تحل السيارات وأجهزة التلفزيون والهواتف الذكية الصينية محل الواردات الألمانية والكورية الجنوبية والأوروبية الأخرى في روسيا حيث أعيد تشكيل سوقها من خلال العقوبات ونزوح العلامات التجارية في أعقاب هجوم فلاديمير بوتين على أوكرانيا. والنتيجة، كما تقول "بلومبيرغ"، هي قلب التجارة، إذ تسعى روسيا إلى عزل نفسها عن المزيد من الاضطرابات من خلال التركيز على السلع القادمة من البلدان التي لم تنضم إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. كما تعيد موسكو صياغة القواعد للسماح لصندوق ثروتها السيادية بالاستثمار في عملات الصين والهند وتركيا بعد عقوبات منعت مشتريات اليورو والدولار.
وكانت روسيا قد اشترت 6.7 مليار دولار من البضائع في يوليو (تموز) من الصين، بزيادة أكثر من الثلث عن الشهر السابق، وبزيادة أكثر من 20 في المئة سنوياً، بحسب موقع "روسيا بريفينغ". وعلى النقيض من ذلك، ارتفعت وارداتها من روسيا، التي ارتفعت في مارس (آذار) ومايو (أيار)، بشكل طفيف، الشهر الماضي، بعد انخفاض في يونيو (حزيران)، وفقاً لبيانات من الصين.
ويبدو أن روسيا بدأت الآن في عملية استيعاب الخسارة الكاملة لواردات الاتحاد الأوروبي، وكانت روسيا قد اشترت ما قيمته 6.7 مليار دولار من البضائع من الصين في شهر يوليو حيث تتكيف سلاسل التوريد في أعقاب العقوبات الغربية، وتم إصدار البيانات من قبل وزارة الجمارك الصينية. وارتفعت الشحنات الصينية إلى روسيا بنسبة 22.2 في المئة في يوليو مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، مسجلة أول نمو منذ مارس من هذا العام. وبشكل عام، بلغت التجارة الثنائية بين الصين وروسيا 97.71 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022، بزيادة قدرها 29 في المئة على أساس سنوي، بزيادة تزيد على 30 مليار دولار اعتباراً من عام 2021.
وكان متوسط صادرات الاتحاد الأوروبي إلى روسيا قد بلغ 101 مليار دولار في عام 2021، بمتوسط 8.4 مليار دولار شهرياً. ومع وصول صادرات الصين إلى روسيا إلى 73 مليار دولار، العام الماضي، توضح الزيادة الصينية في الصادرات إلى روسيا أن روسيا تمكنت من استيعاب حوالى 10 في المئة من إجمالي خسائر واردات الاتحاد الأوروبي من الموردين الصينيين في فترة الأشهر الأربعة من مارس إلى يوليو. ونظراً لارتفاع الواردات الروسية من أسواق أخرى مثل البرازيل والهند وفيتنام هذا العام، ويجري تطوير طرق جديدة لسلسلة التوريد، فمن المتوقع أن يزداد هذا الاتجاه، ويمكن تقدير أن حوالى 25 إلى 30 في المئة من واردات روسيا لعام 2021 من الاتحاد الأوروبي قد تمّ استبدالها الآن من مصادر أخرى، ومع السماح بالواردات الموازية اعتباراً من أوائل شهر يوليو، يبدو أنه من حيث حجم المستهلك، ستكون روسيا قادرة على استيعاب خسارة واردات الاتحاد الأوروبي بحلول أواخر عام 2024، على الرغم من أن بعض أجزاء المكونات الفنية ستستغرق وقتاً لاستبدالها إما من المنتجات المحلية الروسية أو مصادر بديلة. ووفقاً للمفوضية الأوروبية، تصدرت الصادرات الرئيسة للاتحاد الأوروبي إلى روسيا، العام الماضي، الآلات والمعدات (19.7 في المئة)، والسيارات (تسعة في المئة)، والأدوية (8.1 في المئة)، والمعدات والآلات الكهربائية (7.6 في المئة)، والبلاستيك (4.3 في المئة)، وكلها سلع يسهل نسبياً على روسيا استبدالها بموردين بديلين.
تجاوز مشكلات تحويل الأموال
كما سارع المستوردون الروس والموردون الصينيون إلى التغلب على مشكلات تحويل الأموال باستخدام ودائع اليوان الصيني، وتمتلك روسيا بعضاً من أكبر احتياطيات الرنمينبي من العملات الأجنبية في العالم، حيث يتم الاحتفاظ بـ 17 في المئة من إجمالي الاحتياطيات الأجنبية الروسية بالعملة، كما تم تشجيع المواطنين الروس على إنشاء حسابات إيداع بالرنمينبي، بينما انتعشت مدفوعات السلع بالعملات المشفرة في التجارة الثنائية. وكانت وزارة المالية الروسية قد أعلنت في يوليو 2021، خفض حصتها من الدولار الأميركي في صندوق الثروة الوطنية للبلاد إلى الصفر.
وكان قد بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وروسيا 146.87 مليار دولار في عام 2021، وهو رقم قياسي بحد ذاته، ويكاد يكون من المؤكد أن يتم كسر هذا الرقم هذا العام، وكان الرئيسان فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ قد أعلنا عن رغبتهما في رؤية الأرقام تصل إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2024. وإضافة إلى التعاون في مجال الطاقة، توسعت التجارة بين الصين وروسيا لتشمل قطاعات أخرى غير متعلقة بالطاقة مثل الأغذية والزراعة ومركبات الطاقة الجديدة، وغيرها من المجالات مثل السلع البيضاء. كما حققت السيارات المصنعة في الصين على سبيل المثال زيادات ضخمة في حصة السوق في روسيا خلال العامين الماضيين، وبشكل عام، نمت واردات روسيا بنسبة 49.3 في المئة في يوليو، بعد زيادات بلغت 56 في المئة في يونيو و79.6 في المئة في مايو.
ويقول معهد "مركاتور" لدراسات الصين "MERICS" إنه ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، كانت الصين حريصة على الحفاظ رسمياً على "حيادها المؤيد لروسيا"، ومع ذلك، فإن آلة الدعاية في بكين تعمل بجد لتضخيم الروايات الروسية بما يتماشى مع "صداقتها الأخيرة بلا حدود". ورفضت بكين فرض أي عقوبات على موسكو، وبعد فترة تعديل أولية تميزت بفك الارتباط الاقتصادي، لم تمنع بكين من تعميق العلاقات الاقتصادية مع روسيا. وفي الوقت نفسه، تهدف الصين إلى تقليل تعرضها لعقوبات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتطالب بأسعار تصدير عالية لجارتها الشمالية، بخاصة للمنتجات ذات الأهمية الاستراتيجية مثل أشباه الموصلات.
المخاوف من العقوبات
وبحسب المعهد، فقد شهدت الواردات الصينية من روسيا، التي تتكون بالكامل تقريباً من السلع، انخفاضاً قصيراً بعد 24 فبراير (شباط) لكنها انتعشت بعد ذلك، أولاً بسبب ارتفاع الأسعار الذي أحدثته الحرب ثم نمو حجم الواردات، في تناقض قوي مع الانخفاض الحاد في واردات مجموعة "السبع". ويبدو أن المخاوف من العقوبات التي حدّت في البداية من حجم الواردات، بخاصة النفط، مدعومة بصفقات مالية كبيرة يحتمل أن تكون معرضة لخطر عقوبات ثانوية، قد تلاشت، في حين لعبت أسعار النفط والغاز الروسية المنخفضة دوراً في جذب المزيد من المشتريات من الصين. وتجاوزت الآن ألمانيا كأكبر مشترٍ منفرد للطاقة الروسية، كما تلحق الاقتصادات الناشئة الكبيرة الأخرى بالركب بسرعة. وبالمقارنة مع الفترة المزدهرة في أبريل (نيسان) ومايو، تباطأ حجم الواردات في يونيو إلى حد ما. وقد يكون هذا بسبب تباطؤ الطلب من تباطؤ الاقتصاد الصيني وبعض القيود على الإنتاج والتسليم مع لدغة العقوبات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت الصادرات الصينية إلى روسيا قد تراجعت في أعقاب اندلاع الحرب، لكنها انتعشت منذ ذلك الحين. وعلى عكس صادرات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كان هذا التباطؤ الأولي على الأرجح بسبب ضعف الاقتصاد الروسي، ومع ذلك، تفوقت الصين على جميع أقرانها من مجموعة "العشرين" من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بما في ذلك البرازيل والهند. وعلى الرغم من الاشتباه في أن تركيا تحايلت على العقوبات، كانت صادرات المواد الكيماوية والبلاستيك وأشباه الموصلات فقط هي التي خالفت الاتجاه التنازلي. ومع ذلك، كانت الصين انتقائية في تلبية احتياجات روسيا التكنولوجية لتجنب التعرض لعقوبات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
تدفق أشباه الموصلات الصينية لروسيا
وتعدّ أشباه الموصلات مثالاً جيداً لما يحدث عندما يلبي الطلب الروسي العالي القدرة الصينية والثقة القانونية في ما يتعلق بالعقوبات. فبعد انخفاض قصير، ارتفعت شحنات الصين من الدوائر المتكاملة وغيرها من منتجات أشباه الموصلات بشكل كبير منذ أبريل. وكانت الصين قد تدخلت لملء الفجوة التي خلفها انخفاض بنسبة 90 في المئة في الصادرات العالمية إلى روسيا.
وشهدت قيم الصادرات نمواً مذهلاً، ما يعكس جزئياً نقطة الأساس المنخفضة قبل الحرب، وربما تعكس حقيقة أن هذا لم ينعكس بالكامل في أحجام الصادرات وتصدير منتجات أكثر تقدماً من قبل الصين للتعويض عن انسحاب دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فضلاً عن استفادة المنتجين الصينيين من قوة السوق وزيادة الأسعار نتيجة لذلك. كما لعب التضخم العام والزيادات في الأسعار في سوق أشباه الموصلات دوراً.
وبعد أن قوبلت الدعوات الروسية للحصول على رقائق صينية للبطاقات المصرفية المرتبطة بنظام الدفع بالبطاقات الروسية لتحويل الأموال إلكترونياً، في أوائل أبريل ببعض التردد الأولي، أكدت الصين مراراً وتكراراً دعمها القوي للاتحاد الروسي، في حين أن صانعي الرقائق الصينيين، مثل المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات الصينية SMIC، الذين يعتمدون بشكل مباشر على معدات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانوا مترددين في المشاركة، فإن الشركات التي تعيد تجميع الرقائق ولا تتعرض لأسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد استوعبت الركود. وقامت الشركات المصنعة للوحات الأم الروسية بتعديل منتجاتها لتلائم الرقائق الصينية الصنع (التي لا تزال تُصنع بمعدات المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات)، في حين أن هذه الرقائق أبطأ وأكثر كثافة للطاقة من نظيراتها منIntel وAMD، إلا أنها كافية لتصفح الويب الأساسي والعمل المكتبي. ومع ذلك، فإن الصادرات الصينية لا تفي بالاحتياجات الروسية ما دفع موسكو إلى الحصول على الرقائق الدقيقة من الغسالات وغيرها من التقنيات التجارية لإعادة استخدامها في أنظمة الأسلحة.