حظرت الهند صادرات الرز الكسر وفرضت ضريبة على أصناف رئيسة أخرى في خطوة من شأنها أن تزيد من الضغط التضخمي العالمي وتفاقم آلام الإمدادات الغذائية التي سببتها الحرب في أوكرانيا. وأصدرت مديرية التجارة الخارجية الهندية قرار الحظر الذي دخل حيز التنفيذ، الجمعة التاسع من سبتمبر (أيلول) الحالي، كما فرضت نيودلهي رسوم تصدير بنسبة 20 في المئة على الشحنات الخارجية للرز الأبيض والبني التي تشكل نحو 60 في المئة من إجمالي المبيعات العالمية للهند. وجاء في الإشعار أن الرز المسلوق والبسمتي مستثنى من الحظر.
ويعتمد المشترون العالميون على الهند، أكبر مصدر للرز في العالم، لدعم الإمدادات الغذائية منذ الحرب الروسية – الأوكرانية، وهي من أكبر مزارعي القمح التي أزعجت أسواق الغذاء العالمية في وقت حذرت الأمم المتحدة من أن العالم يواجه نقصاً محتملاً في الغذاء، وتمثل الهند أكثر من 40 في المئة من تجارة الرز العالمية وفقاً لبعض المصدرين المحليين.
والهند مورد مهم للرز الكسر (درجة أرخص) إلى بعض البلدان الأفريقية التي تستخدمه كغذاء أساسي، وتعد الصين أيضاً من أكبر مشتري الرز الهندي الكسر، إذ تستخدمه علفاً للحيوانات، وكذلك لصنع المعكرونة والنبيذ. وسيتم السماح ببعض صادرات الرز الكسر حتى 15 سبتمبر في الحالات التي بدأ فيها التحميل قبل أمر الحظر، وتم بالفعل تسليم الشحنات إلى الجمارك.
الهند وتقييد صادرات الغذاء
ويمثل حظر تصدير الرز والرسوم الجديدة ثالث تحرك رئيس من جانب الهند لتقييد صادرات الغذاء مدفوعة بمخاوف من تقلص الإمدادات والتضخم. وفي مايو (أيار)، قيدت الهند صادرات القمح والسكر بسبب مخاوف من تأثر الإنتاج بموجات الحر الحارقة في أجزاء مختلفة من البلاد بعد أن عانت الهند خلال شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) موجات حر أكثر سخونة منذ أكثر من 100 عام، وأدت الأمطار الموسمية غير الكافية في يونيو (حزيران) والأمطار غير المنتظمة في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) في الولايات الرئيسة النامية في أوتار براديش والبنغال الغربية وبيهار إلى تقليص زراعة الرز بنسبة 13 في المئة إلى أكثر من 23.1 مليون هكتار من 26.7 مليون هكتار في العام السابق، وفقاً لوزارة الزراعة الهندية.
وقال المدير التنفيذي الأول لاتحاد مصدري الرز في الهند، ومقره نيودلهي، فينود كاول، إن انخفاض زراعة الرز قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاج هذا العام، لكن الوضع سيصبح أكثر وضوحاً عندما يبدأ الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال كاول، "حماية الإمدادات هي بالتأكيد في أذهان الحكومة". وأضاف أن قرار الهند بإغلاق صادرات الرز الكسر سيكلفها حصتها في السوق، إذ يمكن أن تتحول البلدان التي تتصارع مع الإمدادات المتضائلة لإطعام سكانها إلى فيتنام وتايلاند، ثاني وثالث أكبر مصدري الرز. وأضاف، "الحظر سيؤثر بشكل رهيب على مكانة الهند في السوق العالمية".
وأشار كاول إلى أن الهند صدرت نحو 3.8 مليون طن متري من الرز الكسر على مستوى العالم في عامها المالي الأخير الذي انتهى في مارس، أو نحو خمس صادراتها الإجمالية من الرز غير البسمتي. وفي الفترة من أبريل إلى يونيو بلغت صادرات هذه السلعة الأرخص سعراً 1.4 مليون طن، أو نحو ثلث الصادرات غير البسمتي. وأضاف أنه مع القيود الحالية ستنخفض الصادرات بنسبة 50 في المئة تقريباً لتصل إلى نحو مليوني طن.
الأمن الغذائي مصدر قلق للحكومة
في الوقت الحالي هناك مخزون وافر من الرز في المستودعات الحكومية على رغم أن انخفاض مشتريات القمح أدى بالفعل إلى زيادة توزيع الرز في إطار برنامج الغذاء والحبوب المجاني الذي تديره الدولة. وقد يعني هذا تراجعاً محتملاً في مخزون الرز وارتفاع أسعار الرز المحلي في الأشهر المقبلة، وفقاً لما قاله كاول الذي أكد أن الأمن الغذائي قد يشكل مصدر قلق للحكومة العام المقبل.
وكان لدى الهند فائض هائل من الحبوب الغذائية قبل جائحة "كوفيد-19"، وتعرضت هذه المخزونات الفائضة للتوتر بسبب برنامج لتوزيع الحبوب بالمجان خلال الوباء على نحو 800 مليون شخص، وبخاصة الفئات الضعيفة مثل العمال المهاجرين والفقراء. وتم تمديد البرنامج حتى سبتمبر.
ويقول قرويون ومتخصصون إن نظام توزيع الحبوب المحلي في الهند يعاني عدم الكفاءة وفي بعض الأحيان تفيض المستودعات في الدول المنتجة للحبوب، بينما تبقى المستودعات في أماكن أخرى نصف فارغة، وما لا يتحرك غالباً ما يفسد في التخزين، كما يمكن أن يتم إيقاف الرز والقمح اللذين يصلان إلى مئات الآلاف من قرى الهند بطرق أخرى في حين أن المسؤولين المحليين يتحملون المسؤولية عن إدارة قوائم الأسر المؤهلة وتوزيع الحبوب على متاجر القرية. وتنتشر مزاعم الرشوة والسرقة في أجزاء من البلاد.
التضخم وتشديد السياسة النقدية
وأثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى الناجم جزئياً عن الحرب في أوكرانيا على تعافي الهند الاقتصادي من الوباء، وتراجع تضخم التجزئة في الهند إلى حد ما، لكنه لا يزال عند 6.7 في المئة في يوليو، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني، وهذا هو الشهر السابع على التوالي الذي تجاوز فيه التضخم الحد الأعلى لبنك الاحتياطي الهندي البالغ ستة في المئة، وكان البنك المركزي الهندي قد رفع سعر سياسته الرئيسة ثلاث مرات بما مجموعه 1.4 نقطة مئوية منذ مايو لينضم إلى البنوك المركزية الأخرى في العالم التي بدأت في تشديد السياسة النقدية في محاولة لترويض التضخم.
وقال بنك "نومورا" في مذكرة الشهر الماضي إن تحرك الهند لحظر بعض صادرات الرز قد يكون له تأثير مادي على المستهلكين الآسيويين، إذ أثارت بيانات الزراعة مخاوف من أن حظر التصدير قد يلوح في الأفق. وأضاف البنك، "الرز غذاء أساسي في آسيا، لذا فإن الارتفاع الحاد في أسعار الرز سيكون له تأثير أكبر بكثير على المستهلكين في آسيا من ارتفاع أسعار القمح".