بعد صيف من الحملات الانتخابية، وشبه الفراغ في السلطة، وسط أزمة غلاء معيشة في المملكة المتحدة، ينتهي السباق إلى رئاسة الحكومة البريطانية الجمعة، الثاني من سبتمبر (أيلول)، بينما تبدو ليز تراس الأوفر حظاً في مواجهة ريشي سوناك.
ولم تؤد التجمعات واستطلاعات الرأي سوى إلى تأكيد الفارق الكبير بين وزيرة الخارجية (47 سنة) ووزير المال السابق (42 سنة) داخل حزب المحافظين، الذي سيصوت أعضاؤه بالبريد أو عبر الإنترنت قبل الساعة 16.00 ت غ.
وستعلن النتيجة ظهر الإثنين المقبل، وما لم تحدث مفاجأة، ستصبح ليز تراس رابع رئيس للحكومة منذ الاستفتاء على بريكست، وثالث سيدة تشغل هذا المنصب بعد مارغريت تاتشر وتيريزا ماي.
وستتولى المنصب خلفاً لبوريس جونسون، الذي أجبر على الاستقالة في أوائل يوليو (تموز) بسبب سلسلة فضائح. وينتظر البريطانيون ذلك بفارغ الصبر لمعالجة سريعة لارتفاع رسوم الكهرباء، التي تخنق المنازل والمدارس والمستشفيات والشركات، مما يؤدي إلى نزاعات اجتماعية غير مسبوقة منذ سنوات تاتشر (1990-1979).
هزيمتها ستكون مفاجأة كبيرة
قال جون كيرتس المحلل السياسي في جامعة "ستراثكلايد"، لوكالة الصحافة الفرنسية، "ستكون مفاجأة كبيرة جداً جداً إذا لم تفز"، مشيراً إلى "التقدم المتراكم في استطلاعات الرأي" وقدرة تراس على "جذب أعضاء حزب المحافظين سياسياً وتقديم رسالة واضحة لهم".
وتراس السياسية المخضرمة، التي تنتقل من منصب وزاري إلى آخر منذ عشر سنوات، نجحت في إقناع قاعدة الحزب بوعد بتخفيضات ضريبية ضخمة وتبني لهجة قاسية جداً ضد النقابات. وأدى ذلك إلى تشبيهها بمارغريت تاتشر أيقونة التيار المحافظ، على الرغم من أن منافسها يعمل على انتزاع هذا الإرث عبر تقديم نفسه كمدافع عن الحذر في الميزانية.
وواجه ريشي سوناك، وهو حفيد مهاجرين هنود قد يصبح أول رئيس وزراء غير أبيض في البلاد، إذا حدثت مفاجأة، صعوبة في تغيير صورته كتكنوقراطي ثري وبارع في إلقاء الدروس وخائن تمكن من تسريع سقوط بوريس جونسون باستقالته من الحكومة في أوائل يوليو.
الأسف لرحيل جونسون
وما زال جزءاً من قاعدة الحزب يشعر بالأسف لرحيل جونسون. وتتمثل هذه القاعدة بما بين 160 ومئتي ألف شخص، أي 0.3 في المئة من السكان، يشكل الذكور والمسنون والبيض نسبة أعلى من المعدل، سيقررون من سيكون رئيس الوزراء المقبل.
ولم يكشف الحزب يوماً عددهم الدقيق، لدرجة أن موقعاً إخبارياً يلاحقه قضائياً لمزيد من الشفافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيقدم بوريس جونسون، الثلاثاء، استقالته إلى الملكة إليزابيث الثانية بمقر إقامتها الصيفي في بالمورال في اسكتلندا، في سابقة للملكة البالغة من العمر 96 سنة، التي تواجه صعوبة في التنقل ولن تسافر إلى لندن.
وسيتبعه خلفه، الذي سيكون رئيس الحكومة الـ15 في عهد الملكة المستمر منذ 70 عاماً، قبل أن يعود إلى لندن لإلقاء خطابه الأول أمام مقر الحكومة في داونينغ ستريت، ويشكل حكومته ويواجه زعيم المعارضة كير ستارمر للمرة الأولى الأربعاء في البرلمان.
ويبدو أن هذه المهمة ستكون صعبة في ظل انقسام الغالبية بسبب الفضائح، وفي بلد يواجه تطلعات استقلالية لاسكتلندا وخلافات ما بعد بريكست في إيرلندا الشمالية.
أزمة تكلفة المعيشة
لكن الضغط سيكون كبيراً للعمل بسرعة، واتخذت أزمة تكلفة المعيشة منعطفاً دراماتيكياً مع الإعلان عن زيادة بنسبة 80 في المئة بتكلفة الطاقة المنزلية في أكتوبر (تشرين الأول) مما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم، الذي يبلغ اليوم أكثر من 10 في المئة، إلى 22 في المئة وفق أسوأ التوقعات.
ومن وسائل النقل إلى عمال البريد وعمال الموانئ والمحامين، استمرت الإضرابات في الانتشار.
ووعدت ليز تراس بتخفيضات ضريبية ضخمة بدلاً من مساعدات مباشرة، وقالت إنها تريد الحد من الحق في الإضراب.
ووعدت، الخميس، على الرغم من كل شيء "بالدعم الفوري" للأسر التي تواجه صعوبات، لكنها لم تذكر تفاصيل، وألغت في اللحظة الأخيرة مقابلة وعدت بها مع شبكة "بي بي سي".
وكان بوريس جونسون غائباً خلال الصيف، إذ أمضى إجازة في سلوفينيا ثم في اليونان، ورفض استبعاد العودة إلى السياسة ويبدو وجوده مربكاً. ووعد الخميس بأن يقدم "الدعم الكامل" لخليفته.
"المرأة الحديدية"
وعلى الرغم من أنها أزيحت عن السلطة قبل 30 عاماً، وتوفيت قبل حوالي عشر سنوات، كانت مارغريت تاتشر حاضرة في السباق إلى داونينغ ستريت، ما يعكس الإعجاب الذي لا تزال تحظى به "المرأة الحديدية" داخل حزب المحافظين البريطاني.
وكانت تاتشر مثيرة للانقسام الشديد، وأصبحت أيقونة لدى المحافظين لسحقها النقابات من أجل تطبيق سياساتها الليبرالية، وفازت بحرب فوكلاند عام 1982 ضد الأرجنتين، كما فازت بثلاث انتخابات تشريعية.
وضع استطلاع للرأي أجراه معهد يوغوف بين أعضاء حزب المحافظين عام 2019 تاتشر في المرتبة الثانية بين قادتهم الذين يحظون بأكبر قدر من الاحترام مع 93 في المئة من الآراء الإيجابية، خلف ونستون تشرشل مباشرة، كما وصف 56 في المئة من أعضاء الحزب أنفسهم بأنهم "تاتشريون".
يرى تيم بايل الخبير السياسي في جامعة الملكة ماري في لندن أن التغير الأخير لحزب المحافظين، الذي بات يعتبر "معادياً لأوروبا" بشكل متزايد، يعزز هالة "المرأة الحديدية" التي وقفت في وجه بروكسل وطالبتها في 1979 بأن تعيد إليها "أموالها".
وقال بايل "هناك أيضاً الكثير من الحنين إلى الطريقة التي غيرت بها البلاد، لقد سحقت النقابات وخفضت الضرائب على الأغنياء وحسنت تملك المساكن"، مشيراً إلى أنه "لا مفر من أن يراها (المحافظون) رمزاً لعصر ذهبي".
وقال جون كورتيس الخبير السياسي في جامعة "ستراثكلايد" إن الوضع "يشبه الى حد كبير ذلك الذي واجهته مارغريت تاتشر في 1979: تضخم قوي جداً ونزاعات اجتماعية" مع إضرابات غير مسبوقة منذ حقبة "المرأة الحديدية".
مواقف أكثر يمينية
تم بسرعة تشبيه ليز تراس، التي تعد الأوفر حظا لتصبح المرأة الثالثة على رأس حكومة في بريطانيا، بمارغريت تاتشر وقد سبق أن لعبت دورها في مسرحية عندما كانت طفلة.
هذا التشبيه عززته مواقف أكثر يمينية في الحزب (دعوة إلى التبادل الحر وخفض الضرائب ورغبة في الحد من حق الإضراب)، كما جاءت صور لتذكر بمارغريت تاتشر حين ظهرت وهي تضع قبعة فرو حين زارت موسكو أو على برج دبابة في إستونيا أو شاركت في مناظرة مرتدية قميصاً أبيض مع عقدة كبيرة جداً.
وقالت تراس "أي امرأة في السياسة تقارن بتيريزا ماي أو مارغريت تاتشر، لأنه ليس هناك عدد من النساء مساو للرجال في السلطة"، مشيدة في الوقت نفسه برئيسة الوزراء السابقة التي توفيت عام 2013.
سوناك يقدم نفسه على أنه "تاتشري"
حرصا منه على تصحيح صورته كمعتدل لا يثير حماسة قاعدة الحزب، توجه ريشي سوناك في نهاية يوليو إلى غرانثام، مسقط رأس مارغريت تاتشر في شرق إنجلترا.
كتب في "ديلي تلغراف"، صحيفة المحافظين، لكي يقدم نفسه على أنه "تاتشري" ووعد بتطبيق "إصلاحات تاتشرية جذرية ستؤدي إلى تحفيز النمو".
كثف حلفاؤه وكذلك وزراء سابقون في حكومة تاتشر المداخلات لعرض برنامجه، خفض التضخم قبل أي خفض للضرائب، باعتباره الأقرب إلى عقيدة الموازنة لتاتشر. ذكروا بأن رئيسة الوزراء السابقة رفعت أولاً الضرائب ونددوا بالاقتطاعات الكبرى للضرائب الموعودة من قبل ليز تراس باعتبارها خطيرة على المال العام.
وقال سوناك، لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إن تاتشر "كانت مستعدة لكي تقول ما لا يريد الناس بالضرورة سماعه، هذا ما أتمسك به، لا أريد أن أقطع وعودا لا يمكنني الوفاء بها".