بعد أيام من افتتاح الدائرة الدستورية في ليبيا الذي اعتبره كثيرون بمثابة فتح ثغرة في النفق المسدود وفرصة لحل الخلافات السياسية في البلاد عبر المسارات القانونية، أثار مجلس النواب مخاوف كبيرة حول استقلال القضاء بإجراء تعديلات على قانون مجلس القضاء الأعلى وتعيين عشرات المستشارين الجدد في المحكمة العليا.
إدخال البرلمان تعديلات كبيرة على قانون القضاء وإعادة هيكلة مجلسه الأعلى قوبلا برفض شديد من خصومه السياسيين، خصوصاً مجلس الدولة الذي عاد من جديد لإثارة قضية عدم قانونية إجراء أي تعديل على المناصب السيادية من مجلس النواب من دون الرجوع إليه، بحسب نصوص الاتفاقات السياسية الليبية.
تعديلات بالجملة
وقرر مجلس النواب، الأحد الـ 21 من أغسطس (آب) الحالي، تعديل حكم في القانون رقم (6) لعام 1982 المتعلق بإعادة تنظيم المحكمة العليا.
ونص قرار البرلمان رقم (4) للعام الحالي على تعديل الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون (6) لعام 1982، بإعادة تنظيم المحكمة العليا، ليكون أداء اليمين من طرف أعضاء المحكمة أمام مجلس النواب أو هيئة رئاسة المجلس.
كما قرر المجلس اعتماد قرار هيئة رئاسة المجلس في شأن تعيين مستشارين جدد في المحكمة العليا، وأكد رئيس لجنة العدل بمجلس النواب عبدالهادي الصغير أن "المستشارين الجدد قاموا بأداء اليمين القانونية أمام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ونائبه الأول و10 أعضاء آخرين، بحضور 39 مستشاراً في المحكمة العليا من أصل 44 تم تعيينهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن "أسماء المستشارين المرشحين جاءت من رئيس المحكمة العليا محمد الحافي طبقاً للقانون الأخير المعدل الذي صدر خلال الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، ولن يكون هناك انقسام في المؤسسة القضائية مثل ما يتم الترويج له وتداوله عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي".
وأشار الصغير إلى أن "المستشار الحافي رفض أداء المستشارين اليمين القانونية أمامه، ما دفعنا إلى إصدار قانون يسمح للمستشارين الجدد بأدائه أمام رئاسة المجلس، وفور صدور القانون تواصل معهم وطالبهم بالحضور للمحكمة العليا وأداء اليمين أمامه، لكنهم رفضوا لوجود قانون ملزم من البرلمان".
واتهم الصغير رئيس المحكمة العليا محمد الحافي بأن "لديه مخاوف من أن يقوم المستشارون الجدد بتغييره في أول اجتماع للجمعية العمومية، لذا يعارض الخطوة ويوجه اتهامات من دون أدلة".
رفض المحكمة العليا
وكان رئيس المحكمة العليا المستشار محمد الحافي رفض تعيين قائمة من 45 مستشاراً صادق عليها مجلس النواب خلال جلسته في الـ 16 من أغسطس الحالي بسبب "المخالفات القانونية الواردة في القائمة"، وقال إنه "لن يقبل تعيينهم ما لم يجر استبعاد من جرى تعيينهم بالمخالفة للقانون، ولن يعتد بأي إجراء مخالف للقانون للحفاظ على هيبة واستقلال القضاء".
وأكد الحافي أنه "أرسل خمسة خطابات إلى رئيس مجلس النواب خلال عام واحد يقول فيها إن المحكمة العليا لم تطلب أي تعديل لقانونها، ولم تقم بإحالة أي خطاب رسمي لطلب تعيين مستشارين في المحكمة".
وبيّن في خطاب موجه إلى رئيس البرلمان أن "الجمعية العمومية للمحكمة قررت في الـ 14 من أبريل (نيسان) الماضي عدم الاعتداد بأي قرار أو إجراء مخالف للقانون وضرورة التشاور معها، صوناً لاستقلال وهيبة مؤسسة المحكمة العليا والقضاء الليبي".
وطالب رئيس المحكمة العليا رئاسة مجلس النواب بـ "مراعاة ما تقدم وبما يؤكد صدقية البرلمان وسعيه إلى ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات".
خلافات في المؤسسة القضائية
ولم يتسبب قرار البرلمان الليبي إجراء تغييرات واسعة على هيكلة القضاء العالي بإثارة مخاوف على استقلال المؤسسة القضائية فقط، بل بدأ في إثارة خلافات داخلية فيها وتبادل للتهم في شأن القرارات الصادرة عن المؤسسة التشريعية.
وبرزت الخلافات في خطاب موجه من المجلس الأعلى للقضاء إلى رئيس المحكمة العليا جاء فيه أن "المجلس لم يتدخل في اختيار مجلس النواب لقائمة مستشاري المحكمة العليا المكونة من 39 مستشاراً، وأن اختياره وقع على أربعة فقط".
وأوضح مجلس القضاء أن "رئيس المحكمة العليا هو من طلب تعيين 39 مستشاراً للعمل في المحكمة، بحسب كتاب صادر في الـ 20 من مايو (أيار) عام 2021".
ونفى المجلس أن يكون تقدم بذلك الطلب، مضيفاً أنه "بعد علمه بقرب إصدار قرار تعيين المستشارين في المحكمة مارس اختصاصاته التي آلت إليه وحده بالقانون، وأحال قائمة بديلة لمن اعتذر، وكانوا أربعة مستشارين فقط من جنوب وغرب وشرق ليبيا".
وأكد أن هذا الإجراء جاء عملاً بالقانون رقم (6) لسنة 2006 في شأن نظام القضاء وتعديلاته، إذ نصت المادة الخامسة منه على أن "يختص المجلس بالإشراف على شؤون القضاء وممارسة جميع الاختصاصات المتعلقة بالشؤون الوظيفية لأعضاء الهيئات القضائية".
اعتراض مجلس الدولة
وفي السياق أشعل قرار البرلمان الليبي تعديل قانون الهيئة القضائية خلافاته مع مجلس الدولة في شأن المناصب السيادية وإجراء تعديلات عليها، إذ قال رئيس اللجنة القانونية بمجلس الدولة الاستشاري عادل كرموس إن "تفعيل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا يؤثر في الصراع السياسي، وإن كان في حقيقته دفاعاً من السلطة القضائية عن استقلالها وعدم خضوعها لأي ضغوط"، معتبراً أن "ما قام به مجلس النواب من مساس بقانون المحكمة العليا من دون توافق مع مجلس الدولة وتعديه على اختصاصها في اختيار المستشارين يرمي إلى إقحامها في الصراع السياسي".
وتابع، "لم يتوقف مجلس النواب عن الانفراد باتخاذ القرارات في شأن المناصب السيادية على الرغم من أنه لم ينفذ منها شيئاً بسبب اعتراض شاغلي هذه المناصب وتمسكهم بأن هذه القرارات صدرت من دون توافق، وأنها مخالفة للاتفاق السياسي".
ورأى أن "الطعون المرفوعة أمام الدائرة الدستورية يتعلق أغلبها بإصدار مجلس النواب للقوانين منفرداً، خلافاً للاتفاق السياسي الذي يعد ورقة دستورية يتعين الالتزام بأحكامها عند إصدار القوانين، والتوافق الحالي بين مجلسي النواب والدولة يخص المسار الدستوري للوصول إلى انتخابات في أقرب وقت ممكن، ولا تأثير لأية ملفات أخرى عليه إذا ما جرى التوافق".
عبث وإعادة تنظيم
من جانبه، قال نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق عبدالحفيظ غوقة إن "مجلس النواب يعبث بالدور التشريعي المناط به، وبدوافع لا تمت إلى المصلحة العامة"، على خلفية تعديل قانون المحكمة العليا والجدل الذي صاحب تعيين المجلس مستشارين في المحكمة.
وانتقد غوقة إصدار مجلس النواب القانون رقم (4) لسنة 2022 بتعديل قانون المحكمة العليا رقم (6) لسنة 1986، واعتبره "تعديلاً الغرض منه تمرير قراره المثير للجدل بتعيين 45 عضواً في المحكمة العليا وهو ما رفضته السلطة القضائية، ودعوة المجلس لهؤلاء المستشارين إلى حلف اليمين القانونية أمامه شخصياً بدلاً من الجمعية العمومية للمحكمة العليا طبقاً لقانونها".
وفي المقابل رد عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي على هذه الانتقادات الحادة للبرلمان قائلاً إن "المجلس لم يتدخل في اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء، وما جرى هو إعادة تنظيم للمحكمة العليا"، مضيفاً أن "تسلم رئيس المجلس الأعلى للقضاء مسؤولية تسيير المجلس يتضارب مع القانون لأنه شخص متقاعد".