ندرك جميعاً أن الدولة في حداد رسمي والسبب وراء ذلك. والنزاعات السياسية مجمدة، وهذا أمر منطقي. وعلق عاملو البريد إضرابهم، في خطوة يستحقون الثناء عليها، لا سيما حين يضع المرء في الحسبان الوطأة الشديدة عليهم وعلى عائلاتهم، مع تجاوز معدل التضخم 10 في المئة.
لكن كلا الموقفين خلافي، إذ يضع طرفاً في مقابل آخر. أما اجتماع لجنة السياسة النقدية التابعة لبنك إنجلترا لتحديد معدلات الفائدة، لأغراض معالجة معدل التضخم المرتفع جداً، فمختلف تماماً.
إنها وظيفة من وظائف الحوكمة، يناقش فيها موقف المملكة المتحدة الاقتصادي أشخاص من ذوي الكفاءة العالية استناداً إلى تقارير وتوقعات تفصيلية، ثم يجري تصويت ويتخذ قرار ويشرح.
لو أن الاقتصاد توقف عن العمل بشكل أو بآخر، وكان أغلبنا في خضم عطلة عامة مطولة، قد يكون التأجيل منطقياً، لكن التأجيل قد لا يكون منطقياً أيضاً، إذ سيستيقظ أغلبنا على أي حال، ويذهبون إلى العمل، صباح الإثنين، بصرف النظر عما إذا كنا في حداد أم لا، وستستمر عجلات التجارة في الدوران، وستستمر الأسواق في التحرك، فهي لا تنام من أجل رجل أو امرأة أو ملك أو ملكة.
لا تنسوا أن المملكة المتحدة تمر أيضاً بأزمة اقتصادية، والناس يكافحون لإطعام أطفالهم ولتدفئة منازلهم.
الأسبوع الماضي، وصف كلايف ميري مقدم البرامج في "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، بيان رئيسة الوزراء ليز تراس في شأن مشاريع قوانين الطاقة بأنه "غير مهم الآن" مقارنة بالتقارير التي كانت تبرز آنذاك عن صحة الملكة.
وكان رد فعل "تويتر" سريعاً وفظاً وربما غير عادل. كان ميري يبث مباشرة ومن دون الاستعانة بنص مكتوب في استجابة إلى خبر عاجل. ولا بد من حدوث أخطاء في هذا النوع من المواقف، لا سيما عندما يواجه المرء تحدي ملء الوقت من دون توفر كثير من المعلومات القابلة للنقل (وهو الوضع الذي كان فيه ميري).
ومع ذلك، يبقى صحيحاً أنه أخطأ خطأ كبيراً. كان تصريح تراس مهماً جداً في وقت تعاني فيه عائلات بريطانية كثيرة للغاية مع معضلة بشعة: تدفئة المنزل أو تناول الطعام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا ينبغي لأحد أن يواجه معضلة كتلك في بلد ثري مثل هذا البلد. إن قرار رئيسة الوزراء تجميد فواتير الطاقة يعني أن عدداً أقل من الناس سيواجهون هذه المعضلة. كان القرار صائباً. أما إعفاء شركات الطاقة من ضريبة على الأرباح غير المتوقعة لصالح تحميل دافعي الضرائب العاديين التكاليف من خلال اقتراض حكومي ضخم فلم يكن صائباً تماماً.
كذلك لا يلغي القرار تماماً المعضلة التي ذكرتها، سيكون المعدل الرئيس للتضخم، الذي تسهم فيه أسعار الطاقة، أقل نتيجة لتجميد الأسعار، لكنه سيظل مرتفعاً، إلى حد يفوق قدرة بعض العائلات على التكيف. فأزمة تكاليف المعيشة لم تنته.
والجانب السيئ من تجميد أسعار الطاقة هو أنه يشكل أيضاً حافزاً. هو سيحرر قدراً كبيراً من طاقة الإنفاق في صفوف البريطانيين الأكثر حظاً، الذين سيستمدون إلى حد كبير المنفعة الأعظم من القرار الذي يقضي بعدم توجيه المساعدات المقدمة في مواجهة أسعار الطاقة إلى أولئك الأقل قدرة على التكيف.
هذا قبل صدور ميزانية طارئة محتملة، من المرجح أن يعلن فيها وزير المالية كواسي كوارتنغ مزيداً من الاقتراض لتمويل تخفيضات ضريبية مخصصة للأغنياء، الأمر الذي سيغذي التضخم أكثر.
من المقرر أن يتلقى بنك إنجلترا اللوم في حال أصبح الوضع فوضوياً مثلما هو مرجح. وشن فريق تراس هجمات على استقلال المصرف، وتهديدات بتغيير تفويض لجنة السياسة النقدية، حين بدت مرشحتهم لرئاسة الوزراء ضامنة الفوز بالمنصب.
لكن لا تتخيلوا أن التهديدات أصبحت من الماضي. إذا كانت مهاجمة المصرف ملائمة لرئيسة الوزراء الجديدة، ستعاود هي أو وكلاؤها ذلك.
إذاً، نعم، على لجنة السياسة النقدية أن تعقد اجتماعها. فالقرار أهم من أن يؤجل، والمسألة جدية أكثر من أن تهمل. فقلب لندن التجاري يتوقع زيادة في أسعار الفائدة بواقع 0.75 في المئة، الأمر الذي سيشكل ضربة للمقترضين الذين انقضت رهونهم العقارية ذات المعدلات الثابتة، وكذلك للشركات، لكن لجنة السياسة النقدية رسمت مساراً أكثر مهادنة مقارنة بمصارف مركزية كبرى أخرى، وربما سيستمر ذلك.
بطريقة أو بأخرى، علينا أن نعرف. وسأعطيكم وجهة نظري في القرار الواجب اتخاذه، وأقول لكم رأيي في القرار المتخذ، الأسبوع المقبل، لكن ثمة أمراً واثقاً به الآن: كان ينبغي أن يتخذ القرار هذا الأسبوع.
© The Independent