"كانت المدينة عبارة عن طابور من الأماكن المغلقة، يغادرها الناس باكراً ويعودون إليها في وقت متأخر، يجلسون أمامها ويلتقون فيها من أجل الوداع"، هذا ما قالته لولا، بطلة الرواية الرومانسية الكوميدية الجديدة للكاتبة سلون كروسلي التي تحمل عنوان "حكاية جماهيرية كلاسيكية" Cult Classic. تتابع لولا "إذا انتظرت لوقت كاف، فإن أي مكان سيصبح ثكنة لضحايا الرومانسية، ومتحفاً مترامي الأطراف للقصص الشخصية الصادمة".
تشهد رواية كروسلي ظهور قائمة طويلة من الرجال الذين واعدتهم لولا في السابق من حيث لا تحتسب، فتصادفهم في المطاعم ومنعطفات الطرق ضمن فترة زمنية لا تتجاوز الأيام تفصل بين اللقاءات، في البداية لم تفهم ما الذي يحدث، بدا الأمر وكأن تاريخها الغرامي برمته اجتمع في منطقة لا يتجاوز قطرها ثلاثة كيلومترات محيطة بشقتها الكائنة في مانهاتن، بغض النظر عن السبب إلا أن تلك المصادفات أثبتت أنها مفيدة، إذ ساعدت البطلة في الإجابة عن عدد من الأسئلة، ماذا لو لم تعقد خطوبتها على الرجل الذي كانت تسميه "بوتس"، أو ذلك الذي يشبه بيغ، حبيب شخصية كاري في مسلسل "الجنس والمدينة"، ماذا لو لم تنفصل عن ذلك الذي كان يرتدي كنزات طويلة وكانت علاقتها الجنسية به رائعة دائماً، ماذا لو كان خيار إعادة ضبط حياتها متاحاً لها؟
تقول الكاتبة البالغة من العمر 43 سنة، وهي تتحدث إلي عبر تطبيق زوم أثناء جلوسها في مطبخ منزلها في نيويورك "سيكون الأمر ممتعاً للغاية إذا ما انهار سقف منزلي وتكوم خلفي... لم أشعر قط بأنني مركز القصص الغريبة، أعتقد أن الناس ينسون أنني بالتأكيد لم أعد اختراع هذا النمط الأدبي"، تذكر أسماء قديرة أخرى في مجال مقالات السيرة الذاتية القصيرة المأساوية، مثل ديفيد راكوف ونورا إيفرون وديفيد سيداريس. وتضيف "[أكتب عن] الخبرات التي من الواضح أنها ساهمت في تكويني. إذا كان بإمكانك التفكير في 12 شيئاً مؤثراً في حياتك، فيمكنك فعل ذلك وعيناك مغمضتان. يستطيع أي شخص القيام بذلك. أعتقد فقط أنك تحتاج إلى توضيح ما إذا كانت هذه القصص مادة للتسلية فقط أم أنها تخبئ خلفها معنى أكبر، وهو أمر مضحك حقاً، لأن هذا أساساً هو حبكة رواية “حكاية جماهيرية كلاسيكية”".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يؤكد كشف مبكر للأحداث في الرواية عن أن لقاءات لولا لم تكن عرضية، ولكنها في الواقع نتاج ثقافة جماهيرية عن العافية تستثمر حال عدم اليقين الرومانسي الموجودة في الوقت الحاضر - شيء يشبه فيلم "إشراقة أبدية لعقل نظيف"، لكن من بطولة أيقونة التسويق لأسلوب الحياة الصحي، غوينيث بالترو. على كل حال وبغض النظر عن الحبكة، تستكشف رواية كروسلي تلك الحاجة شديدة المعاصرة إلى العثور على دلالة في كل تجربة، بمعنى أن الصدفة لا يمكن أن تكون مجرد صدفة، بل هي إشارة من الكون. ما مصدر هذا الدافع باعتقادها؟ تقول "إنه نابع من التركيز على الأنا نوعاً ما، أليس كذلك؟ أنت تقوم به لتعزيز واقعك، تكون كمن يقول "بالتأكيد هناك معنى لك ما يحدث لي!"، وهذه فكرة مجنونة، فأنت لست مركز كل شيء، لكن في هذه الحال أعتقد أيضاً أنها النسخة المعاصرة من الإيمان. كثير من الناس ليسوا متدينين، لكن أسهل شيء في العالم يمكن أن يؤمن به المرء هو القوى الأكبر منه، لذلك إذا لم يكن لديك نوع من الفلسفة في الحياة، وأنت تتجول من مدينة إلى أخرى وتستقل قطار الأنفاق أو أية وسيلة نقل أخرى يبدو الأمر مريحاً، وكأنه نوع جيد من الإيمان".
تبلغ رواية "حكاية جماهيرية كلاسيكية" ذروتها عندما توضح مدى الفوضى التي وصل إليها كثير منا، من الأمثلة على ذلك تصوير كروسلي لمباني نيويورك المغلقة والمليارديرات المجانين والمناخ الإعلامي الذي ينازع. تتكدس الشوارع بأشخاص في العشرينيات والثلاثينيات من العمر برواتب متدنية لدرجة يائسة، ينشغل جميعهم بتصفح صور أحبائهم السابقين وأصدقائهم اللدودين على "إنستغرام" و"فيسبوك". تستطيع كروسلي تخيل كتابة روايتها في عصر مختلف، لكنها تقول إن علاقتنا الحديثة بوسائل التواصل الاجتماعي عنصر أساسي فيها. توضح "خبرتي التي أستطيع تقديمها في وسائل التواصل الاجتماعي لا تتجاوز مرحلة “أهلاً بكم إلى هذه المحاضرة”، لكنني أشعر أن الإنترنت يغذي أسوأ دوافعنا... لو كنا نعاني ضعف التركيز قبل الإنترنت، فقد زادت هذه الأخيرة الطين بلة. إذا كان لدى الناس ميول معينة، فقد جعل الإنترنت وصولهم إليها أسهل. إذا كنت ميالاً إلى عدم القدرة على التسامح مع الماضي، أو الرغبة في الحفاظ على وسيلة للوصول إلى شريكك السابق أو كل شخص خرجت معه في موعد غرامي في الماضي، فأنت ببساطة غارق في هذا الصديد المقزز لقصص حبك السابقة، بسبب وسائل التواصل الاجتماعي".
كما يغذي عنصر الرعب التكنولوجي هذا بالذات نوع الأعمال الأدبية الذي تنتمي إليه “حكاية جماهيرية كلاسيكية”، الذي يعد نوعاً أدبياً رمادياً. إنه يوصف في بعض الأوساط بالخيال العلمي، وهو وصف خاطئ. بالتأكيد هو نوع خيالي في بعض الأحيان، ولكن ليس لدرجة خروجه عن الواقع. إنه مفعم بالحيوية ودرامي ومضحك، يظهر في بعض الأحيان بمظهر أعمال المؤامرة المثيرة، وأحياناً أخرى ككوميديا رومانسية، لكن هل يمكننا تسميته خيالاً علمياً رغم ذلك؟ ترسم كروسلي تعبيراً مستنكراً على وجهها وتقول "بالنسبة إلي إنه واقعي للغاية...
لا أعتقد أن القفزة كبيرة لهذا الحد... أنت تأخذ موضوع ثقافة العافية، وبدلاً من التركيز على مساحيق التداوي الطبيعي وحركات اليوغا، فإنك تركز فقط على السيطرة على الجسد التي يريد الجميع امتلاكها بشكل سريع ببساطة، أو الأشخاص الذين يبيعونك طرقاً مختصرة لمساعدتك في تجاوز ماضيك. لا أعتقد أن هذه قفزة هائلة [من الواقع الذي نعيشه الآن]. إنه ليس فيلم الخيال العلمي”تقرير الأقلية”".
أخبرت كروسلي أنني بعدما انتهيت من قراءة الكتاب رحت أتساءل عن اضطرابات عصبية شديدة المعاصرة. يبدو الأمر كما لو أننا نطلع على التفاصيل الحميمة لحياة عديد من الأشخاص الآن، الأصدقاء والعائلة والمشاهير والغرباء، وكل ما يمكننا فعله هو أن نسأل لماذا لا نعيش أياً من تلك الحيوات؟ وإذا لم تكن حياتنا كذلك، فما السبب؟ لماذا نرتبط بعلاقة غرامية مع هذا الشخص؟ لماذا يرتبط هو بنا بالمقابل؟
تسأل لولا نفسها في مكان ما من “حكاية جماهيرية كلاسيكية”، "هل هذا هو محور علاقاتي الرومانسية الدرامية كلها؟ نسخة مخففة من حياة تلفزيونية؟" ببساطة يبدو جميعنا في قمة اليأس عندما نعيش في حالة عدم اليقين، ننكأ الندوب الموجودة فقط لأننا اخترنا العبث بها في المقام الأول. إذاً، أسأل كروسلي، هل نطرح أسألة أكثر من اللازم بشكل أساسي؟
تجيب "باعتقادي، نحن لا نطرح ما يكفي من الأسئلة الصحيحة... نحن نوجه فضولنا إلى أماكن غريبة وسطحية، في حين يجب أن نتساءل أكثر [حول] الأساسيات المكونة لأي شخص، من أنت وماذا تريد وما الذي يريده غيرك. أقصد أن هذه هي الأمور التي يجب أن يكون لدينا فضول نحوها. لا بد أن أضيف أن صدور هذا الكلام عن شخص مثلي يعد ترفاً، بصفتي كاتبة بنت مسيرتها برمتها على مراقبة الآداب الاجتماعية والتفاصيل الدقيقة، لكن هذه الأشياء ممتعة بالنسبة إلي! لا أعتقد بالضرورة أنه يجب عليك تحويل شخص ما إلى محكمة الجرائم لأنه ترك منشفة مبللة على السرير".
في الواقع، تعيد التفكير وتستطرد قائلة "ربما ينبغي محاكمتهم على ذلك. أن نقول لهم مثلاً “أين تربيتم؟ في حظيرة؟”"
رواية “حكاية جماهيرية كلاسيكية” متاحة الآن عبر الموقع الإلكتروني لدار بلومزبري للنشر.
© The Independent