تستعد الحكومة المصرية لإصدار عملة معدنية جديدة من فئة الجنيهين (0.103 دولار أميركي) تمهيداً لتداولها في الأسواق المصرية جنباً إلى جنب العملات المساعدة الأخرى (الفكة) من فئات ربع الجنيه (25 قرشاً) ونصف الجنيه (50 قرشاً) والجنيه المعدن (100 قرش).
وعلى رغم أن اتجاه حكومة ما إلى إصدار عملات جديدة، سواء من أوراق النقد (البنكنوت) أو العملات الفضية (المعدن) أمر طبيعي كإحدى سلطاتها الرئيسة فإن إعلان القاهرة الاتجاه إلى إصدار عملة معدنية فئة الجنيهين في الوقت الحالي أثار جدلاً، خصوصاً أن الاقتصاد المصري يعيش فترة تتسم بالصعوبة أبرز مظاهرها استمرار تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار الأميركي منذ 21 مارس (آذار) 2022 بأكثر من 25 في المئة من قيمته حتى الآن.
خفض العملة أم إلغاؤها؟
انفجر الجدل في القاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مساء الأربعاء الماضي، عندما أعلن مجلس الوزراء المصري موافقته على قرارين منفصلين: الأول الموافقة على إصدار عملة معدنية جديدة من فئة الجنيهين، والثاني يتعلق بالموافقة بصورة مبدئية على مقترح إبرام اتفاق شراكة بين مصلحة سك العملة المصرية ودار السك الملكية البريطانية "رويال منت"، لإنشاء دار سك بريطانية- مصرية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
لم يهتم المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي بالقرار الثاني قدر الاهتمام بالأول الذي زعم بعض روادها أنه يهدف إلى إلغاء العملة الرسمية للدولة منذ أكثر من 150 عاماً وهي الجنيه المصري لتحل محلها العملة الجديدة فئة الجنيهين.
عيون المتخصصين والمحليين انتقلت إلى زاوية أخرى، إذ اعتبر الباحث في الجامعة الأميركية بالقاهرة هاني جنينة أن إصدار مصر عملة معدنية من تلك الفئة الجديدة يتعلق بخفض العملة المصرية، مؤكداً في تصريحات صحافية أن "القرار مرتبط بانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع التضخم ومن ثم ضعف القوة الشرائية للعملة الأقل قيمة وهي الجنيه أو نصف الجنيه أو ربع الجنيه".
وأضاف، أن "هذا يذكرنا بضعف القوة الشرائية لفئة المئة جنيه بعد تحرير سعر الصرف عام 2007، ووقتها أصدرت مصر عملة من فئة المئتين".
الحكومة تنفي
مع انتشار الإشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي أصدر وزير المالية محمد معيط بياناً رسمياً قال فيه، إنه "تم العرض على مجلس الوزراء والحصول على الموافقة المبدئية لإصدار عملة معدنية جديدة فئة الجنيهين للتيسير على المواطنين من خلال إتاحة أكثر من فئة من العملات المساعدة".
وأضاف أنه "سيتم الاستمرار في إنتاج الكميات المعتادة نفسها وأكثر من عملات الجنيه ونصف وربع الجنيه بنحو 30 مليوناً (1.5 مليون دولار) شهرياً تزيد في المواسم والأعياد والمناسبات إضافة إلى العملة المعدنية الجديدة (الجنيهين) عند إصدارها".
من جانبه، قال رئيس مصلحة سك العملة حسام خضر، إن الإشاعات التي تزعم إلغاء الجنيه المصري "لا أساس لها من الصحة"، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أن "إصدار عملة جديدة من فئة الجنيهين له أكثر من مغزى، وكلها بعيد تماماً عن إلغاء الجنيه"، مشيراً إلى أن "القاهرة لم تبتدع تلك العملة، فبريطانيا تتداول جنيهين استرلينيين في أسواقها وكذلك كندا ودول أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن "الهدف الأول يتعلق بتقليل تكلفة سك العملات المعدنية، فبدلاً من سك قرص فضة واحد قيمته 100 قرش نسك القرص نفسه ولكن بقيمة 200 قرش إلى جانب أن ذلك يكون أكثر سهولة بالنسبة إلى المواطنين في الاحتفاظ بالعملات الفضية بالنظر إلى ثقلها".
وحول مزاعم إلغاء الجنيه بعد الإصدار الجديد استشهاداً بقرار الحكومة المصرية قبل 13 عاماً بطرح عملة الـ200 جنيه، قال رئيس مصلحة سك العملة إن "الحكومة بالفعل أقدمت على ذلك عام 2007 ولا تزال العملتان متداولتين في أيدى المواطنين، ولم تلغ الأولى حتى الآن".
وحول القرار الثاني الذي وافق عليه مجلس الوزراء المصري بشكل مبدئي بتدشين دار سك مصرية- بريطانية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس باستثمارات ملياري جنيه (103 ملايين دولار)، قال "نسعى إلى تقليل تكلفة سك العملات المعدنية، إذ إننا نستورد من الخارج الأقراص المعدنية التي يتم سكها داخل مصر، وفي اتجاه الدولة نحو تقليل الاعتماد على الاستيراد من الخارج للحفاظ على الاحتياطي من العملات الأجنبية قررنا إنشاء مصنع مصري- بريطاني بمنطقة قناة السويس الاقتصادية بالاعتماد على التكنولوجيا البريطانية والخامات المصرية بدلاً من استيراد المواد الخام، ومن المقرر تصدير 50 في المئة من حجم الإنتاج إلى الدول الأفريقية، إذ سينتج المصنع سنوياً نصف مليار قرص معدني طبقاً للمعايير الدولية".
ولفت إلى أن "احتياطي الفكة يكفي لتلبية احتياجات المواطنين وكل الجهات الحكومية، والقطاع الخاص بما في ذلك السلاسل التجارية الكبرى لمدة عام ونصف العام، إذ تنتج المصلحة مليون عملة فضية يومياً".
الجنيه يواصل السقوط
في هذه الأثناء يواصل الجنيه المصري تقهقره أمام الدولار الأميركي، بعد أن تراجع على مدار النصف الأول من سبتمبر (أيلول) الحالي بمقدار يصل إلى 20 قرشاً، وهبطت قيمة الجنيه من 19.25 مقابل كل دولار في مطلع الشهر إلى 19.45 جنيه لكل دولار، الجمعة الـ19 سبتمبر.
وتهاوت العملة المصرية إلى أقل مستوى لها مقابل الدولار في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2016 عندما سجلت 19.51 جنيه لكل دولار في هبوط قياسي آنذاك عقب قرار تحرير سعر الصرف بين العملتين (التعويم) في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) قبل ست سنوات.