جاءت كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنبرة سياسية حادة وغير مسبوقة تجاه تل أبيب وواشنطن، إلا أن آراء المراقبين تباينت في شأن مضمونها.
فالكلمة التي استمرت نحو ساعة في تجاوز كبير للوقت المخصص لكلمات رؤساء دول العالم السنوية في
الأمم المتحدة طغى عليها الخطاب العاطفي والسرد التاريخي لمآسي الشعب الفلسطيني منذ إعلان بلفور الذي مهد الطريق لتأسيس إسرائيل.
وفي موقف هو الأوضح أعلن الرئيس عباس "نهاية العلاقة التعاقدية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية التي أسسها اتفاق أوسلو قبل 29 عاماً" بسبب "تدمير إسرائيل حل الدولتين على حدود عام 1967 وتنكرها لقرارات الأمم المتحدة".
وأضاف أن منظمة التحرير "لن تتعامل وفق تلك العلاقة التعاقدية، لكن على أساس دولة احتلال، وشعب محتل"، وطالب المجتمع الدولي بالتعامل معها أيضاً على هذا الأساس.
وبعد إشارته إلى أن إسرائيل "لم تبق للفلسطينيين شيئاً من الأرض لإقامة دولتهم عليها" أعلن التقدم بطلب رسمي إلى الأمم المتحدة لتنفيذ قرارها لتقسيم فلسطين عام 1947 رقم (181).
لكن الرئيس عباس طالب الأمين العام للأمم المتحدة "بالعمل الحثيث على وضع خطة دولية لإنهاء الاحتلال لأرض دولة فلسطين استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي أشارت إلى القرار 242 لعام 1967.
وفي تناقض لنفيه وجود شريك إسرائيلي لتحقيق السلام أشاد بإعلان تأييد رئيس الوزراء الإسرائيلي
يائير لابيد لحل الدولتين.
إلا أن الرئيس عباس شدد على أن "الاختبار الحقيقي لجدية موقف لابيد هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات فوراً لتنفيذ حل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ووقف كل الإجراءات أحادية الجانب التي تقوض حل الدولتين".
ولوح بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي الفلسطينيين قبل سبعة أعوام حول قطع العلاقات مع تل أبيب وسحب الاعتراف منها، "بهدف الحفاظ على وجودنا الوطني على أرضنا ومن أجل الحفاظ على حقوقنا التاريخية في وطننا تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية".
هجوم على واشنطن
إلا أن الرئيس عباس هاجم واشنطن وقال إنها "تقدم الدعم اللامحدود لإسرائيل وتحميها من المساءلة وتساعدها على المضي قدماً في سياساتها العدوانية وفي ازدرائها للمجتمع الدولي بأسره".
ولم تكد تنتهي كلمه الرئيس الفلسطيني حتى هاجمها مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان وقال إنها "مليئة بالأكاذيب ومنفصلة عن الواقع"، مشيراً إلى أن "عهد الرئيس قد ولى".
واتهم أردان عباس باستخدام منبر الأمم المتحدة "للتحريض ضد إسرائيل ودعم الإرهابيين الذين يمولهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل اعتبر القيادي في حركة "حماس" موسى أبو مرزوق كلمة الرئيس عباس "مكررة وضعيفة وكلها استجداء وسرد لجرائم الاحتلال"، مع أنه ذكر أنها "من أصدق ما قيل"، وأشار المتحدث باسم "حماس" فوزي برهوم إلى أن الرئيس عباس "ذهب إلى الأمم المتحدة معزولاً وطنياً وشعبياً متخلياً عن كل عوامل القوة المستندة إلى الوحدة والنضال والكفاح المشروع في مواجهة ومقاومة المحتل".
فيما أشادت فصائل
منظمة التحرير الفلسطينية بكلمة عباس وقالت إنها "وضعت المجتمع الدولي أمام مسؤولياته"، وإنها تشكل "خطة طريق سياسية ودبلوماسية للمرحلة المقبلة".
وصرح عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة عن حزب الشعب بسام الصالحي بأن الكلمة "تمثل مدخلاً أساسياً لتنفيذ قرارات إنهاء العلاقة مع إسرائيل وتنهي حال التزييف في العلاقة بين منظمة التحرير وتل أبيب"، وشدد على أن النقطة المركزية في كلمة عباس هي "إعادة العلاقة بين الجانبين إلى ما كانت عليه قبل توقيع اتفاق أوسلو"، داعياً إلى تفعيل النضال الوطني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي".
الخروج عن المألوف
ومع أن أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات اعتبر أن كلمة عباس "خرجت عن مألوفه واحتوت على مواقف تصعيدية"، إلا أنها "جاءت لأهداف تكتيكية في خدمة استراتيجية الرئيس عباس التي لم تتغير منذ عشرات السنين"، وأوضح أن "الغضب في كلمة الرئيس عباس سببه إحباطه الشديد من الموقف الأميركي الذي يراهن عليه لإنهاء الاحتلال"، مشيراً إلى أن "تعامل واشنطن مع حرب أوكرانيا عرى استراتيجية عباس القائمة على ضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لإنهاء احتلالها".
وحول دعوته إلى تطبيق القرار 181 لفت فريحات إلى أن تلك الدعوة "ليست سوى للاستهلاك الإعلامي والتصعيد الكلامي"، وأضاف أن عباس "لا يريد تفعيل مكامن القوة الموجودة لدى الفلسطينيين واستخدامها كورقة ضغط على إسرائيل... فالرئيس عباس لم يقدم أي استراتيجية جديدة".
نهاية اتفاق أوسلو
ويختلف الوزير الفلسطيني الأسبق حسن عصفور مع قراءة فريحات لكلمة عباس، إذ يعتبرها عصفور "نهاية للتمسك الرسمي الفلسطيني باتفاق أوسلو"، وأضاف أن كلمة عباس "تشكل فصلاً سياسياً جديداً يقوم على فك ارتباط متدرج ولكنه سريع مع إسرائيل عبر خطوات محددة متتاليه ولكنها تكاملية".