"التعليم أصبح للأغنياء فقط"، بهذه العبارة يعبر الأهالي وأولياء الأمور في الأردن عن تذمرهم من ارتفاع تكلفة الدراسة بشقيها الجامعية والأساسية على نحو كبير قياساً بسنوات سابقة، وسط مخاوف من خصخصة قطاع التعليم برمته.
ففي الأسابيع الأخيرة، التي سبقت بداية العام الدراسي، بدا بوضوح تراجع قدرة معظم الأردنيين على الإنفاق على تعليم أبنائهم في المراحل الدراسية الأساسية، بعد الإعلان عن انتقال عشرات الآلاف من الطلاب من مدارس خاصة إلى حكومية، إثر تراجع الأوضاع الاقتصادية والقدرة المالية للأهالي.
وبعد 100 عام من التعليم في الأردن، تطورت الحال من كتاتيب متناثرة إلى أكثر من 7 آلاف مدرسة و32 جامعة، أصبحت معها مهمة تعليم الأبناء شاقة ومكلفة.
هاجس الأقساط المدرسية
يتراوح متوسط الرسوم المدرسية في الأردن ما بين 2700 دولار إلى 7 آلاف دولار سنوياً، لكن في كل عام ترفع المدارس الخاصة أسعارها من دون حسيب أو رقيب، ما يرتب أعباءً إضافية على كاهل المواطنين الأردنيين الباحثين عن نوعية تعليم جيدة لأبنائهم، بخاصة بعد تدني مستوى التعليم الحكومي وتراجعه بشكل غير مسبوق خلال السنوات العشر الأخيرة.
ويتهم بعض الأهالي المدارس الخاصة بأنها تخلت عن دورها الحقيقي وتحولت من الاستثمار في العقول إلى مشاريع استثمارية، ما دفع الطبقة الوسطى تحديداً للنزوح إلى المدارس الحكومية برسوم سنوية رمزية وتكاليف أقل، لكن بجودة تعليم منخفضة.
يقول أولياء الأمور إن بعض المدارس الخاصة تتقاضى رسوماً إضافية تحت تسميات مختلفة ناهيك بالأقساط المدرسية المرتفعة ورسوم المواصلات. وتقدر نسبة الزيادة السنوية المسموح بها لأسعار المدارس الخاصة بنحو 5 في المئة، لكن ما يحدث على أرض الواقع يفوق ذلك بكثير وفق الأهالي.
تعليم طبقي
لا يتورع وزير التربية والتعليم العالي الأردني وجيه عويس عن وصف التعليم في الأردن بأنه طبقي، بينما ترد جمعية المدارس الخاصة على اتهامها بالهيمنة على سوق التعليم، بالقول إنه استثمار يخضع للعرض والطلب ويشغل عدداً كبيراً من الموظفين ويدر دخلاً جيداً على ميزانية الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن مراقبين يعتقدون أن دوافع الأردنيين لتسجيل أبنائهم في مدارس خاصة وتفضيلها على المدارس الحكومية تغيرت ولم تعد تقتصر على المستوى الاجتماعي والدخل المالي فقط، بل تعدته لأسباب أخرى، كتدني جودة التعليم الحكومي وتحوله إلى بيئة غير آمنة اجتماعياً وصحياً للطلاب.
وعلى الرغم من ذلك يتوسع الاستثمار في المدارس الخاصة التي تتزايد بشكل لافت حتى قارب عددها عدد المدارس الحكومية، بموازاة انخفاض الإنفاق الحكومي على التعليم المدرسي وتراجعه يوماً بعد آخر، فوفقاً لبيانات البنك الدولي يتراجع الإنفاق على التعليم الحكومي منذ عام 1996 حتى اليوم.
التعليم الجامعي للمقتدرين فقط
وخلافاً لكثير من الدول العربية، لا يحظى الطلبة الجامعيون في الأردن بتعليم مجاني، إذ يبلغ متوسط تكلفة الدراسة في الجامعات الحكومية ما بين 7 آلاف دولار إلى 15 ألف دولار، بينما يتضاعف هذا الرقم في الجامعات الخاصة ويصل إلى 50 ألف دولار.
بدأت مسيرة التعليم الجامعي بالبلاد عند تأسيس الجامعة الأردنية في 1962 كأول جامعة، في حين كانت جامعة عمان الأهلية أول جامعة خاصة عام 1989، ويبلغ العدد الكلي للجامعات 32 جامعة.
لكن منذ نحو 20 عاماً أصبح التعليم الجامعي للمقتدرين فقط، أو من يقبل ضمن قوائم الاستثناءات لأبناء العاملين في الجيش ووزارة التربية والتعليم وأبناء العشائر، مما حول مسألة الحصول على مقعد جامعي إلى مهمة شاقة وحلم لكل طالب ثانوية عامة.
ويتسبب الارتفاع المطرد على رسوم الدراسة الجامعية في الأردن بتعثر آلاف الطلاب الجامعيين وعجزهم عن إكمال دراستهم، ويضطر معظمهم للتوجه إلى سوق العمل.
ربع دخل الأسر للتعليم
يتساءل كثيرون عن سبب ارتفاع الرسوم الجامعية في الأردن، بينما يقدر رئيس الجامعة الهاشمية فواز عبد الحق الأموال التي تذهب إلى خزينة الدولة من الجامعات الرسمية بنحو 630 مليون دولار سنوياً، بينما لا تزيد الأموال المرصودة لهذه الجامعات على 126 مليون دولار فقط.
ويقدر منسق حملة حقوق الطلبة فاخر دعاس ما يستهلكه التعليم الجامعي الحكومي من ميزانية الأسرة الأردنية بأكثر من 25 في المئة.
ويرى دعاس أنها تكلفة باهظة ترهق جيوب الأردنيين، وتجعل التعليم متاحاً لمن يملك المال فقط، مشيراً إلى أن بعض الدلائل على ذلك يمكن النظر إليها عبر الرقم الكبير للطلبة المتعثرين مالياً في الجامعات، الذين يقدر عددهم بنحو 8 آلاف طالب وطالبة لم يستكملوا دراستهم أو قاموا بتأجيلها بسبب عدم توافر المال لديهم.
ويأتي الإنفاق على التعليم بالنسبة للأسر الأردنية في المرتبة الثالثة بعد المسكن والطاقة والنقل.