نبهت دراسة جديدة إلى أن معدل الاحتباس الحراري الراهن للأرض الناجم عن انبعاثات غازات الكاربون قد يؤدي إلى اقتراب الكوكب من نقاط تحول مناخية عدة "لا يمكن عكس مسارها" [العودة عنها] بحلول سنة 2030.
ويدعو البحث الذي نشر في مجلة Science العلمية إلى الحد من الاحتباس الحراري الإضافي "ما أمكن"، مع تزايد أخطار تعرض الأرض لأضرار لا رجعة فيها، مع كل عشر درجة مئوية إضافية من الاحتباس الحراري العالمي.
وفي إطار توضيح نتائج الدراسة قال تيم لينتون مدير "معهد النظم العالمية" Global Systems Institute في "جامعة إكستر"، "يقدم عملنا الجديد دليلاً دامغاً على أن العالم يجب أن يسرع الخطى بشكل جذري لإزالة انبعاثات الكربون من دورة الاقتصاد، بغية الحؤول دون الوصول إلى نقاط تحول مناخية كارثية".
ويعتبر معدو البحث أن نقاط التحول في المناخ هي بمثابة عتبة رئيسة حرجة يمكن أن تلحق أضراراً لا رجعة فيها بكوكب الأرض في حال تم عبورها، وحذر العلماء في دراستهم من أن "هذه التغييرات قد تؤدي إلى تأثيرات مفاجئة وخطرة لا يمكن عكس مسارها، وستكون لها مضاعفات جدية على البشرية جمعاء".
وكان هؤلاء العلماء انكبوا على إجراء مراجعة شاملة لأكثر من 200 ورقة بحثية نُشرت منذ عام 2008، وأعدوا تقييماً محدثاً لأهم نقاط التحول في المناخ، بما فيها عتبات درجات الحرارة والمقاييس الزمنية والآثار المترتبة عنها.
المراجعة شملت الصفائح الجليدية في غرينلاند (القطب الشمالي) وغرب أنتاركتيكا (القطب الجنوبي) والذوبان المفاجىء للجليد الدائم على نطاق واسع والانقراض الهائل للشعاب المرجانية الاستوائية.
وأشار البحث إلى أن بين الأنظمة الرئيسة المسؤولة عن تنظيم مناخ الكوكب، تعرف بـ "عناصر التحول"، هناك 16 نظاماً "قادراً" على تخطي نقاط التحول بحيث يمكن أن تصبح تغيراتها دائمة ولا يمكن عكس مسارها.
وأكدت الدراسة أنه حتى لو توقفت درجات الحرارة العالمية عن الارتفاع فبمجرد أن يتجاوز التغير المناخي للغطاء الجليدي أو المحيطات أو الغابات المطيرة عتبة نقطة التحول، فإنه سيستمر في التدهور والعبور إلى أنماط جديدة، ومن بين نقاط التحول هذه خمس يمكن حتى أن تنشأ عن معدلات الحرارة الراهنة للكوكب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح العلماء أن أربعاً من تلك النقاط تنتقل من فئة "محتملة" إلى فئة "مرجحة" في سيناريو الاحتباس الحراري عند درجة ونصف مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وخمس أخرى تصبح "ممكنة" في نطاق هذا المستوى من الاحترار.
ويقول المؤلف الرئيس للدراسة ديفيد أرمسترونغ ماكاي من "جامعة إكستر"، "بدأنا نرى مؤشرات عدم الاستقرار في أجزاء من الصفائح الجليدية غرب أنتاركتيكا وغرينلاند وفي مناطق التربة الصقيعية والغابات المطيرة في منطقة الأمازون، ومن المحتمل أيضاً أن تطاول نظام الدوران المتقلب للمحيط الأطلسي، وقد أصبح العالم منذ الآن عرضة لخطر مواجهة بعض نقاط التحول التي من شأنها أن تزداد أكثر مع تواصل ارتفاع درجات الحرارة العالمية".
وينبه العلماء إلى أن الحد من ارتفاع الحرارة وحصرها بما دون درجتين مئويتين أو حتى بعتبة درجة ونصف مئوية، الأكثر تفضيلاً، يظل إجراء غير كاف لتجنب التغيرات الخطرة للمناخ بشكل كامل.
لكنهم مع ذلك يرون أن البشرية لا تزال قادرة على الحد من أخطار تجاوز نقاط التحول للمناخ بشكل كبير، من خلال اتخاذ تدابير عاجلة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على نحو فوري.
وتقدر الدراسة وجوب خفض انبعاثات غازات الدفيئة في العالم بنحو النصف بحلول سنة 2030، لتصل إلى صافي الصفر بحلول سنة 2050، كي تكون هناك فرصة بنسبة 50 في المئة لتحقيق هدف الدرجة والنصف مئوية، والحد تالياً من أخطار تجاوز نقاط التحول.
يوهان روكستروم "مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ" Potsdam Institute for Climate Impact Research يقول إن "العالم متجه نحو درجتين إلى ثلاث مئوية من الاحتباس الحراري، وهذا الواقع يدخل كوكب الأرض في مسار من شأنه أن يفضي به إلى عبور نقاط تحول خطرة متعددة، ستكون مفاعيلها كارثية على الناس في مختلف أرجاء العالم.
ويرى الدكتور روكستروم أنه "من أجل الحفاظ على ظروف ملائمة للعيش على سطح الكوكب وحماية الناس من الظواهر المناخية المتطرفة المتصاعدة، وتمكين المجتمعات من العيش في ظروف مناخية مستقرة، يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا للحؤول دون عبور الأرض نقاط التحول. إن كل عشر درجة له أهميته".
وينبه العلماء إلى أن تجاوز هذه الحدود قد يؤدي إلى تأثيرات متتالية تزيد احتمالات عبور نقاط التحول الأخرى، ويؤكدون أن العالم يتجه في الوقت الراهن نحو درجتين إلى ثلاث درجات مئوية من الاحتباس الحراري، معتبرين أنه في أحسن الأحوال إذا تم الوفاء بجميع التعهدات المتعلقة بتصفير الانبعاثات [تخفيضها إلى الصفر] والإسهامات المحددة على المستوى الوطني لكل دولة، فقد تصل حرارة سطح الكوكب إلى أقل من درجتين مئويتين.
وخلصوا إلى القول إن هذا من شأنه أن يقلص أخطار الدخول في نقاط التحول [بلوغ المنعطافات التي لا عودة عنها] إلى حد ما، لكنه سيظل مصدر خطر محتمل لأنه قد يؤذن بمنعطف مناخي متعدد الجوانب.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 9 سبتمبر 2022.
© The Independent