على الرغم من أن أسبوعاً واحداً يتبقى على بدء المهلة الدستورية للدعوة إلى جلسات انتخاب رئيس جمهورية جديد في لبنان، إلا أنه حتى اللحظة لا جديد في تشكيل الحكومة سوى اجتماع إضافي جمع رئيس الجمهورية ميشال عون مع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، وانتهى بتكرار السيناريو، بيان رئاسي تقليدي ومغادرة الرئيس ميقاتي من دون تصريح، وإشاعة أمل بأن البحث لا يزال مستمراً في التشكيلة.
وجاء في البيان الرئاسي أن الرئيس عون عرض مع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي التطورات المتصلة بتشكيل الحكومة الجديدة، وبحثا مختلف المعطيات المرتبطة بعملية التشكيل "على أن يستكمل التشاور في وقت لاحق".
وبعد لقائه رئيس الرابطة المارونية، خليل كرم، اليوم الخميس الـ25 من أغسطس (آب) شدد الرئيس عون على ضرورة تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن، مشيراً إلى عدم جواز الاستمرار في تعطيل هذا الاستحقاق، خصوصاً وأن المصلحة الوطنية العليا تقتضي بأن يكون الانتظام في المؤسسات الدستورية مؤمّناً والشراكة الوطنية مصانة من حيث تشكيل الحكومة الجديدة أو من حيث انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا سيما أن حكومة تصريف الأعمال لن تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها على نحو كامل في حال تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية لأي سبب كان.
وأشار عون إلى أنه لا يبدو طبيعياً أن الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية غير المكتملة المواصفات وغير الحائزة على ثقة مجلس النواب يمكنه ان يملأ فراغاً على مستوى رئاسة الجمهورية.
لماذا الحكومة؟
يأتي الاهتمام بتشكيل الحكومة انطلاقاً من أن الدستور اللبناني أناط بها ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خلو سدة الرئاسة، وبالتالي فإن الحكومة القائمة تستمر في تسيير وإدارة شؤون البلاد انطلاقاً من مبدأ "تأمين استمرارية المرافق العامة"، كما يعبر عن مخاوف جدية من الوصول إلى نهاية العهد الحالي، أي بعد 67 يوماً، منتصف ليل الـ 31 من أكتوبر (تشرين الأول) من دون انتخاب رئيس جديد للبلاد والدخول في مرحلة فراغ جديدة، وصولاً إلى إطلاق فرضيات للمرحلة المقبلة تبدأ برفض رئيس الجمهورية ميشال عون تسليم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة والبحث عن فتوى دستورية تبيح له البقاء، وهذا أمر نفاه مقربون من العماد عون، في مقابل فرضية عدم وصول المفاوضات بين الرئيسين عون وميقاتي إلى نتيجة، وبالتالي تسلم حكومة تصريف الأعمال مقيدة الصلاحية مهمات إدارة البلاد إلى حين انتخاب رئيس جديد.
وتحمل كل فرضية من هذه الفرضيات نفساً سياسياً مختلفاً، ولذلك يرفض الفقهاء الدستوريون تشريع الفتاوى ذات الطابع السياسي، ويقول مرجع دستوري سابق "إننا أمام وضع الدستور في خدمة السياسة، والمدخل هو بالعودة للنص واحترام المهل الدستورية وانتخاب رئيس جديد للبلاد قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون"، واصفاً السجالات الحالية بأنها ضد الدستور، ورجال القانون يرفضون الإفتاء بما يخالف النصوص.
حكومة جديدة أو لا شيء
ويرفض النائب السابق المقرب من ميقاتي، علي درويش، إسباغ الإيجابية أو السلبية على اللقاء بين الرئيسين عون وميقاتي، معتبراً استمرار اللقاءات بينهما لكون الدستور أناط بهما حصراً النقاش في تشكيل الحكومة، مشيراً إلى أن المفاوضات تنطلق من التشكيلة التي تقدم بها ميقاتي إلى رئيس الجمهورية في الـ 29 من يونيو (حزيران) الماضي، وتحترم التوزيع القائم للحقائب في حكومة تصريف الأعمال على المكونات السياسية اللبنانية.
ويقول درويش إن هناك تفاصيل عالقة يتم البحث فيها واللقاء استكمال للقاءات سابقة بين الرئيسين.
ورداً على تساؤل بأن هذه الجلسات تحولت إلى زيارات روتينية خالية من أي تقدم جدي وكأننا أمام تأجيل إعلان وفاة المفاوضات، يجيب درويش "لو أن الأمر كان يقتصر على الرئيسين لكانت التشكيلة أنجزت، لكن هناك تركيبة سياسية تدفع إلى أخذ النقاش في الطروحات أكثر من وقتها المعتاد في البحث"، مضيفاً "الرئيسان جديان في موضوع التشكيل، وطالما هناك اجتماعات فذلك يعني أن الأمور في المسار الصحيح".
ويدفع هذا الأمر إلى البحث عن طبيعة العقبات والمسبب طالما أن الدستور أناط بالرئيسين صلاحية تشكيل الحكومة، ويلفت درويش إلى أن "هناك تفاصيل في تركيبة الحكومة وهوية الوزراء تدفع نحو الاستفاضة في البحث بين عون وميقاتي"، رافضاً الخوض في التفاصيل لأن من شأنها إحداث الضرر لا الفائدة.
الخلاف مع التيار الوطني الحر
أخيراً نشب سجال حاد بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على خلفية تشكيل الحكومة، وعبر الأخير عن قناعة لديه بأن رئيس الحكومة المكلف لا يريد التأليف، بينما يعتقد درويش أن "هذا الاتهام مجاف للحقيقة لأنه من غير المنطقي ألا يرغب الرئيس الحالي لحكومة تصريف الأعمال في أن يكون على رأس حكومة غير مكتملة الصلاحية".
أما في الشق الآخر من الاتهام بأن رئيس الحكومة الحالي لا يكلف لأنه المستفيد من النص الدستوري الذي يمنح الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خلو سدة الرئاسة، فيكرر درويش أن الرئيس ميقاتي لديه رغبة جدية في التشكيل، أما احتمال خلو المنصب فإن "المنطق يفرض التحرك لانتخاب رئيس جديد للبلاد وإعفاء الجميع من هذا الجدل الدستوري".
وبينما يرى مراقبون أنه إذا ما توصل الفرقاء إلى تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن، فإنه في أحسن الأحوال لن تدوم لأكثر من شهرين، ناهيك عن المدة التي ستضيع في وضع البيان الوزاري وجلسات الثقة أمام مجلس النواب، ويرد درويش قائلاً "حكومة مكتملة الصلاحية لأسبوع أفضل من لا حكومة"، ومضيفاً "ستتمكن من اتخاذ قرارات مهمة لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال إنجازها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وربما يكون هذا المنطق هو الذي دفع رئيس الحكومة المكلف إلى تقديم تشكيلة أشبه ما تكون بـ "تعديل وزاري" على بعض الحقائب مثل الاقتصاد والطاقة بحسب التسريبات، ويؤكد درويش أن "البحث لا يزال يتموضع حول المسودة الأولى التي تقدم بها ميقاتي"، مضيفاً أن "الدخول في تشكيلة تحمل إعادة توزيع جذرية للحقائب ستؤدي إلى استحالة تشكيل حكومة، ومن هنا كانت ضرورة الانطلاق من الحكومة القائمة التي تمثلت فيها قوى سياسية قادرة على منحها الثقة في مجلس النواب".
ويقود ذلك إلى الحديث عن المساس ببعض الحقائب التي تمثل التيار الوطني الحر في حكومة تصريف الأعمال، إذ يؤكد درويش أن الرئيس ميقاتي لم ينطلق من خلفية الوزراء السياسية وإنما التعديل بسبب الأمور العملية والإنتاجية، كما أنه "منفتح على أي تعديل ممكن والتشاور بالأسماء اللبنانية صاحبة الكفاءة"، مكرراً أن "رئيس الحكومة يفاوض رئيس الجمهورية مباشرة وعلاقته ليست مع أي طرف آخر من المقربين، واللقاء مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل كان أثناء المشاورات النيابية الملزمة، وآنذاك أعلن باسيل عدم الرغبة في المشاركة بالحكومة، والسجال الذي حدث أخيراً لم يكن ميقاتي المسؤول عنه لأنه كان في موقع الرد، فهو من دعاة التهدئة لا التصعيد".
تأثير الفراغ
لا يقتصر تأثير الفراغ الحكومي على الملف السياسي وإنما هناك ملفات معلقة مثل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإقرار مسودة خطة التعافي الاقتصادي وإصلاح القطاع العام، ويقر درويش بأن مسودة خطة التعافي جاهزة إلا أن نقاشها وإقرارها رهن الاتفاق على ملفات أخرى موازية، لأنه "لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة وهناك أمور لا بد من إقرارها معاً، ولا يمكن فصل خطة التعافي عن توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإقرار الـ ’كابيتال كونترول‘ الضروري لاستمرار عمل المصارف في ظل اشتباك قانوني عالي المستوى، ولا يمكن إقرار خطة من دون تأمين موارد وإنجاز الإصلاحات في القطاعين العام والمصرفي".
ويلاحظ درويش أن "الحلول لم تنضج بعد وربما ستبقى عالقة ومؤجلة إلى حين انتخاب رئيس جديد للبلاد"، متخوفاً من تأثير فرضية الفراغ لأنه "سيؤدي إلى أيام صعبة على المواطنين".
الرئيس لن يخالف الدستور
وخلال الأيام الماضية سرت كثير من الإشاعات عن بقاء الرئيس ميشال عون في بعبدا إذا لم يتم تشكيل حكومة جديدة متوازنة، وهو ما نفاه النائب السابق المقرب من تحالف "8 آذار" أميل رحمة عبر حوار تلفزيوني، وأكد أن تشكيل أية حكومة أفضل من الوقوع في الفراغ، مشيراً إلى أن الرئيس ميشال عون لن يبقى في قصر بعبدا.