أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، في أول خطاب لها بعد تولي المنصب في مقر الحكومة بـ10 داونينغ ستريت، أن "أولوياتها الثلاث" ستكون الاقتصاد وأزمة الطاقة وتحسين نظام الصحة العامة الوطني.
وتعهدت تراس، التي أصبحت رسميا الثلاثاء رئيسة للحكومة البريطانية، أن ترى بريطانيا أياماً أفضل على الرغم من الوضع الاقتصادي القاتم.
وأجبرت الأمطار الغزيرة ودوي الرعد مؤيدي المرأة الثالثة التي تتولى رئاسة الوزراء في بريطانيا على البحث عن مكان يحتمون فيه بانتظار وصولها إلى دوانينغ ستريت.
لكن الغيوم انقشعت مع وصول موكب وزيرة الخارجية السابقة البالغة 47 عاماً، والتي تعهدت إخراج بلادها من "عاصفة" تضخم تجاوز 10 في المئة وارتفاع هائل بأسعار الطاقة.
وقالت، إنها "سأتخذ الإجراءات هذا الأسبوع للتعامل مع فواتير الطاقة وضمان إمداداتنا المستقبلية من الطاقة". وأضافت "مهما كانت العاصفة قوية، أعلم أن الشعب البريطاني أقوى" محددة أولوياتها التي ستكون الاقتصاد وأزمة الطاقة والصحة.
وأعلن فوز تراس في انتخابات داخلية ضمن صفوف الحزب المحافظ الاثنين، في أعقاب حملة انتخابية بدأت في يوليو (تموز).
تشكيل الحكومة البريطانية
ووصلت إلى داونينغ ستريت بعد أن قطعت 1600 كيلو متر ذهابا وإيابا للقاء الملكة إليزابيث الثانية في المرتفعات الاسكتلندية، حيث قبلت الدعوة لتشكيل حكومة.
وجرى اللقاء الذي استمر 30 دقيقة في قصر بالمورال بعد أن قررت الملكة عدم التوجه إلى لندن بسبب مشكلات صحية.
ويتوقع أن تقوم تراس في موعد أقربه الخميس، بتعليق رفع فواتير الطاقة للعائلات هذا الشتاء وربما لفترة أطول، ما قد يكلف عشرات مليارات الجنيهات.
وسيتصل الرئيس الأميركي جو بايدن بتراس الثلاثاء لتهنئتها، وفق ما أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار.
وكتب بايدن في تغريدة "أتطلع إلى تعميق العلاقة الخاصة بين بلدينا والتعاون الوثيق في شأن التحديات العالمية بما فيها استمرار تقديم الدعم لأوكرانيا وهي تدافع عن نفسها في مواجهة العدوان الروسي".
ومن المقرر أن يتم الانتهاء من تعيين أعضاء فريقها قبل استضافتها أول اجتماع للحكومة الجديدة وإجابتها على أسئلة النواب في البرلمان الأربعاء.
جونسون يدعم خليفته
وكانت الملكة البريطانية إليزابيث الثانية قبلت استقالة بوريس جونسون من منصب رئيس الوزراء خلال اجتماع في قلعة بالمورال في اسكتلندا، حيث التقت أيضاً زعيمة حزب المحافظين ليز تراس.
وتعهّد بوريس جونسون دعم خليفته ليز تراس بثبات بينما غادر الثلاثاء، السادس من سبتمبر (أيلول)، داونينغ ستريت لآخر مرة بصفته رئيساً للوزراء استعداداً لتقديم استقالته.
وودّع جونسون الذي تخللت ولايته لحظات مفصلية على رأسها "بريكست" و"كوفيد-19" وانتهت قبل أوانها بفعل الفضائح، أنصاره الذين هتفوا وصفقوا له، قبل أن يتوجّه للقاء الملكة إليزابيث الثانية.
وشبّه نفسه بـ"صاروخ داعم أتم مهمّته" وسيسقط في "نقطة نائية وبعيدة عن الأنظار في المحيط الهادئ". لكنه أكد، "سأدعم ليز تراس والحكومة الجديدة في كل خطوة".
وحضّ جونسون حزبه المحافظ الحاكم على تنحية الخلافات داخل صفوفه للتعامل مع أزمة الطاقة التي يبدو أنها ستطغى على عهد تراس. وأضاف، "إذا كان بإمكان ديلين (كلبه) ولاري (هرّ داونينغ ستريت) تجاوز الصعوبات التي تطغى على العلاقة بينهما بين حين وآخر، فبإمكان الحزب المحافظ أيضاً القيام بذلك".
ويعد تسليم السلطة في بريطانيا عادةً عملية سريعة إذ يتوجّه القادة الذين يغادرون مناصبهم والقادمين على حد سواء إلى قصر باكينغهام في وسط لندن. لكن يتعيّن على جونسون وتراس هذه المرة قطع مسافة 1600 كيلومتر للتوجّه إلى منتجع الملكة النائي في بالمورال في مرتفعات اسكتلندا.
واختارت الملكة عدم العودة من عطلتها الصيفية السنوية لحضور مراسم تسليم السلطة المقتضبة بعدما واجهت مشاكل صحية أثّرت في قدرتها على المشي والوقوف.
التعيينات المتوقعة
وأُعلن فوز تراس (47 عاماً) بعد انتخابات داخلية ضمن صفوف الحزب المحافظ الاثنين، في أعقاب حملة انتخابية بدأت في يوليو (تموز).
ومن المقرر أن يتم الانتهاء من التعيينات قبل استضافتها أول اجتماع للحكومة الجديدة وإجابتها على أسئلة النواب في البرلمان الأربعاء.
ويتوقع أن يتولى وزير الأعمال كواسي كوارتينغ منصب وزير المالية، وأن تسلّم حقيبة الداخلية إلى المدعية العامة سويلا برافرمان، بينما سيتولى جيمس كليفرلي وزارة الخارجية.
وفي حال تأكّدت التعيينات، فسيعني الأمر أن أياً من الوزارات الرئيسة الأربع لن تسلّم إلى رجل أبيض للمرة الأولى في التاريخ.
ملفات تنتظرها
وأمام تراس قائمة مضنية لأمور ينبغي إنجازها، في وقت تشهد المملكة المتحدة أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
وبلغ معدّل التضخم أعلى مستوى له منذ 40 عاماً ليسجّل 10.1 في المئة في ظل توقعات بأن القادم أسوأ بينما يخيّم شبح الركود مع دخول فصل الشتاء.
ويعاني السكان من زيادة نسبتها 80 في المئة في فواتير الغاز والكهرباء اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول)، في وقت تحذّر الأعمال التجارية من أنها قد تنهار في حال ارتفاع التكاليف بشكل أكبر.
وتعهّدت تراس التي تسوّق لنفسها على أنها من المدافعين عن الأسواق الحرة، خفض الضرائب لتحفيز النمو. وذكرت وسائل إعلام بريطانية الثلاثاء أنها ستمنع رفع فواتير الطاقة.
وأحدث تعارض نهجها مع ذاك الأكثر حذراً الذي تبناه ريشي سوناك، منافسها في الانتخابات للوصول إلى رئاسة الوزراء، شرخاً جديداً في صفوف الحزب المحافظ المنقسم أساساً جرّاء استقالة جونسون.
شعبية جونسون
وتشير استطلاعات للرأي أجريت أخيراً، إلى أن جزءاً كبيراً من البريطانيين لا يثقون بقدرتها على حل أزمة تكاليف المعيشة.
وكشف استطلاع جديد أعده معهد "يوغوف"، عن أن 14 في المئة فقط يتوقعون أن يكون أداء تراس أفضل من جونسون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما زال جونسون (58 عاماً) محبوباً في صفوف القاعدة الشعبية للمحافظين على اعتباره فائزاً في الانتخابات يتمتع بكاريزما عالية أخرج بلاده من الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من الاتهامات المتكررة بالفساد والمحسوبية خلال ولايته وفرض الشرطة عليه غرامة غير مسبوقة لخرقه قواعد الإغلاق التي وضعها بنفسه، يقال إنه ممتعض من اضطراره للاستقالة.
وتفيد توقعات بأنه سيستعد للعودة خصوصاً إذا واجهت تراس صعوبات في تجاوز المشاكل العديدة التي تواجهها البلاد. لكنه أعرب الاثنين عن دعمه الكامل لخليفته وقال إن "الوقت حان ليصطف جميع المحافظين خلفها بنسبة 100 في المئة".
وفي خطابها الاثنين، تعهّدت تراس بأن يحقق حزبها "فوزاً كبيراً" في انتخابات 2024.
وفية لجونسون
وستصبح تراس ثالث امرأة تدير الحكومة البريطانية، بعد مارغريت تاتشر وتيريزا ماي.
وكما كان متوقعاً، فازت وزيرة الخارجية أمام زميلها وزير المالية السابق ريشي سوناك بعد تصويت بالبريد مخصص لأعضاء حزب المحافظين بدأ في أوائل يوليو (تموز)، إثر استقالة بوريس جونسون الذي حاصرته فضائح متكررة.
وحصلت تراس على 81326 صوتاً (57 في المئة) مقابل 60399 صوتاً لمنافسها (43 في المئة)، وفقاً للنتائج التي أعلنها المسؤول عن تنظيم التصويت غراهام بايدي.
وتراس التي ظلت وفية حتى النهاية لبوريس جونسون في الوقت الذي سجلت فيه استقالات بالعشرات من السلطة التنفيذية في بداية يوليو، ستدخل داونينغ ستريت في سياق اقتصادي واجتماعي متفجر بسبب تضخم يتجاوز 10 في المئة وغلاء في فواتير الطاقة يخنق العائلات والشركات والخدمات العامة.
ويأتي توقيت هذه المهمة الصعبة قبل عامين من الانتخابات التشريعية، بينما تأمل المعارضة العمالية التي تتفوق بشكل واضح في استطلاعات الرأي، إزاحة المحافظين الموجودين في السلطة منذ عام 2010.
وبعد الإعلان عن فوزها، قالت تراس، "سأقدم خطة جريئة لخفض الضرائب وتنمية اقتصادنا".
وأضافت، "سأعالج أزمة الطاقة عبر الاهتمام بفواتير الطاقة لدى الناس، ولكن أيضاً من خلال الاهتمام بصعوبات إمدادات الطاقة على المدى الطويل".
ردود فعل دولية
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الإثنين، تعقيباً على فوز تراس في خطاب ألقاه في فيديو نشر على شبكات التواصل الاجتماعي، "أعتقد أننا معاً سنكون قادرين على فعل مزيد لحماية شعوبنا وإحباط كل الجهود المدمرة لروسيا".
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه "مستعد للعمل كحليف وصديق" لتراس التي كانت قد رفضت أن تجزم في ما إذا كان ماكرون، "صديقاً أم عدواً".
من جهتها، أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن أملها "الاحترام الكامل للاتفاقات" بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتز عن "حرصه" على العمل مع رئيسة الحكومة البريطانية الجديدة، بينما قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إنه "واثق" في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
كذلك، هنأ مايكل مارتن رئيس الحكومة الإيرلندية، تراس، في الوقت الذي تعرضت فيه العلاقات بين البلدين لاختبار قاسٍ بسبب تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وهنأت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجن، تراس، داعية في تغريدة إلى "تجميد فواتير الطاقة وتوزيع مزيد من المساعدة وزيادة التمويل للخدمات العامة".
وخلال تقديمه التهنئة إلى تراس، دعا جونسون إلى الوحدة بعد حملة كشفت الانقسامات والاستياء بين المحافظين.
ورد ريشي سوناك بشكل إيجابي على هذه الدعوة، بينما أشار إلى أنه سيتعين على رئيسة الوزراء الجديدة "قيادة البلاد في فترة صعبة".
مساعدة البريطانيين
والأحد، أكدت تراس لـ"بي بي سي" أنها ستتحرك في حال فوزها "من الأسبوع الأول" لمساعدة البريطانيين في موضوع فواتير الطاقة، لكنها رفضت توضيح الطبيعة الملموسة للإجراءات التي تعتزم اتخاذها. وذكرت وسائل إعلام بريطانية عدة أنها تنوي تجميد أسعار الطاقة.
في دائرة تراس في سوافهام في شرق إنجلترا، تقول سوزان ألين (67 سنة) إنها تثق برئيسة الوزراء الجديدة، معتبرة خلال حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية أنها "ستنجز عملاً جيداً" فيما "كل شيء صعب حالياً".
أما مارتن تشايلدز الذي كان يتناول الغذاء في حانة، فبدا أكثر حذراً، قائلاً، "تبدو سياستها سائرة بخط متعرج، وليس واضحاً ما ستفعله".
وإذا كانت تراس اجتذبت قاعدة الحزب الحاكم في المملكة المتحدة منذ 12 عاماً، فقد أعرب 19 في المئة من البريطانيين عن ثقتهم بخطتها لمواجهة أزمة غلاء كلف المعيشة، بحسب استطلاع لمعهد يوغوف نشر الإثنين.