مع تعقد المشهد السياسي والأمني في ليبيا خلال الأشهر الماضية، وانسداد المسار التفاوضي بين مجلسي النواب والدولة بشأن القواعد الدستورية المنظمة للانتخابات العامة، خصوصاً الرئاسية، عاد المجلس الرئاسي للتلويح بالتدخل لحل هذه المعضلة المزمنة، بإنتاج قاعدة دستورية من طرفه، للمرة الثانية في ظرف شهرين، ما قوبل برفض شديد من أطراف عدة، خصوصاً مجلس النواب الذي عد هذا الأمر تعدياً على اختصاصه التشريعي.
تدخل لحسم الخلافات
طرح رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي احتمال تدخل مجلسه لحسم الخلافات بين مجلسي النواب والدولة بشأن القاعدة الدستورية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي تم تأجيلها لأجل غير مسمى، نهاية العام الماضي.
وقال المنفي في اجتماع مع وفد من إقليم "برقة" الذي يمثل المنطقة الشرقية في العاصمة طرابلس، إن "النزاع بين مجلسي النواب والدولة يتمحور حول أيهما السلطة التشريعية في البلاد".
وأضاف "ندعم أي توافق بينهما، لكن نقول أيضاً إنه لا يمكن أن يكون ذلك من دون تاريخ محدد، والمجلس الرئاسي مستعد للتدخل لإنتاج القاعدة الدستورية للانتخابات، لو عجزت السلطة التشريعية عن حسم الأمر والخروج بنتائج محددة بتواريخ محددة".
تكرار لمحاولة سابقة
هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها المجلس الرئاسي فكرة التدخل في الخلاف بشأن القوانين الانتخابية، العقبة الأبرز في الطريق نحو صناديق الاقتراع، حيث سبق لعضو المجلس الرئاسي موسى الكوني التلميح لهذه المسألة بتصريح قال فيه إن "المجلس بإمكانه أن يصدر مرسوماً رئاسياً بقوة القانون لاعتماد قاعدة دستورية بالتشاور مع جهات عدة تشكل الإطار القانوني للانتخابات المقبلة".
وأوضح أنه "طرح هذه الفكرة على المحكمة العليا ومجلس القضاء وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وأنها ستكون خياراً أخيراً خشية من أن يتسبب ذلك في مزيد من الفرقة بين الليبيين".
واتهم الكوني "كل أطراف العملية السياسية في ليبيا بعرقلة الوصول إلى توافق بشأن القاعدة الدستورية". وقال إن "المشكلة الليبية أصبحت أزمة دولية أكثر من كونها قضية داخلية".
الخلاف على حاله
كان المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب فتحي المريمي نفى وجود أي تقارب في وجهات النظر بشأن القاعدة الدستورية بين البرلمان ومجلس الدولة، بعد تواتر أنباء تفيد بقرب حل هذه المسألة المعقدة.
وقال المريمي إن "النقاط الخلافية بشأن القاعدة الدستورية ترتكز على شروط الترشح في الانتخابات الرئاسية، وتكمن في أحقية مزدوجي الجنسية في الترشح في الانتخابات، وكذلك مشاركة العسكريين فيها".
وأشار إلى أن "السلطات المصرية تعمل على تقريب وجهات النظر بين رئيس البرلمان عقيلة صالح ومجلس الدولة خالد المشري، لكن حتى الآن لم يحدث أي توافق بينهما بشأن النقاط الخلافية".
وأضاف "الباب ليس مغلقاً في المفاوضات بين الطرفين للتباحث بشأن هذه النقاط الخلافية والتوصل إلى حل بشأنها"، وبين أن "هناك مقترحات ومبادرات عدة، سواء من خلال السفارات أو بعثة الأمم المتحدة وغيرها من الدول التي تسعى لتقريب وجهات النظر".
خلاف قديم ومعقد
هذه الخلافات بشأن القاعدة الدستورية التي يفترض لها أن تشتمل على القوانين المنظمة للعملية الانتخابية في ليبيا ليست جديدة، وهي مستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام بين مجلسي النواب والدولة، ولعبت دوراً محورياً في تعثر الانتخابات التي كان مقرراً تنظيمها نهاية العام الماضي.
وتركزت الخلافات بين الجانبين طوال هذه الفترة على نقاط قليلة متعلقة بالانتخابات الرئاسية التي يرفض مجلس الدولة ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية لها، بينما يصر مجلس النواب على أن الترشح لمنصب الرئاسة حق أصيل لكل الليبيين ويجب أن لا يقصى أحد من الترشح طالما انطبقت عليه الشروط اللازمة.
تجاوز للصلاحيات
علق المريمي على مقترح المجلس الرئاسي بشأن التدخل لحل الخلاف الحالي مع مجلس الدولة حول القواعد الدستورية وتلويحه بإنجازها إذا استمرت الخلافات الحالية، قائلاً إن "الرئاسي دوره يقتصر على تحقيق المصالحة الوطنية واعتماد السفراء ولا يملك صلاحية إصدار أي قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى عضو ملتقى الحوار السياسي أحمد الشركسي أن "ما يصرح به أعضاء المجلس الرئاسي بشأن القاعدة الدستورية فيه تجاوز لصلاحياته وهو أمر لن يكون مقبولاً".
ووصف الشركسي المجلس الرئاسي بأنه "هزيل" لأن "أعضاءه لم يستطيعوا حتى الاتفاق على تسمية لجنة المصالحة حتى الآن، على الرغم من أنها من أولى مهامهم بحسب خريطة الطريق الموقعة في جنيف".
وقال إن "الصراع بين أعضاء المجلس محموم ومقترحاتهم لحل الأزمة تتمحور حول إعطاء صلاحيات تنفيذية أكبر لمجلسهم".
خطوة لإرباك المشهد
المحلل السياسي خالد الترجمان اعتبر أن "هناك أطرافاً تحاول دفع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى إرباك المشهد السياسي في ليبيا عبر تحرك ما باتجاه القاعدة الدستورية".
وقال الترجمان إن "المجلس الرئاسي يبحث عن دور في المرحلة الحالية، لذلك يتدخل في مسائل تتجاوز صلاحياته، وهو تحت سيطرة الميليشيات العاصمية".
بديل غير شرعي
بدوره شدد عضو مجلس الدولة أحمد لنقي على أن "صلاحيات المجلس الرئاسي محدودة وفقاً لقرارات مؤتمر جنيف الذي جاء به، ولا يمكن له أن يحل محل السلطة التشريعية لتشريع قوانين دستورية أو غيرها".
وأعرب لنقي عن استغرابه من "طرح المجلس الرئاسي فكرة تدخله في مسألة لا يجيز له القانون التدخل فيها، في حالة تأخر مجلسي النواب والدولة في إعداد قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية".
واتهم عضو مجلس الدولة "جهات أجنبية بالقيام بتحريض أعضاء المجلس الرئاسي بهدف التشويش على مجريات الأحداث في البلاد واستمرار الصراع على السلطة والمال وتسليم الإرادة السياسية الوطنية للدول الأجنبية، التي لا يعنيها استقرار الأوضاع الأمنية في ليبيا".
وشدد على "ضرورة عدم انجرار أعضاء المجلس الرئاسي وراء أطماع الدول الأجنبية في ليبيا، إضافة إلى ضرورة السعي مع الجميع للتعاون مع المجلسين لإنجاز القاعدة الدستورية من دون كلل أو ملل".
مخالفة للإعلان الدستوري
عضو مجلس الدولة وأحد أعضاء ملتقى الحوار السياسي عبد القادر حويلي وصف مقترح المجلس الرئاسي بإصدار قاعدة دستورية للانتخابات بأنه "غير قانوني"، لكنه قد "يتم تمريره بسبب فشل الجهات التشريعية في استصدارها".
وأوضح أن "ما طرحه المجلس الرئاسي بشأن القاعدة الدستورية مخالف للإعلان الدستوري، ولو أن المجلس الرئاسي السابق أو الحالي أصدر قراراً بالاستفتاء على مسودة الدستور فقط فسيكون أمراً صحيحاً، لكن ليس القاعدة الدستورية".
ورقة ضغط
علق عضو مجلس النواب صالح فحيمة على مقترح المجلس الرئاسي استعداده لإنتاج قاعدة دستورية، قائلاً إن "البعثة الأممية من الممكن أن تتبنى هذه المقترحات من أجل الضغط على مجلسي النواب والدولة لإنجاز القاعدة الدستورية".
وأكد فحيمة على "اختصاص مجلس النواب بالجوانب التشريعية في البلاد، لكن مع عدم استقرار الوضع ومخاطره على أمن ووحدة البلاد يجعل تمرير مقترحات كهذه أمراً ممكناً للخروج من دوامة الفوضى".
وأضاف أن "البعثة الأممية قد تدعم إجراء انتخابات تشريعية حتى وإن لم تكن قائمة على أساس سليم ناتج من توافق مجلسي الدولة والنواب".