صدمة جديدة تلقتها التحقيقات في قضية تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020. منذ عامين تم إدخال التحقيقات في مستنقع الاستهداف والتعطيل المنظم. فقد رفع المدعى عليهم 24 دعوى قضائية لكف يد القاضي طارق البيطار عن القضية، وإضافة إلى سلسلة الانتقادات اللاذعة التي أدلى بها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله وحلفاؤه، وجه مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا تهديدات مباشرة إلى المحقق العدلي. ما أدى إلى تعليق التحقيقات منذ ثمانية أشهر.
وفي الأيام الماضية، اتخذت القضية منحى هو الأخطر. وذلك عبر تفسير قانوني لوزير العدل هنري الخوري (المقرب من رئيس الجمهورية ميشال عون)، عن إمكانية تعيين محقق عدلي رديف في حال اضطرار المحقق الأصيل إلى التغيب عن متابعة تحقيقاته لأسباب قسرية قد تؤدي إلى المماطلة في إجراءات التحقيق، وقد أوضح الوزير أن هذه الحالة لا تنطبق على البيطار كون أسباب تعليق التحقيقات لا تتعلق بالقاضي نفسه. وأرسل الوزير كتاباً إلى مجلس القضاء الأعلى، يقترح فيه "تعيين محقق عدلي للبت بالأمور الضرورية والملحّة بانفجار مرفأ بيروت، طيلة فترة تعذّر قيام المحقق الأصيل، القاضي طارق البيطار، بمهامه، كطلبات إخلاء السبيل، والدفوع الشكلية على سبيل المثال".
واللافت أن التمهيد لهذا القرار جاء على لسان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، صهر الرئيس عون، من خلال تأكيده السعي إلى "تحرير الموقوفين ظلماً والأسرى في السجون"، مع الإشارة إلى أن أبرز الموقوفين في القضية هو المدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر، المحسوب على "التيار الوطني الحر".
ثلاثة أسماء
وفي السياق نفسه، أوضح مصدر مقرب من وزير العدل أن الهدف من هذه الخطوة هو رفع الظلم عن مجموعة من الموقوفين على ذمة التحقيق وعدم إمكانية البت بقضايا إخلاء سبيلهم طالما هناك تعقيدات بمسار التحقيق، مؤكداً عدم وجود أي نية لإزاحة المحقق الأصلي البيطار.
ونفى المصدر وجود أي ضغط سياسي من جانب باسيل للدفع في هذا الاتجاه، مشيراً إلى أن هناك أفكاراً عدة طرحها باسيل وأهالي الموقوفين في القضية، إلا أن ذلك لا يعني أن قرار الوزير ناتج من ضغوط سياسية أو تلبية لرغبات جهات معينة. وأعلن أن وزير العدل سيقوم باختيار ثلاثة أسماء، مؤهلة لتولّي منصب القاضي الرديف، على أن يعود الاختيار من بين تلك الأسماء إلى مجلس القضاء الأعلى.
إزاحة المحقق
وتتخوف مصادر قضائية من أن تكون الأسماء الثلاثة المقدمة مقربة من "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، بالتالي اضطرار مجلس القضاء الأعلى إلى القبول بالأمر الواقع، ولاحقاً يتم الضغط على القاضي البيطار بهدف دفعه إلى الاستقالة، بالتالي، يحل القاضي الرديف مكانه.
وتشير المعلومات إلى وجود امتعاض كبير داخل الجسم القضائي نتيجة القرار الذي اتخذ تحت وطأة الضغوط السياسية، ومن شأنه أن يعطل التحقيقات ويطعن بصدقيتها ويعمق الشروخ داخل أروقة قصر العدل، مشددة على أن أي قاض يقبل بأن يتسلم هذه المهمة سيكون محل ارتياب مشروع لأنه يستند في ذلك إلى قرار منعدم الوجود وغير مبني على أسس قانونية.
قرار المواجهة
وفي وقت انتشرت أخبار عن إمكانية استقالة البيطار من القضاء رفضاً للإجراء القضائي المتخذ، أكدت مصادر مقربة منه أنه مصمم على استكمال عمله وأنه سيرفض الاعتراف بوجود قاض رديف، معتبراً أن هذا الإجراء سياسي كيدي يستكمل مسار تعطيل التحقيقات وأن الهدف هو تسيس الملف وتغييب العدالة.
ووفق المصدر، يرفض البيطار اعتبار الموافقة الأولية لمجلس القضاء على تعيين قاض رديف موجهة ضده أو رضوخاً لجهات سياسية، بل إنها في سياق محاولة إنهاء الجمود السائد في ملف المرفأ، واصفاً القرار بأنه منعدم الوجود قانوناً لأن المحقق العدلي الأصيل في الملف ليس خارج البلاد كما حصل في سابقة حصلت في عام 2006 بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا هو متقاعس عن القيام بواجباته، بل هو مكفوف اليد ومتوقف قسراً عن استكمال تحقيقاته.
فوضى قضائية
إزاء ذلك، يوضح المحامي في مكتب الادعاء في نقابة محامي بيروت عن انفجار المرفأ يوسف لحود، أنه "بحسب القانون لا يجوز أن يكون هناك محققان عدليان، على المستوى ذاته والدرجة نفسها، ما يفتح الباب أمام وجود رأيين في قضية واحدة"، متوقفاً عند تضمّن الاقتراح بتّ القاضي الرديف بالأمور الملحّة من إخلاءات سبيل ودفوع شكلية. ويضيف لحود "في حال اعتبر القاضي الرديف أن إخلاء سبيل أحد الموقوفين يأتي بكون الفعل الجرمي بمثابة جنحة، بينما الأصيل يعتبره جناية، عندها سيُفتح المجال للفوضى والمزاجية في تقدير الوصف الجرمي".
ويقول إنه "بدلاً من مخالفة القانون والقيام بخطوة قد تزيد من عرقلة القضية، يجب تحريك ملف الموقوفين من خلال معالجة الأسباب التي تحول دون قيام القاضي الأصيل بمهماته، خصوصاً على صعيد إلزام وزير المالية يوسف الخليل (من حصة رئيس البرلمان نبيه بري) التوقيع على التشكيلات القضائية الجزئية لرؤساء غرف محكمة التمييز".
عملية سطو
من جانبه، حذر المدير التنفيذي لـ "المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية من "عملية سطو هائلة تستهدف ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بتواطؤ وزير العدل، ومعظم أعضاء مجلس القضاء الأعلى، مدخلها الإفراج عن ضاهر، وغايتها الحقيقية إنهاء التحقيق".
ويعتقد صاغية أن هذا التدبير اعتداء سافر وغير قانوني على استقلالية القضاء وعملية سطو سياسي على ملف التحقيق برمّته، معبّراً عن "خشية من أن نكون أمام تسوية سياسية منتهاها اعتداء جديد على استقلال القضاء وتقويض حقوق الضحايا بالعدالة ونسف حق المجتمع في المعرفة".
تحركات شعبية
وعلى أثر ذلك، نفذت لجنة أهالي الضحايا سلسلة تحركات بدأت بوقفة احتجاجية أمام وزارة العدل، رفضاً للقرار المذكور، تحت عنوان "بدنا المحقق والتحقيق يكفي". ودعت اللجنة اللبنانيين إلى مواكبتها في الاعتصامات المرتقبة. وأشار بعض الأهالي إلى أنهم كجمعية سيسيرون في الملف إلى النهاية، على الرغم من الضغوط التي تمارس عليهم، وسيطالبون بلجنة تحقيق دولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونفذ عدد من الأهالي وقفة احتجاجية أمام منزل وزير العدل، رفضاً للاقتراح الذي قدمه إلى مجلس القضاء الأعلى بانتداب قاض رديف. ورفض المتحدثون باسم الأهالي قرار الوزير، معتبرين أنه "يخيط قانوناً جديداً على حسابه وعلى حساب السياسيين". ودعوا مجلس القضاء الأعلى إلى تنفيذ التعيينات القضائية بدلاً من الموافقة على قرار غير قانوني كي يستكمل القاضي البيطار تحقيقاته للوصول إلى الحقيقة، متهمين وزير المالية بعدم توقيع مرسوم في صلب عمله، وطالبوا بملاحقته نظراً لإخلاله بواجباته الوظيفية وضرورة محاكمته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
فتن متنقلة
في المقابل، اتهمت مصادر مقربة من "التيار الوطني الحر" بعض الجهات السياسية بتحريك الشارع للضغط على القضاء للحؤول دون تعيين قاض آخر للنظر في قضية الموقوفين. الأمر الذي سيؤدي إلى تهميش دور القاضي البيطار والإبقاء على كف يده عن الملف، وإخلاء سبيل الموقوفين فيما المطلوب إبقاؤهم قيد التوقيف لتحويلهم إلى كبش محرقة وتضليل التحقيق وحرفه عن مساره والتعمية عن الجهات المسؤولية عن التفجير وأسبابه.
ويكرر "حزب الله" و"حركة أمل" أن التحقيق مسيس، وقد دعيا إلى كف يد القاضي بيطار الذي ينفذ قرارات الجهات السياسية الداعمة له في الداخل والخارج، ما يُبقي الملف قيد الاستغلال السياسي وورقة تستخدم لتهديد السلم الأهلي والاستقرار الداخلي من خلال التسبب بفتن طائفية، كما حصل في الطيونة، إضافة إلى الاختلافات بين أهالي الضحايا وأهالي الموقوفين.