لم يكن رد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على رسالة المرجع الشيعي كاظم الحائري المقيم في إيران حول اعتزاله العمل المرجعي ودعوته مقلديه الذين يضم أنصار التيار الصدري عدداً غير قليل منهم متوقعاً لدى عديد من المراقبين والمتابعين للشآن السياسي العراقي، فإشارة الصدر إلى اعتزاله العمل السياسي وإغلاق مكاتبه باستثناء عدد قليل منها أمر ليس جديداً في سياسة الصدر في الاعتراض على الملفات السياسية المعقدة، إلا أن المفاجئ في هذا الأمر هو اقتحام القصر الجمهوري من قبل أنصاره بعد أقل من ساعتين من إعلان اعتزاله ليكون رداً غير متوقع على رسالة الحائري التي، بحسب الصدر، تمت بضغوط إيرانية.
الصدر يرد على خامنئي
أعطى قرار الصدر إشارة واضحة لأتباعه عن طريق اقتحام باقي مؤسسات الدولة في رد واضح على محاولة المرشد الإيراني علي خامنئي ابتلاع مرجعية النجف، وتأكيد الصدر أن النجف هي أساس المرجعية الشيعية وانطلاقها ليتحول الصراع مع إيران بشكل مكشوف بعد أن كان الحديث عن "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران منذ بدء الأزمة السياسية التي تشهده البلاد بعد الانتخابات البرلمانية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من هذه التطورات التي تحولت إلى عنف مسلح بين أنصار الصدر وميليشيات "الإطار التنسيقي" في المنطقة الخضراء ومعظم المدن الجنوبية من العراق، فإن الأمر لا يعني ترك الصدر العملية السياسية ونهاية النظام السياسي العراقي.
البصمة الإيرانية
ورأى الباحث في الشأن السياسي علي البيدر أن اعتزال الصدر العمل السياسي جاء بعد وجود بصمة إيرانية بهذا الملف، مرجحاً أن يعود الصدر بشكل أقوى للعمل السياسي. وقال البيدر إن "قرار الصدر جاء بعد أن أقدم السيد الحائري على خطوة مغادرة المشهد الديني وتوجيه أتباعه باللجوء إلى المرشد الإيراني علي خامنئي ما شكل ضربة للسيد مقتدى الصدر". وأشار إلى أن الصدر رد على الضربة بتوجيه أتباعه بطريقة غير مباشرة باللجوء إلى هذا الخيار وأراد أن يكسب مزيداً من التأييد والوقت، مبيناً أن ما حصل حالة طبيعية داخل المشهد العراقي الذي يحفل بكثير من التناقضات.
النتائج لصالح الصدر
وتوقع بيدر أن يجلس الصدر على طاولة المفاوضات بعد أن يضمن أن تكون نتائجها لصالحه، لافتاً إلى أن تداعيات ما جرى تتوقف على موقف الصدر ومدى تمكن المؤسسات الأمنية من ضبط المشهد، فالحكومة مكلفة القيام بواجبها على أفضل وجه من خلال فرض سيطرتها على الأحداث، ومشيراً إلى أن حدوث العكس سيعني عدم السيطرة على الجماهير ورد فعلها، ورجح أن يعود الصدر للعملية السياسية بشكل أقوى من المراحل السابقة.
أزمة خطرة
من جهته، رأى مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن العراق أمام أزمة كبرى قد تؤدي إلى حرب أهلية. وقال فيصل إن "ما يحصل هو بسبب المشكلات الكبرى التي عاناها العراق خلال السنوات الـ19 الماضية من انهيار البنى التحتية والبطالة والفقر، تسببت بها القيادات الحزبية التي قادت البلد، وهي لا تعترف بالأخطاء والفشل في إدارة الدولة"، مشيراً إلى أن العراق أمام أزمة كبرى، وربما تقود إلى حرب أهلية وعنف ودمار للمؤسسات والبنى التحتية، وبين أن البرلمان انتهى، وكان من المفترض أن يؤدي واجباته الدستورية خلال 30 يوماً من أول جلسة نظامية للبرلمان، إلا أن الوضع ما زال على حاله بعد 11 شهراً.
القرار بيد "الاتحادية"
وتابع فيصل أن بإمكان المحكمة الاتحادية، وفق المادة 59 من الدستور التي تشير إلى أنه في حال عدم أهلية المؤسسات العراقية، أو فشلها، تذهب الحكومة أو المؤسسات العراقية لحلها، مؤكداً أن تجاوز البرلمان الاستحقاقات الدستورية يعني انتهاكه الدستور، الأمر الذي يعطي المحكمة الاتحادية حق حل هذه المؤسسة التي لم تعد قادرة على العمل. وأوضح فيصل أن الحل الوحيد حالياً هو حل البرلمان وتشكيل حكومة طوارئ أو حكومة موقتة، مشيراً في الوقت نفسه، إلى عدم وجود جدوى بالعودة إلى طاولة الحوار من دون برنامج جدي لمعالجة الكوارث ومراجعة الأخطاء السابقة.