تحركت المصالح الأمنية في المغرب للقيام بعمليات تمشيط ومراقبة لمحيط المؤسسات التعليمية في عدد من المدن، استجابة لدعوات مدنية وأولياء أمور التلاميذ في شأن تهديد مظاهر إجرامية لسلامة المتعلمين مثل المخدرات والسرقة والتحرش الجنسي.
ويختار عدد من مروجي المخدرات محيط المدارس من أجل استقطاب التلاميذ لشراء بضاعتهم، كما يتربص المتحرشون على دراجاتهم النارية بالتلميذات لدى خروجهن من المؤسسات التعليمية، الأمر الذي أثار حنق الأسر والتربويين على السواء.
وتعالت أصوات تنادي بضرورة إنشاء "شرطة للمدارس" تقوم بتشديد المراقبة على محيطها، بينما يرى آخرون أن الأمن يقوم بدوره من خلال دوريات في محيط المؤسسات العمومية، والمسؤولية يتحملها عدد من الأطراف.
مخدرات وتحرش وطيش
وشهد انطلاق العام الدراسي الجديد في المغرب منذ بداية شهر سبتمبر (أيلول) أحداث سرقة وتحرش وبيع مخدرات في محيط عدد من المؤسسات التعليمية بمدن مغربية.
ويشاهد في محيط كثير من المدارس شباب غرباء يحاولون التحرش بالتلميذات إما بمطالبتهن بالتوقف للحديث أو باقتفاء خطواتهن، وآخرون يتعاطون المخدرات ويروجون لبيعها إلى التلاميذ وغيرهم.
وألقت الشرطة القبض قبل أيام على مروج للمخدرات قرب إحدى المدارس الثانوية في ضواحي العاصمة الرباط متلبساً بمحاولة بيع لفافات من مخدر الحشيش لبعض تلاميذ البكالوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مدينة سلا أوقفت الشرطة شباباً يبيعون السجائر أمام باب إحدى المدارس، وحذرت بعض الشبان الطائشين من مغبة التحرش الجنسي بالتلميذات لدى دخولهن أو مغادرتهن الفضاء المدرسي.
وفي السياق انتشرت مقاطع فيديو لمسؤول في السلطة بدرجة "قائد" في منطقة أوريكة وهو يقتاد شباباً غرباء عن إحدى المؤسسات التعليمية إلى مقر القيادة، كما ظهر موبخاً التلميذات على مكوثهن خارج أسوار المدرسة بعد انتهاء حصص الدراسة.
وتوزعت مواقف المعلقين حيال تصرف رجل السلطة هذا بين مؤيد لما يقوم به باعتباره مسؤولاً عن سلامة التلاميذ في محيط المدارس، ومن اعتبر أن تدخلاته "قاسية في حق التلميذات".
قلق البرلمان
نقاش تدبير الأمن في محيط المؤسسات التعليمية سبق أن أوصله نواب إلى قبة البرلمان بعد أن طرحوا الموضوع على وزيري التربية الوطنية والداخلية لعلاقتهما معاً بهذا الملف.
البرلمانية عزيزة بوجريدة وجهت سؤالاً كتابياً إلى وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت، قبيل انطلاق العام الدراسي، ورد فيه أن ترويج المخدرات والمؤثرات العقلية بمختلف أنواعها انتشر في صفوف التلاميذ والطلبة بمحيط المؤسسات التعليمية والجامعية.
النائبة قالت إن الظاهرة مقلقة وتستهدف فئة المراهقين والشباب الذين يمثلون نسبة مهمة من أبناء المجتمع، مطالبة الحكومة بمضاعفة الجهود من طرف مختلف الفاعلين، وكذا تشديد المراقبة الأمنية على محيط المدارس والثانويات والجامعات في مختلف المدن.
من جهته، ثمن النائب عبداللطيف الزعيم توسيع مجال عمل الدوريات الأمنية خصوصاً في محيط المؤسسات التعليمية، إذ أدت إلى تنقيته من الغرباء والحد من انتشار الآفات الخطيرة كالمخدرات، وغيرها من المظاهر والممارسات غير الأخلاقية.
ودعا الزعيم إلى تكثيف المراقبة الأمنية في مدارس القرى، كون محيطها يشهد سلوكيات شائنة، وهو ما تؤكده وقائع كثيرة سجلت في عدد من المؤسسات التعليمية بهذه المدارس بلغت حد الاختطاف والاحتجاز والاغتصاب.
جهود أمنية
وزير الداخلية المغربي عبدالوافي لفتيت رد على مسألة ترويج المخدرات في جنبات ومحيط المؤسسات التعليمية بالقول إن المعالجة الأمنية لهذه الجرائم تنطلق من رؤية شمولية ترتكز على ثلاث دعائم: الأولى تقليص العرض عبر الحد المستمر من المواد المخدرة كإجراء وقائي من خلال تعزيز دوريات المراقبة في المناطق الحدودية ومراقبة الطرق.
أما الدعامة الثانية، بحسب وزير الداخلية، فتتجسد في تقليص الطلب من خلال اتخاذ تدابير وقائية عن طريق تشديد المراقبة على الأماكن العمومية بما فيها المقاهي والملاهي التي يرتادها القاصرون، والثالثة هي التوعية بأخطار المخدرات.
وقال الوزير إن عدد التلاميذ المستفيدين من الحملات التوعوية من طرف مصالح الأمن في الموسم الدراسي 2021-2022 بلغ زهاء 508755 تلميذاً من خلال استهداف 7450 مؤسسة تعليمية ومشاركة 2184 جمعية.
وأسفرت التدخلات الأمنية لمحاربة ترويج المخدرات قرب المدارس في الموسم الدراسي المنتهي، وفق وزير الداخلية المغربي، عن توقيف 2842 مشتبهاً فيه، وحجز أكثر من 63 كيلوغراماً من القنب الهندي، و620 علبة من الأقراص المهلوسة، و26 غراماً من مخدر الكوكايين.
وفي السياق، سبق لوزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي أن كشف قبل بضعة أسابيع عن كون القانون الجنائي المعدل الذي تعده الحكومة سيشمل عقوبات جديدة رادعة لبيع المخدرات للقاصرين أمام وفي محيط المدارس قد تصل إلى أكثر من 20 سنة سجناً.
شرطة مدرسية متخصصة
الباحث التربوي وعضو الجمعية المغربية لحقوق التلاميذ محمد الصدوقي، يقول إن محيط مدارس المغرب وخصوصاً المؤسسات الثانوية يشهد في السنوات الأخيرة تنامي ظواهر سلبية عدة تهدد سلامة وأمن التلاميذ مثل انتشار بائعي المخدرات والمسكرات الرخيصة، وتعرض الإناث للتحرش والتغرير، وانتشار ظواهر العنف والشغب، وسرقة وتخريب ممتلكات المدارس سواء من طرف التلاميذ أو الغرباء.
ودعا الصدوقي إلى إنشاء شرطة مدرسية نظامية متخصصة ومداومة، تعمل على حماية أمن التلاميذ والمؤسسات التعليمية، وأيضاً حماية الأطر التعليمية من عنف بعض الآباء أو التلاميذ بخاصة في الامتحانات، وتعطى لها صلاحيات قانونية وتربوية، كما يسمح لها بالتدخل الوقائي حتى داخل المؤسسات التعلمية نفسها وليس فقط في محيطها.
وتابع أن المقاربة الأمنية وحدها لن تكون كافية وفعالة، إذ يجب أيضاً تكثيف الحملات التربوية التوعوية لدى التلاميذ وبخاصة بالمؤسسات الثانوية، حيث يعيشون مرحلة المراهقة التي يسهل فيها استغلالهم والتغرير بهم.
وطالب الصدوقي بإدماج الدروس التوعوية حول خطورة بعض السلوكيات والأشخاص المجرمين، وأساليب التغرير وكيفية التصرف حين يتم التعرض لها، في المنهاج الدراسي.