من نافل القول أن وفاة الملكة إليزابيث الثانية - ملكة بريطانيا الراحلة- هي الحدث الأكثر تداولاً في نشرات الأخبار العالمية طيلة هذا الأسبوع ولا يزال كذلك في المحطات البريطانية والغربية، فهي لم تكن شخصية عادية، بل ذاعت شهرتها وطول حكمها في أرجاء العالم.
كعادتنا بمنطقتنا العربية، تناولنا الحدث من زوايا مختلفة لا يتناولها بقية العالم، فمن جدل "عبطي" حول جواز الترحم عليها من عدمه لأنها "كافرة لا يجوز الترحم عليها"، إلى البحث في أصولها وهل تعود للعرب وقريش تحديداً أم لا.
كويتيون حزبيون تابعون للأحزاب الدينية السياسية راحوا يبحثون في تاريخ بلادها الاستعماري متجاوزين دورها في حفظ رصانة عرشها وما أضفته من وقار على تاج الملك البريطاني، ومن استقرار وتقدم دفع الكثيرين منهم للدراسة في جامعات بلادها والسياحة في ربوعها والعلاج في مصحاتها بل وحتى شراء العقارات فيها، كما تناسوا العلاقة المتميزة على كافة المستويات بين بلادهم وبلادها.
نبشوا "وعد بلفور" واحتلال الهند والمساهمة في إسقاط الإمبراطورية العثمانية، ونسوا بل تناسوا عن سبق إصرار وتعمد دور بلادها العسكري والسياسي والدبلوماسي في تحرير بلادهم من احتلال شقيقهم الجار العربي المسلم عام 1990، وقبلها الدور التاريخي الذي قامت به حكومتها في ردع عبدالكريم قاسم وتهديداته باحتلال الكويت عام 1961، فهؤلاء يتجاهلون الوطن بتطلعاتهم الحزبية، وبأحلامهم السرابية بعودة الخلافة الدينية العثمانية أو بتوقهم لتبعية الولاية الإيرانية.
أما الإسرائيليون فنظروا لوفاة الملكة إليزابيث من ناحية مدى قربها لهم ودعمها لدولتهم، فقد عنونت صحيفة "هآرتز" الإسرائيلية "الليبرالية" صفحتها يوم الجمعة الماضي بالتالي: "زارت أكثر من 120 دولة حول العالم ولم تكن إسرائيل بينها" في ما اعتبرته الصحيفة "مقاطعة غير رسمية لإسرائيل"، وراحت الصحيفة تضيف بعض تعليقاتها حول المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وتنكرها لقصف الطيران الحربي الإسرائيلي للمدنيين العزل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بتواضع، كتبت وشاركت في لقاءات إعلامية مختلفة حول علاقتها ببلدي الكويت، فقد كانت هذه العلاقة متميزة ولا تزال، وذكرت موقفين تاريخيين لحكومة الملكة تجاه أمن واستقلال وتحرير الكويت، فحين هدد الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم الكويت وحشد الجيوش لغزوها عام 1961، حركت بريطانيا جيوشها لضمان استقلال الكويت وأمنها، وحين غزا صدام حسين الكويت، كانت لبريطانيا ثاني أكبر قوة عسكرية أجنبية مشاركة في حرب تحريرها عام 1991. بل إن موقف حكومة "صاحبة الجلالة" الملكة إليزابيث الثانية الصلب بإدانة العدوان وحشد التأييد الدولي للحق الكويتي كان متميزاً وصارماً.
وليلة ميلاد السيد المسيح، عيسى بن مريم، عام 1990، وأثناء الاحتلال العراقي للكويت، ألقت الملكة إليزابيث خطابها السنوي المعتاد في هذه المناسبة، وعلى غير العادة، عرجت على أزمة الكويت والعدوان الغاشم عليها مشيدة بالجنود البريطانيين الذي كانوا يرابطون على حدود الكويت قبيل بدء عاصفة الصحراء، كان لكلمة الملكة إليزابيث حينها الدور الحاسم في إنهاء الجدل وقلب الرأي العام البريطاني المتأثر بإعلام اليسار يسانده في ذلك لوبي عربي يحرض ضد المشاركة في تحرير الكويت وترك هذه "المشيخة النفطية" لمصيرها من دون التدخل في الشؤون العربية. ومما جاء في كلمة الملكة حينها: "إن غزو الكويت هو مثال على المستوى الدولي للشر الذي يواجهنا بمستويات مختلفة، بالسنوات الأخيرة - حيث محاولات الطغاة من البشر بفرض إرادتهم على الأغلبية المسالمة".
وأضافت: "وأنا ككثيرين مثلي، قد هزّ مشاعري هذا الإجماع الدولي برفض الغزو غير المبرر للكويت، وبسرعة النجدة والجهود الدولية التي تحاول تخفيف معاناة ضحايا هذا الغزو من الأبرياء".
ذكرت لها عرفان وشكر الكويت لها على تلك الكلمة حين التقيتها بقصر باكنغهام عام 1997 بصفتي مديراً للمركز الإعلامي الكويتي بلندن، وأشدت بقدرتها بكلمتها تلك على توجيه الرأي العام البريطاني، والتأثير في الرأي العام العالمي في تلك "الساعات الحالكة السواد" التي مرت بها الكويت، تعمدت أن أستخدم "الساعات الحالكة السواد" التي استخدمها أول رئيس وزراء لها وهو ونستون تشرتشل. هزت رأسها قائلة: "لقد قلت ما كان يجب أن يقال".
جلالة الملكة، من الكويت شكراً لك، ارقدي بسلام وخلود.