بعد أشهر قليلة من زيارته المثيرة للجدل إلى تركيا، حط رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح رحاله في العاصمة القطرية الدوحة لإجراء مباحثات مع المسؤولين القطريين، تناولت ملف الأزمة السياسية في ليبيا ودور قطر في دعم المسار التفاوضي، بعد أن كانت لسنوات طرفاً فاعلاً في دعم أطراف سياسية بارزة في النزاع الليبي، وحظيت زيارة صالح إلى الدوحة باهتمام كبير في ليبيا لأنها الأولى من نوعها لمسؤول سياسي من الشرق إلى قطر منذ عام 2012، ما يؤشر إلى طي صفحة الخلافات العميقة بين الطرفين، خصوصاً أن نجل قائد الجيش في بنغازي خليفة حفتر، كان ضمن الوفد الليبي في هذه الزيارة.
جملة من المباحثات
ووصل رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح إلى العاصمة القطرية بعد سنوات من القطيعة بين قطر والمعسكر السياسي والعسكري في الشرق الليبي، يبدو أنها في طريقها لتصبح من الماضي، ورجح مراقبون أن تستعيد الدولة الخليجية بعد هذه الزيارة دورها البارز على الساحة الليبية خلال الفترة المقبلة بعد تراجعه بشكل ملحوظ في العامين الأخيرين.
وقال المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي إن رئيس مجلس الشورى القطري حسن بن عبدالله الغانم كان في استقبال صالح والوفد المرافق له، وكان لافتاً وجود نجل القائد العام للجيش في بنغازي بلقاسم خليفة حفتر فيه، وأكد الغانم "دعم بلاده كل ما من شأنه تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا وحرصها على سيادة ووحدة أراضيها، وتحقيق تطلعات الشعب الليبي الشقيق في الأمن والاستقرار وتحقيق الوفاق الوطني بين كل مكوناته، والدعم الكامل لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
وفي اليوم الثاني من الزيارة، التقى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني صالح، وأوضح المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان الليبي أن "اللقاء بحث أوجه تنمية وتعزيز التعاون بين البلدين، وآخر المستجدات الراهنة في ليبيا، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية"، ونقلت وكالة الأنباء القطرية عن الديوان الأميري قوله إن "عقيلة صالح أطلع أمير قطر على آخر تطورات الأوضاع في ليبيا، معرباً عن شكره وتقديره لأمير قطر على دعم بلاده المتواصل والدائم لدولة ليبيا وشعبها"، وأوضحت الوكالة أيضاً أن "أمير قطر أكد موقف بلاده تجاه الشعب الليبي ودعم خياراته، وتحقيق تطلعاته في التنمية والازدهار من أجل وحدة ليبيا واستقرارها، وأنه جرى خلال اللقاء بحث أوجه تنمية وتعزيز التعاون بين البلدين، ومناقشة المستجدات الراهنة في ليبيا، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية".
قطيعة طويلة
وتأتي زيارة رئيس البرلمان الليبي إلى قطر لتنهي قطيعة طويلة بين الطرفين على خلفية اتهام البرلمان الليبي الدائم الدوحة بدعم تيار الإسلام السياسي في ليبيا، خصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين"، وموقفها من العملية العسكرية التي قادها قائد الجيش الموالي له على طرابلس قبل ثلاث سنوات، ووصفها له بـ"العدوان"، وجاءت زيارة صالح بعد يومين من زيارة رئيس حكومة الوحدة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة إلى الدوحة ما دفع بعضهم إلى الحديث عن جهود قطرية لتسوية الخلافات بين الطرفين الليبيين التي هددت بإشعال حرب جديدة في ليبيا قبل أسابيع قليلة.
تفاؤل بنتائج الزيارة
وأبدت شخصيات ليبية بارزة تفاؤلها بالخطوة التي اتخذها رئيس البرلمان الليبي بفتح قنوات للتواصل الدبلوماسي مع قطر، بالنظر إلى علاقتها وتأثيرها في كثير من الأطراف البارزة في ليبيا، خصوصاً في غرب البلاد، وقدرتها على لعب دور الوسيط الفاعل بينها وبين معسكر الشرق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال عضو مجلس النواب إبراهيم الزغيد إن "صالح تلقى دعوة من دولة قطر لتبادل الآراء وإخراج ليبيا من مرحلة الاختلافات السياسية، واستقبلته قطر استقبالاً كبيراً، وهي دولة فعالة في مجلس التعاون الخليجي لذلك أنا متفائل بهذه الزيارة، وستكون لها إيجابيات ونتائج طيبة في إخراج ليبيا من أزمتها"، ونفى الزغيد وجود مفاوضات مع قوى دولية وإقليمية لتشكيل حكومة ليبية جديدة للخروج من النزاع الحالي على السلطة التنفيذية بين فتحي باشاغا وعبدالحميد الدبيبة، "لن تكون هناك حكومة ثالثة بعد تمكين حكومة باشاغا الشرعية المنتخبة من مجلس النواب، وستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بدعم منها، ووجود حكومة الوحدة الوطنية أربكنا وأربك الليبيين، وقد طالبنا قبل انتهاء شرعيتها بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لكنها رفضت".
من جهته، أكد عضو المجلس الأعلى للدولة بلقاسم قزيط أنه يدعم زيارة رئيس مجلس النواب دولة قطر، وقال "ندعم هذا التواصل بين الجانبين، ونحن متفائلون بالزيارة، ونعدها فاتحة خير ستجلب نتائج إيجابية على الأزمة الليبية".
وساطة قطرية
من جانبه، كشف عضو لجنة المسار الدستوري في مجلس الدولة محمد الهادي عن معلومات قال إنه تحصل عليها من مصادر مطلعة تفيد بـ"قيام وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن والسفير القطري لدى ليبيا محمد بن ناصر بالالتقاء بالأطراف المتنازعة في ليبيا في محاولة للوساطة بينها"، وقال الهادي إن "هذه اللقاءات لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، لكنني أتوقع تحقيق قطر نتائج إيجابية في وساطتها هذه، شرط محافظتها على الحياد وعدم الانحياز لطرف دون آخر، مع إقصاء حساباتها الإقليمية عن الملف الليبي"، ورأى الهادي أن "القول بحصول توافق بين مصر والحلف القطري التركي بشأن الملف الليبي سابق لأوانه في ظل تعارض مصالح القاهرة مع المصالح التركية في ليبيا".
التواصل مع الجميع
بدوره، لفت رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الليبي يوسف العقوري إلى أن "زيارة رئيس البرلمان تأتي في إطار النشاط الدبلوماسي للبرلمان لضمان مواقف متوازنة من الجميع وتأمين دعم المجتمع الدولي لاستقرار ليبيا"، مضيفاً "زيارة رئيس مجلس النواب تأتي في إطار تواصل مجلس النواب مع الشركاء الدوليين والدول التي لها علاقة بالملف الليبي ومنها دولة قطر، وهذه الزيارة تمهد لعلاقات جديدة مع الدوحة في مجال التعاون الاقتصادي والعلمي وغيره، إضافة إلى ضمان تطلعات الشعب الليبي لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب فرصة، وخروج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية".
البحث عن دور
واعتبر عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب أن "زيارة رئيس مجلس النواب تشير لدور مهم ستتولاه الدوحة في حل الأزمة الليبية في المستقبل القريب"، وأشار إلى أن "هناك تراجعاً للدور الإماراتي في ليبيا يقابله تقدم في الدور القطري، وعقيلة صالح ملم تماماً بالتغيرات الإقليمية، لذا يحرص على التواصل مع كل الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في الشأن الليبي".