يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء، فالأحداث المناخية التي تدمر المحاصيل وتعطل نقل الغذاء إشاعة بشكل كبير في المنطقة. ويحدث ثلث حالات الجفاف في العالم بأفريقيا، وتعاني إثيوبيا وكينيا أسوأ حالات الجفاف منذ أربعة عقود على الأقل، كما تضررت بلدان مثل تشاد من الأمطار الغزيرة والفيضانات.
وكشف صندوق النقد الدولي في تقرير حديث عن أن زيادة حدة انتشار الفقر مع استمرار ارتفاع كلفة المعيشة تتفاقم بفعل تأثيرات الاقتصاد الكلي المتتالية بما في ذلك تباطؤ النمو الاقتصادي. وأوضح أن الإمدادات الغذائية وأسعارها معرضة بشكل خاص لتغير المناخ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بسبب الافتقار إلى المرونة في مواجهة الأحداث المناخية والاعتماد على استيراد الغذاء والتدخل الحكومي المفرط.
ويعيش معظم الناس في مجتمعات ريفية للزراعة وصيد الأسماك لا تستطيع تحمل كلفة البنية التحتية لحمايتهم من الأحوال الجوية السيئة. على سبيل المثال، يعتمد عدد كبير من السكان على الأمطار في الزراعة، وأقل من واحد في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة بالري.
في ظل هذه الخلفية تحاول الحكومات في كثير من الأحيان المساعدة من خلال التدخل في الإنتاج الزراعي وتوزيع الغذاء، ويمكن أن تكون التدخلات غير فعالة وتؤثر على الميزانيات الوطنية وتضخم أسعار الغذاء وتعوق المنافسة وتقلل من إنتاج المحاصيل. على سبيل المثال تسهم مراقبة الأسعار والعمليات التنظيمية العديدة والمطولة في حدوث نقص من خلال تثبيط إنتاج الأغذية وتخزينها وتجارتها. وبالمثل فإن دعم الأسمدة والبذور يؤدي إلى الإفراط في الاستخدام ويحد من تنوع المحاصيل.
السياسات المالية
وذكر صندوق النقد أن حماية إنتاج الغذاء وتوزيعه تبدأ من وجود البنية التحتية المقاومة لتغير المناخ، وهذا النوع من الاستثمار العام يخلق أيضاً فرص عمل ويمكن أن يحفز الاستثمار الخاص. وعلى سبيل المثال الطاقة الشمسية التي تسهل الري والوصول إلى المياه والتحكم في درجة حرارة تخزين الطعام.
الرقمنة هي أيضاً حاسمة، إذ تتيح للمزارعين الوصول إلى أنظمة الإنذار المبكر والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، إضافة إلى المنصات لشراء الأسمدة أو البذور أو بيع المنتجات، مما يساعد على ربط صغار المنتجين بالموردين الكبار، كما أن التحويلات النقدية الاجتماعية الموجهة والبعيدة المدى تساعد الناس على شراء الطعام وإعادة البناء بعد صدمات الطقس. ومن خلال منح الناس فرصة التحكم في الدعم الذي يتلقونه تكون هذه التحويلات النقدية أكثر فاعلية في احتواء عدم المساواة من الإعانات الزراعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن أن يؤدي الوصول إلى التمويل من الأسواق الخاصة دوراً مشابهاً للمساعدة الاجتماعية. وتتطلب زيادتها تطوير الأسواق المالية، الأمر الذي قد يستغرق وقتاً. في غضون ذلك، يمكن أن يساعد التمويل الصغير أو الشراكات بين القطاعين العام والخاص في توفير الائتمان للأشخاص الذين لا يمكنهم حالياً الوصول إليه من خلال البنوك.
وتحقيقاً لهذه الغاية فإن إنشاء ضمانات من خلال التقدم في حقوق الملكية أمر بالغ الأهمية. وبدعم من البنك الدولي تعمل موزمبيق وتنزانيا على توسيع سجلات الملكية والمسح وتطوير الخدمات الإدارية الرقمية للأراضي. وفي غانا تقنية "بلوك تشين" لتحسين سجلات الأراضي غير المكتملة أو المفقودة.
إصلاحات هيكلية
ويمكن أن يساعد تحرير التجارة وتنويع الواردات على استقرار الإمدادات الغذائية الإقليمية والأسعار. فعلى سبيل المثال كان من الممكن أن تساعد المحاصيل الكبيرة من الذرة في زامبيا في تعويض النقص بأماكن أخرى في جنوب أفريقيا لولا حظر تصدير المحصول، كما يمكن أن يؤدي الوصول إلى أسواق أكبر لتحفيز الاستثمار في شبكات الإنتاج الزراعي وسلاسل القيمة. ويمكن أن يساعد أيضاً في نشر المعرفة، مثل كيفية زراعة محاصيل مقاومة للجفاف وتحفيز المنافسة. وإحدى الخطوات الإيجابية في هذا الاتجاه هي اتفاقية التجارة الحرة لأفريقيا بين 54 دولة، والتي تغطي معظم السلع والخدمات.
أيضاً يمكن لمنظمات المنتجين الوصول إلى المجتمعات الزراعية النائية المعرضة للتأثر بالمناخ. وسيساعد ذلك في نشر تقنيات جديدة مثل الأجهزة الرقمية لمكافحة الآفات والبذور عالية الإنتاجية التي تتحمل الحرارة والجفاف وتحسين التدريب على التكيف مع المناخ ومعلومات السوق. ويمكن أن يساعد تجميع الإنتاج والبيع مباشرة إلى المستهلكين على زيادة القوة التفاوضية، مما يقلل بدوره من كلفة التخزين، ويطيل العقود، ويوسع هوامش الربح ويتيح الوصول إلى أسواق جديدة.
ومن خلال تبسيط اللوائح يمكن للحكومات مساعدة المزارعين على بناء المرونة، إذ تعمل لوائح استخدام المياه المناسبة على تقليل الكلفة التي يتحملها المزارعون لإنشاء وتوسيع أنظمة الري. أيضاً فإن التسجيل الفعال للبذور كما هو الحال في كينيا يضاعف الإمدادات ويساعد على الوصول إلى البذور المرنة. أخيراً، تساعد متطلبات اختبار الأسمدة ووضع العلامات والتسجيل المزارعين على الوصول إلى الأسمدة الخالية من الملوثات المناسبة للتربة والمحاصيل.
وسيكون التمويل وتنمية القدرات ونقل التكنولوجيا والدراية أمراً أساسياً لدعم السياسات الإصلاحية. ومع تزايد الديون والقيود المفروضة على زيادة الضرائب، ستحتاج البلدان الواقعة في أفريقيا جنوب الصحراء إلى منح وتمويل بشروط ميسرة. ويمكن لشركاء التنمية أيضاً دعم أبحاث بناء القدرة على الصمود ونشر المعرفة المناخية والمالية.