول الأمطار، لكونها تعتمد بشكل كبير على الطاقة الكهرومائية لتوليد الكهرباء، في حين أدت درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة الطلب على تكييف الهواء، ما يهدد بزيادة الحمل على شبكة الطاقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوم الأحد، فعّلت السلطات المحلية الاستجابة الطارئة الأعلى وسط أزمة إمدادات الطاقة، ومددت أمراً من الأسبوع الماضي إلى عدد من المصانع لإغلاق أو تقليص الإنتاج من أجل "ترك الكهرباء للسكان" حتى يوم الخميس، حيث من المقرر أن تنخفض درجات الحرارة مجدداً.
وفي وسط الصين وجنوبها وغربها، أعلنت السلطات عن جفاف في ست مناطق قضائية على مستوى المقاطعات التي شكلت مجتمعة ربع إنتاج الحبوب في البلاد العام الماضي.
القيود وتضرر الشركات المصنعة
وقد أثرت القيود ع(لى الرغم من محدوديتها) في عدد من الشركات المصنعة العالمية مثل شركة "فوكسكون تكنولوجي" المحدودة لتصنيع الأجهزة التابعة لشركة "أبل"، و"فولكس فاغن إيه جي"، و"تويوتا موتور كورب"، كذلك الشركات المصنعة لأملاح الليثيوم والأسمدة والمعدات الكهروضوئية في مواقع الإنتاج.
وطلبت شركة "تيسلا إنك" من حكومة شنغهاي المساعدة في ضمان حصول مورديها على إمدادات كافية من الكهرباء وسط أزمة الطاقة، قائلة إن 16 منهم لم يكونوا قادرين على الإنتاج بكامل طاقتهم، وفقاً لرسالة حكومية وأشخاص مطلعين على الأمر.
وانخفضت مستويات المياه في بعض أجزاء نهر اليانغتسي (الأطول في الصين ومصدر حاسم للطاقة الكهرومائية والنقل والمياه للمحاصيل) إلى أدنى مستوياتها منذ بدء حفظ السجلات، وفقاً لوزارة الموارد المائية الصينية.
وفي هانكو، في مدينة ووهان بوسط الصين بلغ منسوب المياه، الخميس، أقل من نصف المتوسط التاريخي، وفقاً لإدارة السلامة البحرية في اليانغتسي.
ويقول علماء في المناخ في الولايات المتحدة وأوروبا إن ظاهرة الاحتباس الحراري قد ضاعفت من حدة تأثير ظاهرة "النينا"، وقالت إيسلا سيمبسون، المتخصصة في المناخ في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي ببولدر، كولو، إن الغلاف الجوي الأكثر دفئاً يمتص مزيداً من الرطوبة من الأرض، ما يزيد من مخاطر الجفاف، وعادة ما تستمر حلقات "النينا" من تسعة إلى 12 شهراً، ولكن هذه الحلقة في عامها الثاني، ومن المتوقع أن تستمر حتى فبراير (شباط) 2023 على الأقل، وفقاً لاستشارة حديثة صادرة عن الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي.