افتتحت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني الدورة الـ 43 لـ"المعرض العام للفنون" بمشاركة 323 فناناً وفنانة. شغل المعرض جميع قاعات قصر الفنون في القاهرة بمجمل أعمال تتخطى الـ 450 عملاً فنياً تغطي عديداً من المجالات، كالتصوير والرسم والنحت والخزف والغرافيك والفوتوغرافيا. ويعد المعرض العام هو النشاط الفني الأبرز والأهم بين الأنشطة التي تقدمها وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في قطاع الفنون التشكيلية. فهو يجمع أطياف الممارسات الفنية في مصر في عرض جماعي واحد، ويعد مؤشراً سنوياً لحجم النشاط الفني خلال العام الماضي. تحمل هذه الدورة عنوان "ذات مصر المعاصرة" ويشرف عليها الفنان المصري أحمد رجب صقر.
ويرى رئيس قطاع الفنون التشكيلية الفنان خالد سرور أن المعرض العام هو تظاهرة مهمة في المشهد التشكيلي المصري كل عام، كما أنه ركيزة أساسية للوقوف على أهم التجارب وأبرزها. ومن خلال النقد والتحليل يضع الحدث الحركة التشكيلية أمام تقييم حقيقي وصادق، كما يعد فرصة أمام الجمهور لمشاهدة هذا العدد الكبير من الأعمال المتنوعة والتجارب المختلفة.
سؤال شائك
ومن جانبه أوضح الفنان أحمد رجب صقر أن عنوان الدورة "ذات مصر المعاصرة" إنما هو محاولة جادة للإجابة عن سؤال شائك ومحير حول ما إذا كان الفن صورة منقولة مجردة، أم أنه يحمل روح صاحبه ومكنون ذاته؟ ويذهب صقر إلى أن آراء المؤرخين تكاد تجمع على أن أول حضارة تحققت فيها هذه الذاتية قامت على ضفاف نهر النيل، وبناءً على ذلك يتطلع قيم المعرض إلى تلمس دور الفنانين المصريين المعاصرين في عصر يموج كل لحظة بمتغيرات مادية حضارية هائلة تشكل تحدياً للحفاظ على ذاتية حضارتهم المادية والروحية. تكرم هذه الدورة ستة فنانين راحلين ممن تركوا بصمة فنية واضحة ومميزة في الحركة التشكيلية المصرية بعرض نماذج من أعمالهم وهم الراحلة جاذبية سري وأحمد نبيل سليمان ومحمد سالم ويحيى عبده ومحمد الطراوي وأشرف الحادي.
يعود تاريخ تنظيم المعرض العام إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي حين تم اقتراح تنظيم معرض سنوي يجمع جميع المجالات والتيارات الفنية في ذلك الوقت وتعرض فيه الأعمال من طريق لجنة مكونة من كبار فناني مصر. وقد أقيمت الدورة الأولى في مايو عام 1969 تحت عنوان المعرض القومي، وتغيرت تسميته فيما بعد إلى المعرض العام، فمثل أول تظاهرة فنية تجمع قطاعات عريضة ومتنوعة من ممارسي الفن المصريين.
سجالات متعددة
لا تخلو دورات الصالون بالطبع من السجالات المختلفة بداية من طريقة تنظيمه إلى طبيعة العرض ومحتواه. كانت نوعية الأعمال المعروضة من بين النقاشات التي شغلت الوسط الفني هذا العام، فقد لفت الفنان والناقد يسري القويضي على سبيل المثال إلى افتقاد المعرض للممارسات المعاصرة وإلى تركيزه بقدر أكبر على الأعمال الحداثية، مبدياً دهشته من تهميش مثل هذه الأعمال ووضع اللوحة والتمثال في مكان الصدارة دائماً، على رغم المتغيرات التي حدثت في مفهوم الممارسة الفنية عالمياً، غير أن الفنان سمير فؤاد كان له رأي مخالف، إذ يرى أن اللوحة والتمثال ما زالا يتصدران المشهد على مستوى العالم، وليس في مصر وحدها، ويرى أن الحضور الضعيف للممارسات المعاصرة في مصر سببه أن مثل هذه الأعمال في حاجة إلى دعم مادي قوي، وهو أمر غير متوفر في مصر.
كما يرى فؤاد أن المعرض العام يعكس الواقع الموجود بالفعل والذي تتصدر فيه اللوحة والتمثال المشهد الفني. على النقيض من رأي القويضي هاجم آخرون حضور مثل هذه الأعمال المعاصرة بين المشاركات على رغم قلتها، معبرين عن رفضهم إياه ليتحول السجال من طبيعة هذه الأعمال وقيمتها إلى مفهوم الممارسة الفنية في شكل عام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا تقتصر شكوى التهميش هنا على الممارسات المعاصرة فقط، بل تتعداها إلى شرائح أخرى من الممارسات الأخرى. كأن يرى الفنان حسن غانم وهو يشارك بعمل غرافيك، أن هناك تهميشاً كذلك لأعمال الرسم والغرافيك في مثل هذه الفعاليات الكبرى. فدائماً ما ينصب اهتمام النقاد على أعمال التصوير والنحت دون غيرهما، على رغم أهمية الرسم والغرافيك كوسائط إبداعية. ويرى غانم أن هذا التهميش للوسيطين هو انعكاس للرؤية المسيطرة على سوق الفن في مصر، هذه الرؤية التي تتعامل مع أعمال الرسم والغرافيك على أنها أقل شأناً أو قيمة من أعمال التصوير والنحت وهي رؤية مغلوطة، كما يقول.
تبدو هذه النقاشات الدائرة ظاهرة صحية بالطبع، فهي تؤشر إلى ما يعتري المشهد الفني في مصر من تجاذبات وتباينات في الآراء حول عديد من القضايا المتعلقة بالممارسة الفنية. ولا يقتصر هذا السجال بين الفنانين فقط، بل وبين الجمهور ونقاد الفن أيضاً، وهو سجال إيجابي يتجدد من عام لآخر، يحسب للمعرض العام دور إذكائه وتأطيره.