عندما يتعلق الأمر بالروبوتات، سرعان ما يصبح الخيال العلمي واقعاً علمياً. إذ تصبح النقاشات التي تنبأ بها اسحق عظيموف وكتّاب آخرون مشابهين في رواياتهم، وشيكة الحدوث بشكلٍ متزايد مع تسارع وتيرة الثورة الاقتصادية.
قبل أيام، انضمّت شركة "أوكسفورد ايكونوميكس" Oxford Economics إلى هذا الرأي عبر نظرة مثيرة للقلق إلى التأثير الاقتصادي لاستخدام الروبوتات. وقد أوردت أنّ كلّ نموذج صناعي سيلغي ما معدّله 1,6 من الوظائف مع فقدان 20 مليون وظيفة عالمياً بحلول العام 2030.
وليست الصناعة وحدها المستهدفة، وقد ظهرت الروبوتات فيها منذ فترة ليست جديدة. ثمة عوامل على غرار التطوّر في التعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي والهندسة الإلكترونية، إضافة إلى الأموال الهائلة التي تشتثمرها كبريات الشركات التكنولوجيّة، تسرّع عمليّة دخول الروبوتات إلى قطاع الخدمات.
ويشكّل هذا أمراً في غاية الأهمية لأنّ الوظائف التي من المتوقّع أن تحلّ فيها الروبوتات مكان الإنسان، في النقل والبناء والصيانة والعمل المكتبي والإداري، هي أدوار كان يضطلع بها عادةً العمّال الخارجين من القطاع الصناعي.
ويشير تقرير "أوكسفورد ايكونوميكس"، على غرار محللين آخرين، إلى أنّ زيادة الروبوتات ستعزّز النموّ والإنتاجية، ربما بشكلٍ مطّرد وتصاعدي. ومن شأن زيادةٍ قدرها 30 في المئة في التركيبات الآلية بحلول العام 2030 أن تنتج 5 تريليون دولاراً (3,9 تريليون جنيه استرليني) إضافية على إجمالي الناتج المحلي في ذلك العام، كما يفيد التقرير.
وتكمن المشكلة مع هذه "الحصّة الروبوتية" في أنّه لن تجري مشاركتها بالتساوي. ومن شأن ذلك أن يفاقم الانقسامات الاقتصادية الصارخة التي تسبّب مشاكل واسعة النطاق وتؤدي إلى نتائج سياسية خبيثة في بلدان على غرار بريطانيا والولايات المتحدة.
ويقورد التقرير أنّ المناطق الأشدّ فقراً ستتأثّر بصورةٍ غير متكافئة بالتكلفة المتأتية من زيادة الروبوتات العاملة. في المقابل، ستتجه فوائد الأرباح المالية والعمالة نحو المناطق الأكثر ازدهاراً.
وبرزت ردود فعل حول ذلك، وعلت أصوات تدعو صانعي السياسات إلى تطبيق عملية فرملة بشأن مسار الأتمتة. غير أنّ المحاولات لكبح موجة الروبوتات كانت عديمة الجدوى، وهي تشبه إلى حدّ ما القصّة عن محاولة الملك كنوت فرض أوامره على مياه المدّ والجزر.
حتّى لو كان ذلك ممكناً، سيثبت في نهاية المطاف أنّه سيأتي بنتائج عكسية وسيكون كمن يحاول قطع أنفه لإنقاذ وجهه (وهو أمر من المسلّم أنّ بريطانيا والولايات المتحدة تبرعان فيه).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كل دولة تسعى إلى كبح جماح الروبوتات في حين يواصل الآخرون التقدّم في صناعتها بانتظامٍ، ستعاني باستمرار فقدان الوظائف في المناطق الأكثر فقراً عِبْرَ إثقال كاهل صناعاتها بعائقٍ تنافسي هائل. وبالتالي، لن تتوفّر فوائد تُذكر من سياسة النأي عن ثورة الروبوت، كي يُصار إلى استخدامها في التخفيف من تأثيرات تلك الثورة.
لذا، يتوجّب على صنّاع السياسات أن يساعدوا المناطق التي تستعدّ لمواجهة وطأة العاصفة المحدقة عبر ضمان تقاسم أكثر عدالة للحصص.
في المملكة المتحدة، لا يزال عدد من المناطق الأكثر تأثراً يعاني تأثيرات موجة الابتعاد عن التصنيع التي حدثت أثناء حكم مارغريت تاتشر. وفي الخريطة التي وضعتها "أوكسفورد ايكونوميكس" لتبيان مناطق الخطر، تتلوّن مناطق ويست ميدلاندز وجنوب ويلز وشرق يوركشاير بالأحمر القاني، ما يعني أنها الأكثر عرضة للخطر.
واستيقظ بعض خلفاء تاتشر على واقع يفيد بأنّ المقاربة المعتمدى على الحرية الاقتصادية لتعزيز النتائج، لم تاتِ بثمارها، وأدّت دوراً في عدم الاستقرار الذي تعانيه المملكة المتحدة.
ومثلاً، نملك الآن اقتراحاً من مؤسّسة "نورثرن باور هاوس" يهدف إلى تعزيز الاقتصاد في شمال انكلترا، ومشاريع بنى تحتية مثل خطّ القطارات السريع. ويشكّل الاستثمار في البنى التحتية أحد الافكار التي تضعها "أوكسفورد ايكونوميكس" للمناطق المتأثرة سلبياً بتزايد موجة الروبوتات، فضلاً عن أنّ استثمار المال في تطوير العمّال الماهرين سوف يتطلّب التأقلم مع الاقتصاد الجديد، بمعنى تطوير حدائق العلوم والاستفادة من نظام الضرائب (لاسيما وأنّ مالكي رؤوس الأموال سيستفيدون بشكلٍ رائع من ذلك العالم الجديد الشجاع).
ولكن إن كنتم ستنفقون المال على البنى التحتية، فستودّون أن تكون تلك فعلاً في غاية الجودة. وليس واضحاً تماماً إن كان القطار السريع مثل صالح عنها.
ومع ذلك، سيتطلب الأمر اتباع نهج صارم من قبل صانعي السياسات إذا كانت الغاية من تلك الثورة تجنب بعض النتائج الخبيثة التي تصورها كُتّاب روايات الخيال العلمي الذين اشتغلوا على ذلك الخيط بما يخدم أعمالهم.
أتتصوّرون وجود وزير دولة للروبوتات؟ ليست بالفكرة السيئة، مع أنّه سيكون من المنطقي أكثر جعل الدور جزءاً من قسم معزز لإدارة الأعمال يعمل جنباً إلى جنب مع وزارة الخزانة التي لعبت أحياناً دور المفسد عندما تعلق الأمر بالمبادرات، إذا شعرت أنها قد تهدد سيادتها الاقتصادية.
يتطلب نجاح التعيين في ذلك المنصب سياسي محنّك وذكي، ويندر وجود مثل هؤلاء في بريطانيا.
قد يكون نائب زعيم حزب العمال البريطاني المعارض توم واتسون، الرجل الذي يملك دهاءً تكنولوجياً والأكثر إدراكاً لتلك التحديات من زملائه في الأحزاب الرئيسية، شخصاً مناسباً لذلك المركز. ربما يصبّ تركيزه على وظيفة أكبر، ولكن رئيس تكنولوجيا ليست فكرة سيئة، إذا أخذنا بعين الاعتبار ما ستحمله الأيام إلينا.
© The Independent