على الرغم من أن عديداً من دول العالم استطاعت التخلص من التداعيات الاقتصادية السلبية التي تسبب بها انتشار فيروس كورونا خلال عام 2020 وما ترتب عليه من إغلاق عام، إلا أن اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية أواخر فبراير (شباط) الماضي، انعكس هو الآخر على الاقتصاد لما ترتب عليه من نقص في الإمداد وارتفاع أسعار النقل وغيرها، التي بدورها أسهمت في ارتفاع معدلات التضخم في دول العالم بنسب متفاوتة، وتباطؤ في معدلات النمو للاقتصاد العالمي قدرها محافظ البنك المركزي السعودي فهد المبارك بنحو 3.2 في المئة.
وقال في كلمته خلال اجتماع مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية المنعقد اليوم في مدينة جدة، إن "المنعطفات السياسية التي يواكبها العالم أجمع صاحبتها تداعيات على مختلف الجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية، بفعل اختلال في سلاسل الإمدادات، مما أدى إلى تنامي الضغوط السعرية فألقت بظلالها على أسعار الطاقة والأغذية".
ارتفاع أسعار الفائدة
ولفت إلى أن تلك التداعيات انعكست على توقعات بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، فأشارت أحدث توقعات صندوق النقد الدولي الصادرة في يوليو (تموز) الماضي إلى تراجع وتيرة نمو الاقتصاد العالمي في عام 2022، ليصبح 3.2 في المئة مقارنة مع توقعات الصندوق في أبريل (نيسان) الماضي عند 3.6 في المئة.
وأرجع محافظ البنك المركزي أسباب تراجع معدلات النمو الاقتصادي إلى "التغيرات في أسعار الفائدة، وارتفاع معدل التضخم والتذبذبات في الأسواق العالمية، إضافة إلى التحديات التي تواجهها الاقتصادات الناشئة".
وأكد أن الدول العربية التي ليست بمعزل عن آثار تلك التحديات، تحتاج "دراسة التدابير المحتملة للتصدي لتلك التحديات، وتنسيق جهود الدول العربية لمواجهتها، ودعم السياسات النقدية التي تتخذها دول المنطقة للحفاظ على مسيرة التعافي في اقتصادياتها".
مستويات التضخم معقولة
وفي السياق ذاته، اعتبر المبارك أن معدلات التضخم في بلاده لا تزال ضمن المعدلات المعقولة، وقال "سجل معدل التضخم ارتفاعاً سنوياً نسبته ثلاثة في المئة في شهر يوليو الماضي للعام الحالي".
وأكد أنه على الرغم من التحديات الاقتصادية والجيوسياسة الحالية، إلا أن "الاقتصاد السعودي استمر في تحقيق معدلات نمو مرتفعة، إذ أشارت التقديرات للربع الثاني من عام 2022 إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 11.8 في المئة على أساس سنوي".
أما في ما يخص قطاع العمل، أوضح محافظ البنك المركزي أن معدل البطالة بين المواطنين في بلاده استمر في الانخفاض إلى 10.1 في المئة في الربع الأول من العام الجاري، محققاً تحسناً ملحوظاً مقارنة مع عام 2020 يوم سجلت البطالة 12.6 في المئة.
وأضاف "هذا الانخفاض يتماشى مع خطط السعودية في تخفيض نسبة البطالة وصولاً إلى المعدل المستهدف في عام 2030 وهو سبعة في المئة".
مرحلة التضخم الركودي
من جانبه، أوضح رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي عبدالرحمن الحميدي أن التوقعات المتفائلة للاقتصاد العالمي التي أشارت إلى توقعات نموه بنحو 3.5 في المئة هذا العام و4.4 في المئة للعام المقبل، لم تتحقق، وقال "بحسب تقديرات المؤسسات المالية الأخيرة فإن معدل نمو الاقتصاد العالمي لهذا العام كان بمعدل 3.2 في المئة، في حين أشارت التوقعات للعام المقبل أنه سينمو بنسب 2.9 في المئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطرد بالقول "إن انعكس هذا الانخفاض في معدلات النمو وما سيسفر عن التطورات العالمية في الفترة المقبلة سيدخلنا في احتمالية دخول الاقتصاد العالمي لمرحلة التضخم الركودي"، مشيراً إلى أن التقديرات الأخيرة أشارت إلى ارتفاع معدل التضخم العالمي، ليبلغ نحو 3.8 في المئة في عام 2022 و7.5 في المئة في عام 2023، مقارنة مع معدلاتها في عام 2020، حيث بلغت 3.2 في المئة، عام 2021 الذي سجلت فيه 4.7 في المئة.
ونوه الحميدي إلى أن رفع الفائدة على أدوات السياسة النقدية بشكل تدريجي، أمر متوقع لمعالجة التضخم، في وقت قال "إن المصارف المركزية العربية تعمل على ضبط أوضاع القطاع المالي لتعزيز سلامته"، وأنه من غير المتوقع أن يكون هنالك أثر جوهري لارتفاع أسعار الفائدة على قدرة البنوك العربية على الاقتراض.
مسارات النمو عريباً
وحدد رئيس إدارة مجلس صندوق النقد العربي ثلاثة عوامل تؤثر في مسارات النمو الاقتصادية في الدول العربية، وهي، التطورات المتعلقة باستمرار العمل بالإجراءات والترتيبات والحزم المالية لاحتواء التداعيات الناتجة من جائحة كورونا، والتأثيرات الناتجة من التطورات العالمية الراهنة في الاقتصادات العربية، إضافة إلى المسار المتوقع للسياسات الاقتصادية الكلية بخاصة السياسة النقدية.
وتوقع الحميدي أن تحقق الدول العربية نمواً في اقتصادها بمعدل 5.4 في المئة للعام الحالي وأربعة في المئة للعام المقبل.
تضخم مرتفع
وفي السياق ذاته، أشار الحميدي إلى أنه من المتوقع أن تسجل الدول العربية ارتفاعاً نسبياً في معدلات التضخم، فبحسب توقعات صندوق النقد العربي فإنه "من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم في الدول العربية 7.6 في المئة خلال هذا العام، و7.1 في المئة للعام المقبل 2023، في ظل التطورات والأحداث الراهنة عالمياً"، بينما تبلغ النسب العالمية 8.3 في المئة في عام 2022، و5.7 في المئة في عام 2023.
عدم اليقين
وفي سياق متصل، قال محافظ البنك المركزي التونسي رئيس الدورة السادسة والأربعين الحالية مروان العباسي "يشهد الاقتصاد العالمي اليوم حالة عدم اليقين نتجت من التطورات العالمية الراهنة، وما يصاحب ذلك من تحديات تتعلق بالأمن الغذائي وارتفاع أسعار السلع الأساسية بصورة متسارعة وتقلبات سلاسل التوريد العالمية وظهور موجة تضخمية دفعت هذه التطورات إلى إعادة تقييم وضع الاقتصاد العالمي وانعكس على الدول العربية التي تواجه كغيرها من الدول الأخرى تحديات اقتصادية تستلزم بذل كثير من الجهود والتحرك".
وأشار إلى أن أهم التحديات ارتفاع معدلات التضخم، وتزايد معدلات المديونية في ظل الارتفاع الذي شهدته مستويات الدين العام في أعقاب جائحة كورونا.
وفي الصدد ذاته، تستضيف السعودية اجتماعات الدورة الـ46 لمحافظي البنوك المركزية العربية ومؤسسات النقد العربية، وتتضمن مناقشة عديد من الموضوعات الاقتصادية والمالية، من أهمها الموجة التضخمية العالمية وتداعياتها على السياسة النقدية في الدول العربية ومخاطر تداعيات تغيرات المناخ على القطاع المالي والخدمات المصرفية.