لا تكاد ملاعب كرة القدم في المغرب "تهدأ" قليلاً حتى تعود إلى إثارة جدل الشغب الرياضي، بسبب اندلاع أحداث مؤسفة في عدد من ملاعب الكرة وخارجها أيضاً.
وأوقفت السلطات الأمنية المغربية في الأيام القليلة الأخيرة عشرات الأشخاص، راشدين وقاصرين، لتورطهم في أعمال الشغب الكروي على هامش مباريات لكرة القدم في الدوري الاحترافي المغربي الذي انطلق قبل أيام. واقترف مشاغبو الكرة العديد من الأفعال ذات الطابع الجنائي استهدفت أشخاصاً وممتلكات عامة وخاصة، كما تسببوا في إصابة رجال بجروح وتخريب سيارات الأمن، كما ضُبطت سيوف وسكاكين كبيرة ومواد ممنوعة في حوزتهم.
وينص قانون "09-09" في شأن "العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها"، على الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 1.200 إلى 20 ألف درهم (2000 دولار)، ضد كل من أسهم في إحداث أعمال عنف ترتب عليها موت أحد الأشخاص، وأيضاً الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين على كل من أسهم في أعمال العنف ونتج عنها ضرب وجرح أو أي نوع آخر من أنوع العنف أو الإيذاء.
توقيفات بالجملة
وبلغ عدد الموقوفين في إطار الشغب الكروي في الفترة الممتدة من السبت حتى الإثنين الماضي 3 - 5 سبتمبر (أيلول)، أكثر من 110 أشخاص، عقب مباريات جمعت كلاً من فرق الجيش الملكي ونهضة بركان، والمغرب الفاسي والمغرب التطواني.
وأوقفت الشرطة، وفق بلاغات أمنية متتالية، راشدين وقاصرين تورطوا في رشق عناصر الأمن بالحجارة، ومحاولة إثارة الشغب والسكر وحيازة المخدرات والشهب الاصطناعية، وسجلت قوى الأمن خسائر مادية طالت مركبات للشرطة، وإصابة أمنيين بجروح، على هامش مباراة جمعت فريقي الجيش الملكي ونهضة بركان، متوعدة بزجر كل المتورطين في ارتكاب هذه الأفعال التي تمس بالأشخاص والممتلكات العامة والخاصة.
وفي المباراة التي جمعت فريقي المغرب الفاسي والمغرب التطواني، أوقفت الشرطة العديد من القاصرين المتورطين في أحداث الشغب، مع حيازة أسلحة بيضاء والسكر العلني والتراشق بالحجارة المقرون بإلحاق خسائر مادية بممتلكات عامة.
مصير قاصرين
يقول والد أحد المراهقين الموقوفين بشبهة إحداث الشغب، إن ابنه مشجع لفريق الجيش الملكي، وهو يسافر مع الفريق أينما حل وارتحل، من دون أي مشكلات من قبل، إلى أن فوجئ بخبر توقيف ابنه. وتابع الأب، أنه يعلم مدى المخاطر والمشكلات التي تترتب على رحيل ابنه كل مرة بين مدينة وأخرى لمشاهدة فريقه المفضل، لكنه لم يجد حلاً لمنعه أو الحد من مرافقته للفريق الذي يحبه منذ نعومة أظفاره".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف المتحدث، أنه "يثق في العدالة التي قد تخفف من الحكم على ابنه كونه مجرد قاصر يحتاج إلى من يزجره بالتي هي أحسن، ويحتاج إلى متابعة دراسته عوض المكوث في الحبس الاحتياطي" وفق تعبيره.
ووفق مصادر "اندبندنت عربية"، فإن المحكمة ستتجه على الأرجح إلى تمتيع القاصرين خصوصاً بالسراح، مع توبيخهم وتحذيرهم من تكرار الأفعال، وتوقيع التزام بالشرف على عدم ارتكاب الشغب في المستقبل، بينما ستتابع المحكمة الراشدين المتورطين في الأحداث كل بحسب التهم الموجهة إليه.
وسبق لمحاكم مغربية أن قررت إطلاق سراح العديد من القاصرين في قضايا مشابهة في إطار ملفات الشغب الكروي، منها ما قضته محكمة مدينة بركان عندما عمدت إلى توبيخ قاصرين وتسليمهم لأسرهم، بعد أن مكثوا أياماً رهن الاعتقال الاحتياطي.
أسباب اجتماعية وتربوية
تنقسم الآراء والمواقف حيال الدوافع وراء ارتكاب قاصرين ومشجعين لأعمال الشغب سواء داخل الملاعب أو خارجها بالمغرب، بين من يقول إن الدافع هو نتائج فرق هؤلاء المشجعين، وبين من يعزو ذلك إلى أسباب اجتماعية ونفسية واقتصادية في الأساس.
وحول الطرح الأول، يقول أحد أنصار فريق الوداد البيضاوي إن ارتكاب الشغب بسبب نتائج الفريق احتمال وارد، لكنه ليس سبباً رئيساً، بدليل أن عدداً من المتورطين في أعمال الشغب انتصرت فرقهم في تلك المباريات.
ويوضح أنه كثيراً ما اندلعت أفعال شغب داخل الملاعب في مباريات فرق كبرى مثل الجيش والرجاء والوداد والمغرب الفاسي، وكان عدد من مشجعي هذه الفرق متورطين على الرغم من فوزها، مشيراً إلى عامل استفزاز أنصار الفرق المنافسة الذي قد يؤدي أيضاً إلى الشغب.
من جهته يرى الباحث في السياسة الرياضية سمير أوبلي، أن هذا الشغب الرياضي ليس بالضرورة مرتبطاً بالرياضة، فهناك دوافع نفسية واجتماعية وتربوية تقف وراء مثل هذه الأعمال التي لا يمكن إلا استنكارها ورفضها بكل قوة.
ويشرح بأن القاصر الذي يخرج من بيته "جائعاً" لا يملك في جيبه فلساً واحداً، ويصل إلى الملعب عبر "أوتو ستوب"، ومن ثم يدخل خلسة إلى الملعب أو عبر تسول ثمن التذكرة، لا شك أنه سيحاول "الانتقام" من وضعه عبر إثارة الشغب داخل الملعب أو خارجه.
ويقول أوبلي، إن الأسرة أيضاً التي لا تراقب ابنها ولا تسأل عن تحركاته مسؤولة أيضاً، ومؤسسات التنشئة مثل المدرسة مسؤولة بدورها لأنها لم تعد تلقن الطفل أسس احترام الآخر، فضلاً عن ضرورة الضرب بيد من حديد على المتورطين في الشغب ليكونوا عبرة لغيرهم.