ليس الإنسان وحده في غزة من يعاني ويلات الحصار المطبق وسوء التغذية والاقتصاد المتردي الذي يعيشه القطاع، وإنما الحيوانات أيضاً تشكو العوامل نفسها. وباتت المدينة الفقيرة التي لا تستطيع حتى إطعامها تعتبر مكاناً غير ملائم للعيش.
ونتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية في غزة بات يعجز صاحب حديقة حيوانات خاصة عن توفير الغذاء للأسود الموجودة داخل الأقفاص، بينما يحاول العاملون في المكان الحفاظ على حياة ثلاثة أشبال حديثي الولادة، لكن احتمالية نفوقهم أكبر من الحفاظ عليهم أحياء، وذلك لأسباب تعود إلى سوء التغذية.
11 كيلوغراماً من اللحم النافق والمريض كل يومين
وقال مدير حديقة "نماء" عبد الهادي حمودة إن "وضع الأسود والحيوانات المفترسة في غزة صعب للغاية، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والحصار على القطاع، ونتيجة لذلك تعجز الحديقة عن توفير غذاء كاف ومناسب لملك الغابة".
في غزة، يوجد أربعة أسود وثلاث لبوات ضمن حديقتين للحيوانات واحدة تتبع لبلدية غزة (مؤسسة حكومية) وبها أسد ولبوة، والثانية خاصة وتضم بقية العدد، وكلها تعاني سوء التغذية لدرجة احتمالية النفوق في أية لحظة.
ويأكل الأسد الواحد في غزة نحو 11 كيلوغراماً من اللحم كل يومين، وفي بعض الأحيان قد يضطر إلى أن يصبر على الجوع لمدة أربعة أو خمسة أيام، بينما حدد علماء الحيوان أن الأسد البالغ يحتاج يومياً إلى نحو 17 كيلوغراماً من اللحم، فيما يصبر على الجوع لمدة خمسة أيام، وفقاً لمؤسسة "فور باوز" العالمية.
وأقر حمودة بصعوبة توفير هذه الكميات الكبيرة من الطعام يومياً، "وهذا يجعل تلك الحيوانات تعاني سوء التغذية". وأضاف "نعتمد في إطعام ملك الغابة على الحيوانات النافقة أو المريضة التي على وشك النفوق سواء من الدواجن أو الأغنام أو العجول أو غيرها، على الرغم من أن ذلك الإجراء غير صحي إلا أننا نضطر إلى القيام به للحفاظ على حياة الحيوان المفترس".
نفوق 80 شبلاً
في الثامن من أغسطس (آب) الماضي زاد عدد الأسود بعدما وضعت لبوة ثلاثة أشبال، وعلى الرغم من أن ذلك شيء جميل إلا أنه كان كارثة لأصحاب حديقة الحيوان، إذ أوضح حمودة أن "هذه الولادة الناجحة تعني أن الأم بحاجة إلى تغذية جيدة ومستمرة حتى تتمكن من الإرضاع، وبعد ذلك نحن بحاجة إلى إطعام الأشبال ولكن هذا صعب في غزة".
ونتيجة لسوء تغذية اللبوة الأم فإنها بحسب مدير حديقة الحيوان قد تضطر إلى أكل الأشبال في أية لحظة أو قد تعزف عن إرضاعهم، وحدث هذا الأمر في غزة مرات عدة إذ نفق على مدار الأعوام السبعة الماضية نحو 80 شبلاً.
وأوضح حمودة أن هذه الولادة الأولى الناجحة لتلك اللبوة ولتجنب جوع الأم فصل العاملون في المجال صغار الأسود عنها ضمن إجراءات احترازية للحفاظ على حياتها، على أن توضع اللبوة في قفص صغير خاص يحدد حركتها لإجبارها على إرضاع أشبالها كل ساعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شبل يرضع حليب كلب وقطة
ونتيجة قلة الغذاء المقدم للبوة كما بقية الأسود أشار حمودة إلى أن "حليبها قليل" وفي محاولة توفير بدائل "لجأنا إلى تغذية الأشبال من حليب القطط والكلاب والغنم، لكن لم تنجح هذه الوسائل في تغذية الصغار وهناك تخوف حقيقي من نفوقهم".
كما أن المشكلة في غزة لا تقتصر على سوء تغذية الأسود فحسب، إذ لا يوجد أيضاً في القطاع تطعيمات وأدوية تحتاج إليها هذه الحيوانات المفترسة، وأوضح مدير الحديقة أن "هذه العلاجات لا تدخل إلى المدينة المحاصرة، وإذا توفرت تكون أسعارها مرتفعة إلى حد لا نستطيع تأمين ثمنها".
الظروف التي تعيشها الأسود وصغارها في غزة من سوء تغذية وعدم توفر علاج دفعت القائمين على حديقة الحيوان إلى التفكير جدياً في التخلي عنها، وأعدت الجمعية الفلسطينية للرفق بالحيوان مذكرة شرحت فيها كل جوانب معاناة الحيوانات المفترسة، وأرسلتها إلى الجمعية العالمية لحماية الحيوانات وإلى الصندوق الدولي للرفق بالحيوان.
أسد يعيش على بلاط… مشروع لمحمية طبيعية
في سياق متصل قال مسؤول الجمعية الفلسطينية للرفق بالحيوان أحمد صافي إن "معظم حيوانات غزة في حال يرثى لها وتعيش في مكان خطير وغير ملائم، لذلك نعمل حالياً على التنسيق لنقل عدد من الحيوانات المفترسة والأليفة خارج غزة".
وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الحيوانات في غزة لخطر النفوق، بل سبق وأن نقلت منظمة "فور باوز العالمية" FOUR PAWS International حيوانات من ثلاث حدائق في القطاع إلى محميات طبيعية في دول أخرى من أجل الحفاظ عليها من سوء التغذية.
وذكر مدير مشاريع "فور باوز" أمير خليل إن "غزة لا تستطيع توفير غذاء للحيوانات، وليس بمقدورها تأمين حياة جيدة لهم. تعاني الأسود في القطاع قلة الطعام ولا تحصينات طبية لها، وهذا تسبب في نفوق حيوانات". وأضاف "لا توجد أماكن ملائمة للحيوانات في غزة، أسد يعيش في منزل وآخر ينام على بلاط حديقة، هذا ليس بأمر طبيعي، لأن الأسد بحاجة إلى عشب ورمل وسافانا، إن الأشبال حديثة الولادة إذا كبرت داخل القطاع قد لا تجد طعاماً صالحاً، كما أن العاملين الذين يعتنون بتلك الحيوانات طواقم غير مدربة".
ووفقاً لمؤسسة "فور باوز"، فإنهم سيعلمون على إنشاء محمية طبيعية لتعيش فيها الحيوانات البرية والمفترسة، وأوضح خليل أن "غزة تستحق أن يكون بها مكان ملائم للحيوانات بدل العيش داخل أقفاص صغيرة كالسجناء، كما أنه من الممكن أن تتحول إلى مشروع تعليمي، وتدريب الأطباء البيطريين والكوادر على كيفية معاملة الحيوانات المفترسة".