شكّل وصول المدرعات والمدفعية الروسية على عجل مؤشراً إلى التحوّل في مسار الحرب. لم يكن هذا جيشاً في حال هجوم، بل في حال تراجع أمام الهجوم المضاد واسع النطاق الذي نجحت القوات الأوكرانية من خلاله باختراق دفاعات العدو في شمال شرق البلاد.
تابع يفهين برونين إعادة تمركز القوات في دونباس عبر عدسة طائراته المسيّرة - الطائرة من دون طيار التي لعبت دوراً حيوياً في الهجوم الأوكراني المضاد وفي الصراع ككلّ، بدءاً من صدّ هجوم الكرملين على كييف خلال أيام الغزو الأولى، ووصولاً إلى استرجاع إيزيوم وغيرها من المواقع الاستراتيجية في الآونة الأخيرة.
تمكّنت فرق المسيّرات الأوكرانية من التسبّب بدرجة من الأذى دفعت بالروس إلى رصد مكافأة لقاء مقتل أفرادها. ويفهين وفريقه من بين الأشخاص الذين تلقوا تحذيراً من الاستخبارات بأنهم مستهدفون.
لكن الشاب البالغ من العمر 31 عاماً، الذي وضع مهنته كمحامٍ ناجح جانباً لكي يحارب دفاعاً عن بلاده وهو على دراية تامة بالأخطار التي تمثّلها الجبهة، يقول إن الاستهداف ليس سوى أحد أخطار المهنة. فالأولوية الآن هي للتركيز على نقاط ضعف الروس واستغلالها والاستمرار بإلحاق الأذية بهم.
ويضيف أنّ "الروس تعلموا دروسهم بعض الشيء. كان من اللافت متابعة طريقة تشكيل القوات بعد إعادة تمركزها. عملوا وفق طريقة فيها كثير من الحذر، إذ وضعوا صفاً من عناصر جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية (وهما الجمهوريتين الانفصاليتين) وألحقوهم بالوحدات الروسية في الخلف".
"كالعادة، كان عناصر جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين هم البيادق، وسيكونوا هم الأضحية وأول من يتلقى الضربة؛ أما عتادهم، فالأسوأ مثل العادة. لكن عتاد الروس قديمة جداً كذلك، إذ تعود إلى الحقبة السوفياتية، وقد خسروا قسماً كبيراً من التجهيزات الأجدد في إيزيوم وغيرها من المناطق؛ هذه أخبار جيدة".
أدّى يفهين ووحدته دوراً مهماً في عمليات رئيسة غيّرت وجه المعركة على نحو جذري.
إذ توفّر طائراتهم المسيّرة فيديوهات مراقبة ومعلومات استخباراتية تمهيداً للقصف باستخدام أنظمة راجمات الصواريخ عالية الحركة (هيمارس) وراجمات الصواريخ المتعددة التي قدمها الغرب، وأثبتت قدراتها القتالية. وفي الوقت ذاته، تنفّذ المسيّرات ضربات منتظمة على المواقع الروسية.
ويقول يفهين "بعد جولة أو اثنتين من القصف، يتموضع الروس بسرعة لأنهم يخشون التعرض لقصف مدفعي، من أنظمة مثل هيمارس. والمطلوب هو عدم السماح لهم بالاستقرار. فدونباس هي الجبهة القادمة في هجومنا المضاد. ولذلك علينا مواصلة الضغط عليهم".
ويضيف "نحن نقصفهم كذلك بمسيّراتنا. لقد استخدمت المسيّرات لشن هجوم عليهم. على دباباتهم وعلى مواقعهم وعلى مركباتهم وعلى تجمعاتهم؛ نحن نقتل الروس وأنا لا أتردد البتة في ما أفعله. فإن لم نقتلهم، سيقتلوننا، وليس فقط الرجال منا، بل الأطفال والنساء والمسنين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح "إنهم يستهدفوننا باعتبارنا مشغّلي طائرات مسيّرة. لقد اعترضت أجهزتنا الأمنية رسائل حول تقديم مكافأة مالية أو إجازات للجنود الروس الذين ينجحون في قتلنا أو أسرنا. ونحن في موقع محفوف بالخطر لأننا مضطرون إلى العمل على مساحة قريبة جداً من الروس، في المنطقة الرمادية، حيث لا يفصلنا عنهم أحياناً سوى 100 متر. ونحن نعي هذا الواقع جيداً. ولكن علينا الاقتراب منهم لكي يتسنّى لنا تأدية مهمتنا".
إحدى المسيّرات الهجومية التي تستخدمها وحدة يفهين صُنعت في الأصل لاستعمالها في القطاع الزراعي، وهذا مثال على مهارات الارتجال التي أثبت الأوكرانيون تمتّعهم بها خلال القتال. إذ حُوّلت نحو 6 آلاف مسيّرة تجارية لاستخدامها عسكرياً.
وقد استُعملت إلى جانب المسيّرات العسكرية المستوردة، وأُثني على دورها في بداية الحرب حين ظهرت لقطات تصوّر شنّها هجمات ناجحة. وحققت الأغنية التي كُتبت عن طائرات "بيرقدار" التركية المسيّرة نجاحاً فورياً وأذيعت باستمرار على قنوات الراديو. لكن كلفة مسيّرة واحدة من طراز "بيرقدار تي بي 2" تبلغ نحو مليوني دولار (1.75 مليون جنيه استرليني) فيما يمكن اقتناء نماذج تجارية مثل "دي جي آي مافيك 3" بحوالي 2000 دولار.
وفي الجهة المقابلة، يمتلك الروس مسيّرات تستخدم للمراقبة أكثر من تلك الهجومية، فيما فقدوا أعداداً كبيرة من الطائرات من النوعين خلال الصراع. وهم يستخدمون إجمالاً "أورلان-10" وهي طائرة بسيطة بشكل عام يمكنها حمل قنابل صغيرة وكاميرات.
لكن حتى مخزون [أعداد] هذه المسيّرة يُقدّر بأنه تقلص الآن إلى بضع مئات الطائرات، فيما التجأت موسكو إلى حلفائها في الخارج ولا سيما إلى إيران، لكي تزوّدها بالإمدادات. وبعض المسيرات التي أرسلتها إيران أصابها عطل. لكن استخدام مسيّرات "شاهد 136" المزوّدة بأجنحة دلتا قد بدأ الآن، وهي تحدث بعض الأثر.
نشر الروس المسيرات الانتحارية، التي أعيدت تسميتها "جيرانيوم-2"، في مقاطعة خاركيف، فدمروا مدفعي هاوتزر ذاتي الحركة عيار 152 ميليمتر، ومدفعي هاوتزر ذاتي الحركة من عيار 122 ميليمتر كما ألحقوا الضرر بمدفع هاوتزر الأميركي من عيار 155 من طراز M777. وقد زوّدت المسيّرات بأجهزة مضادة للتشويش تجعل اعتراضها أمراً صعباً عندما تصوّب على هدفها.
بعض المسيّرات التي يستخدمها يفهين تأتي من مشروع "جيش المسيّرات" الذي يشكّل جزءاً من مبادرة "متحدون 24" التي أطلقها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وجمعت أكثر من 185 مليون دولار من التبرعات الدولية، وأصبحت جزئيّة مهمة في الجهد الحربي الأوكراني.
يُنفّذ مشروع "جيش المسيرات" بإدارة متطوعين، وهم بعض من الآلاف الأشخاص المصرّين على مقاومة الغزو الروسي. وفيما يعلّق يفهين العمل بمكتب المحاماة، يستمر بأداء دور آخر كرئيس مجلس ألعاب القوى الأوكراني، مما يسمح له بحضور المباريات الرياضية في الخارج.
من المهم بالنسبة إلى أوكرانيا أن يستمر رياضيوها بتمثيلها ودعمها في الخارج. وفي هذا السياق، تأهّل المنتخب الوطني لكرة القدم لدور الملحق في تصفيات كأس العالم، فهزم اسكتلندا في هامدن بارك فيما كانت الحرب تستعر داخل البلاد، لكنه خسر بفارق بسيط أمام ويلز في كارديف. وقد حافظ بطل العالم في الملاكمة للوزن الثقيل، أوليكساندر أوسيك، على لقبه في فئتين، وهزم البريطاني آنتوني جوشوا الشهر الماضي. وكان البطلان السابقان في الوزن الثقيل، فيتالي كليتشكو وشقيقه فلاديمير، في طليعة جهود الدفاع المدنية عندما حاول الروس تطويق العاصمة.
ومن بين الشخصيات التي التقاها يفهين في بطولة العالم لألعاب القوى التي أقيمت في أوريغون الشهر الماضي، اللورد سيباستيان كو، رئيس الرابطة الدولية لاتحادات ألعاب القوى، وهو رياضي بريطاني حاصل على ميداليات ذهبية في الألعاب الأولمبية.
ويقول يفهين "سألني سيب[استيان] إن كان يمكنه الاجتماع بفريقنا. وأجبته ’طبعاً‘. هذا الرجل فاز بأربع ميداليات أولمبية وحقق كثيراً من الإنجازات. وها هو يخصص وقتاً للاجتماع بهؤلاء الشباب. كانوا فرحين جداً لرؤيته. قدّم سيب كثيراً من المساعدة، كما تلقينا اتصالات من عدة رؤساء آخرين للاتحادات الوطنية سألونا كيف يمكنهم مساعدتنا".
وأضاف "إنّه لموقف مهم جداً حين يتعلق الأمر بالرياضة أن نبذل أقصى جهدنا لنبدو أننا نعمل كأمة. فعندما يقدم رياضيونا أداءً جيداً في المنافسات، ترتفع المعنويات داخل البلد. لكن هناك المزيد. لقد شاهدنا تضامناً دولياً مؤثراً جداً. وهذا يجعلنا ندرك أكثر بأننا لسنا وحدنا، ويزيد عزمنا على مواصلة القتال".
ويختم "من يعلم كم تستمر الحرب؟ قيل لنا إن كييف ستسقط في غضون ثلاثة أيام، ولكن ها قد مرّت سبعة أشهر على ذلك الآن، ونحن نجبرهم على التراجع. وأنا سعيد للغاية بأننا استطعنا المساعدة في هذا الجهد باستخدام مسيّراتنا وسوف نواصل أداء عملنا، مهما كان التهديد الذي يواجهنا".
© The Independent