على وقع المخاوف من حدوث تدهور اقتصادي أو انخفاض قيمة الدينار يقبل أردنيون منذ أشهر على شراء الذهب ومتابعة أسعاره يومياً باهتمام بالغ بغرض الادخار حتى أصبح ذلك بمثابة ثقافة اقتصادية رائجة.
لم تعد نشرة الأسعار التي تصدر يومياً عن "نقابة تجار الذهب" تمر مرور الكرام، بل أصبحت تحظى باهتمام كبير ممن يرون في المعدن الأصفر ملاذاً من تقلبات الاقتصاد، بخاصة مع ما يثيره بعض الاقتصاديين من مخاوف حول ركود اقتصادي حاد مرتقب واحتمالية فك ارتباط الدينار الأردني بالدولار أو انخفاض قيمة الأول بشكل كبير.
يأتي ذلك وسط تذبذب لافت لأسعار الذهب، مما يدفع كثيرين لاقتنائه، إذ وصل سعر الغرام عيار 24 إلى نحو 55 دولاراً، بينما انخفض سعر عيار 24 الأكثر رواجاً بين الأردنيين إلى 48 دولاراً بسبب انخفاض الكلفة المصنعية له.
ملاذ آمن
يلجأ كثير من المواطنين إلى نصائح متخصصين اقتصاديين بشراء الذهب، وتحديداً قطع تسمى محلياً "ليرات" الذهب أو السبائك، على أمل بيعها لاحقاً عند ارتفاع سعرها، معتمدين على حركة السوق المتذبذبة، إذ يتأثر سعر الذهب عالمياً بمدى رفع وخفض قيمة الدولار الأميركي، إضافة إلى سعر برميل النفط.
ويصف نقيب تجار الذهب والمجوهرات في الأردن ربحي علان، الذهب بالملاذ الآمن لسرعة بيعه والحصول على السيولة في الأيام الصعبة، بينما يتحدث أحد تجار الذهب عن تفضيل مواطنين شراء الذهب الخليجي، في حين يعمد آخرون للاستثمار في البورصة على رغم المخاطر، بخاصة بعد أن عرف بفضيحة البورصات الوهمية عام 2008 التي راح ضحيتها 100 ألف مواطن أردني كانوا يبحثون عن الثراء السريع.
ويحذر علان مما سماه العروض الوهمية على أسعار الذهب، أو شرائه إلكترونياً عبر منصات التوصل الاجتماعي ما لم يكن مدعوماً بفاتورة رسمية.
شراء بدل البيع
خلافاً للفترة الماضية، أصبح الشراء السمة الأبرز في سوق الذهب، بعد أن شهدت الأسواق في السنتين الماضيتين حركة بيع كبيرة من المواطنين لما يمتلكونه من ذهب بسبب ارتفاع أسعاره إلى مستويات غير مسبوقة.
ووفقاً لعدد من التجار فإن العام الحالي شهد إقبالاً كبيراً على شراء الذهب بخاصة مع عودة المغتربين والسياح، وقدوم موسم الصيف، إذ تكثر حالات الزواج، قياساً بالسنوات السابقة التي شهدت ركوداً بسبب جائحة كورونا والإغلاقات التي تبعتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزادت كميات السبائك الذهبية المستوردة في المملكة، خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي بنسبة 169 في المئة مقارنة مع العام الماضي.
ويقدر تجار أردنيون نسبة شراء الذهب محلياً بهدف الادخار بنحو 30 في المئة، بينما تذهب باقي عمليات الشراء للاقتناء والزواج.
واليوم، بإمكان الأردنيين متابعة أسعار الذهب يومياً عن طريق تطبيق على الهواتف المحمولة. وتشير تقديرات إلى أن حجم الاستثمار في الذهب داخل السوق الأردنية نحو 300 مليون دولار، بينما يبلغ عدد تجار الذهب ما يقارب 700 تاجر، وعدد محال صياغة الحلي والمجوهرات قرابة 1000 موزعين في عموم المملكة.
ارتباط الدينار والدولار
تصر السياسة النقدية للمملكة على التمسك بسياسة ربط سعر الصرف بالعملة الأميركية، في حين ينبري المسؤولون الأردنيون لتبديد المخاوف وطمأنة المواطنين على العملة المحلية بالقول إن استقرارها يكمن في ربطها بالدولار.
ومنذ عام 1995 لدى بدء تطبيق هذه السياسية، تروج إشاعات ومخاوف موسمية حول احتمال انخفاض قيمة الدينار أو إمكانية فك ارتباطه بالدولار، بخاصة مع الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها الأردن، مما يدفع المواطنين الذين يمتلكون مدخرات نقية إلى استبدالها الذهب بها، بينما يفضل البعض تحويل ما لديهم من عملة محلية إلى دولارات، لكن "البنك المركزي" بدد هذه المخاوف وعزز الثقة بالدينار الأردني، حينما كشف عن أن معظم مدخرات الأردنيين في البنوك المحلية هي بالدينار وليست بالدولار، وبلغ إجمالي الودائع لدى البنوك الأردنية في آخر إحصائية رسمية نحو 54 مليار دولار.
ومنذ جائحة كورونا تزايدت المطالبات بفك ارتباط الدينار بالدولار، بهدف خفض كلفة الواردات، وعدم بقاء البنوك الأردنية رهينة لسياسات وقرارات "المركزي الأميركي"، إذ تضطر البنوك المحلية إلى رفع فوائدها على المقترضين كلما اتخذ البنك الأميركي قراراً بذلك.