Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بطالة الشباب أزمة تواجه القيادة الصينية

ارتفاع نسبة التعليم بين الأجيال الجديدة مع عدم توفر وظائف لاستيعاب الخريجين واستمرار تباطؤ الاقتصاد

تمثل المشكلة تحدياً سياسياً للحزب الشيوعي الحاكم الذي يسعى الرئيس الصيني إلى تعزيز قبضته عليه (أ ف ب)

مع استمرار التباطؤ في نمو الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تواجه القيادة الصينية مشكلة البطالة بين الشباب التي تزيد معدلاتها بشكل كبير. ونتيجة الإغلاقات المتكررة لمنع انتشار وباء كورونا ضمن سياسة "صفر كوفيد" التي تتبعها حكومة الرئيس الصيني شي جينبينغ، من المتوقع ألا يتعافى الاقتصاد الصيني بقوة في المستقبل القريب بما يساعد على امتصاص مشكلة البطالة بين خريجي التعليم.

لا يقتصر تأثير تلك المشكلة على الوضع الاقتصادي الصيني، بل تمثل تحدياً سياسياً أيضاً للحزب الشيوعي الحاكم الذي يسعى الرئيس شي إلى تعزيز قبضته عليه وضمان تأييده لفترة رئاسة جديدة له كما يقول إيان وليامز في صحيفة "الصنداي تايمز". ووليامز هو مؤلف كتاب "حريق التنين: حرب الصين الباردة الجديدة"، ومتابع جيد للشؤون الصينية.

بحسب تقرير الصحيفة من الواضح أن مشكلة البطالة بين الشباب في الصين كانت الموضوع الطاغي على مناقشات القادة الصينيين في تجمعهم السنوي على مدى أسبوعين في منتجع بايدايهي هذا الشهر. وتخشى القيادة الصينية من تحول الشباب المتعلمين من قوة دفع اقتصادي إلى مصدر للاضطراب السياسي يكرر ما حدث في احتجاجات ميدان "تيانمن" عام 1989، وأدى قمع السلطات للاحتجاجات إلى مجزرة بين المحتجين.

وتبلغ معدلات البطالة بين الشباب في الصين من سن 16 إلى سن 24 عاماً حالياً نحو 20 في المئة، بحسب الأرقام الرسمية الصينية الصادرة الشهر الماضي. ويعني ذلك أن هناك نحو 15 مليون شاب صيني يبحثون عن وظيفة في ظل وضع اقتصادي يتنافس فيه كثيرون على وظائف قليلة متاحة.

العقد الاجتماعي

تصل نسبة البطالة بين الشباب في الصين إلى أعلى معدلاتها منذ بدأت الحكومة الصينية إصدار بيانات رسمية حولها عام 2018. وللمقارنة فهي تكاد تصل إلى ضعف معدلات البطالة بين تلك الفئة العمرية في بلد مثل بريطانيا التي سجلت نسبتها 10.4 في المئة.

وكانت الحكومة الصينية، وفي ظل النمو الاقتصادي السريع والقوي، قد شجعت بشدة منذ عقدين على التعليم بجميع أشكاله كوسيلة لتبني عقد اجتماعي جديد مع الأجيال الصاعدة يحول دون تكرار أحداث "تيانمن". وخلال العشرين عاماً الماضية كان النمو الاقتصادي كفيلاً بامتصاص الأعداد التي تتخرج من التعليم في وظائف جديدة يوفرها الاقتصاد وتضمن سعي الشباب وراء تحقيق المكاسب من الفرص في قطاعات مختلفة، لكن تباطؤ النمو أخيراً أدى إلى تخمة خريجين مع ندرة وظائف. فحالياً، يلتحق 54 في المئة من الصينيين بمراحل التعليم العالية من جامعات ومعاهد، وسيصل عدد خريجي التعليم العالي الباحثين عن وظيفة هذا العام إلى 11 مليون شخص. ويمثل هذا العدد 11 ضعف مثيله عام 1998.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الوقت نفسه، يواجه الاقتصاد الصيني تحديات كثيرة فضلاً عن الإغلاقات بسبب سياسة "صفر كوفيد". فالتباطؤ الاقتصادي ومحاولة الحكومة إعادة تنظيم بعض القطاعات أدى إلى اضطرابات في القطاعات التي كانت أكثر استيعاباً للقوى العاملة الشابة الجديدة، بالتالي تراجعت معدلات التوظيف، وزادت نسبة البطالة، بخاصة بين الداخلين الجدد لسوق العمل، وبنسبة أكبر من الخريجين. فشركات التكنولوجيا التي يسعى الخريجون الجدد إلى اقتناص فرص التوظيف فيها، تشهد تراجعاً في ظل سياسات الحكومة لضبط نشاطها، ولم تعد تمتص قدراً كبيراً من بطالة الخريجين.

وفي العام الماضي أعلن الرئيس شي جينبينغ عن إعادة تنظيم قطاع التعليم الخاص، وتبلغ قيمته نحو 120 مليار دولار، في محاولة لتخفيف عبء كلفة التعليم على الأسر الصينية، لكن في النهاية تبقى مشكلة أن لا يجد الخريج وظيفة تعوض ما أنفق عليه في مراحل تعليمه، بالتالي يتهدد العقد الاجتماعي غير المعلن الذي استهدفته القيادة الصينية بتوفير التعليم للشباب وضمان أن يجدوا وظيفة مقابل عدم اهتمامهم بالسياسة.

ومع انفجار الفقاعة العقارية في الصين، التي شهدت غلياناً في السنوات الماضية، أصبحت الشركات العقارية في وضع في غاية السوء. ويمثل القطاع العقاري نحو ثلث الاقتصاد الصيني تقريباً. ومع انهيار شركات التطوير العقاري، تهبط معها شركات التسويق والبيع في القطاع العقاري التي كانت توظف أيضاً قدراً معقولاً من الخريجين الجدد من التعليم العالي. والآن، لم تعد تلك الشركات متوقفة عن التوظيف فقط، بل إنها تسرح عمالها نتيجة مشكلاتها المالية.

توقعات صعبة

يكاد الوضع أن يصل إلى مرحلة اللاعودة، حتى إذا قررت الحكومة الصينية التخفيف من سياستها في شأن مكافحة وباء كورونا. فاحتمالات عودة الاقتصاد لتوفير وظائف بشكل كبير تكفي لاستيعاب البطالة بين الخريجين تتضاءل بشدة، بخاصة أن التركيز على التعليم العالي أدى إلى تراجع في التعليم المهني، ونتيجة لذلك تراجعت الأجور للموظفين الجدد، فبحسب موقع التوظيف الصيني "جاوبين" يصل أول مرتب شهري للموظفين الجدد هذا العام إلى أقل من ألف دولار (6 آلاف و507 يوانات)، ويقل ذلك عن أول مرتب للموظف الجديد في العام الماضي 2021 بنسبة 12 في المئة، ولا يساوي أكثر من راتب سائق توصيل طلبات في شنغهاي.

وفي الآونة الأخيرة، زادت أيضاً نسبة التخلف عن الدراسة. وعلى الرغم من أنه لا توجد إحصاءات رسمية صينية عن معدلات التخلف عن التعليم، فإن ظروف سوق العمل بالنسبة لخريجي الجامعات جعلت كثيرين يتركون التعليم قبل التخرج ويبحثون عن وظائف متواضعة لتوفير الدخل. وتلك مشكلة أخرى للقيادة الصينية التي راهنت على أن تشجيع التعليم سيوفر قوى عاملة ماهرة تعزز استمرار النمو الاقتصادي على المدى الطويل.

اقرأ المزيد